الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني: سلاح النقد أم نقد السلاح؟

عادل عبد العاطي

2005 / 10 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


هوامش على متن الرسالة المفتوحة لعضوية الحزب الشيوعي السوداني
سلاح النقد أم نقد السلاح؟
أو في تعامل الشيوعيين السودانيين مع النقد الموجه لحزبهم

ازعم ان أغلب التنظيمات الاجتماعية والسياسية السودانية؛ تعاني من حساسية مرضية تجاه النقد الذي يمكن ان يقدم لمكوناتها؛ وتعاني من انيميا حادة لا تطاق؛ فيما يتعلق بالنقد الذاتي؛ اى النقد القادم من داخل التكوين المعين؛ تجاه بعض مواقفه السابقة او الحالية؛ وفي هذا الاطار فان الحزب الشيوعي السوداني ليس استثناءا؛ ولكن ضيق صدر قادته والكثير من عضويته بالنقد قد اصبح مضرب الأمثال.
والطريف في الأمر؛ ان الشيوعيون السودانيون هم من ادخل تعبير ومفهوم النقد والنقد الذاتي؛ في الحركة الفكرية – السياسية السودانية؛ وذلك حين جعلوه – نظريا وقبل زمن بعيد- احد دعائم حياتهم الحزبية الداخلية؛ ووضعوه في دستورهم؛ ويبدو انهم قد فعلوا هذا في الأدبيات؛ ليهربوا منه هربا عظيما في الواقع؛ وليمارسوا الضد منه تماما؛ وخصوصا منذ الانكفاء الكبير للحزب عقب هزيمة انقلاب 19 يوليو 1971.
ان عقلية الانكفاء وسيكلوجية إمتلاك الحقيقة المطلقة؛ انما هي ظواهر معهودة في المجتمعات التقليدية والتسلطية؛ والمجتمع السوداني مجتمع تقليدي؛ وبه مؤسسات تسلطية بامتياز؛ تبتدئ من سلطة الأب والجد والاخ على كافة الاسرة؛ وتمر عبر المدرسة التلقينية القهرية؛ والطائفة الدينية المغلقة؛ ولا تنتهي عند السلطة الحاكمة الديكتاتورية؛ ولذا فليس من الغريب ان تلقى هذه الظواهر بظلالها على الشيوعيين السودانيين؛ بحيث يعتبر بعضهم الاعتراف بالخطأ شرا وهزيمة ومصيبة عظيمة.
كما ان الطابع العقيدي والرسالي الذي نظر / ينظر به اغلب الشيوعيون السودانيون الى النظرية الماركسية والى دور حزبهم في الحياة العامة؛ يحول اغلبهم الى دوغمائيين من الدرجة الاولي؛ بل وأكاد اقول اصوليين؛ حيث يتصوروا ان منبع الحكمة والحقيقة والوطنية والشرف كامن في حزبهم وقيادتهم لا يتعداه؛ وكل من ينقد حزبهم او قيادتهم انما هو مارق وشرير؛ ومعاد بالضرورة للحقيقة والوطن والشرف؛ حتى يثبت العكس.
في هذا التعامل السلبي من ظاهرة النقد؛ والذي هو – أى النقد- من اساسيات المنهج الجدلي؛ ومن ابجديات كل تطور وتغيير؛ يمكن ان نلمس ايضا عقلية ما اسميه بالقلعة المحاصرة؛ حيث ان التنظيمات والمجموعات والتيارات التي تكون في فترة ما اقلية في المجتمع؛ او تتخوف من الهزيمة او عانت منها؛ أو تسير في اتجاه الانحسار؛ تميل في العادة الى ضم صفوفها والتوحد حول تنظيمها – فكرتها - عقيدتها؛ وتبجيل قادتها بل وتقديسهم؛ والدفاع عن القلعة المحاصرة – حقيقة ام تخيلا- حتى الرمق الاخير والرجل الاخير والقطرة الاخيرة من الدم او الحبر.
في المقابل فان الافكار الجديدة والتنظيمات الناهضة؛ لا تتخوف من النقد بل وترحب به؛ لانها ترى فيه مصدر قوة؛ وامكانية لتطوير خطاها. في هذا الاطار يمكن ان ننظر للنص الاكثر نقدية في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني؛ وهو وثيقة "اصلاح الخطأ في العمل وسط الجماهير" ؛ والتي كتبها عبد الخالق محجوب في عام 1961 ؛ وقدم فيها نقدا شاملا لعمل الحزب ومناهجه بعد 15 عاما من تاسيسه؛ على مستوى التعامل مع الافكار والجماهير واشكال التنظيم والعادات والتقاليد الخ.
لقد اندهشت في الثمانينات؛ وانا انظر لمقدمة الطبعة الجديدة لتلك الوثيقة؛ والتي توقعت ان تقوم بنقد تجربة الحزب منذ 1961 والي تاريخ اعادة الطباعة؛ بنفس المنهج؛ لاجد انها هربت من ذلك الواجب؛ وكررت او اختصرت ما قالته الوثيقة التي كتبت قبل ربع قرن.. ان عقلية تعتقد ان ربع قرن من العمل وسط الجماهير؛ كانت خالية من الاخطاء ؛ أو لا تجد الرغبة او القدرة لنقدها؛ لا يمكن ان تنتج الا حالة الانكفاء وعقلية القلعة المحاصرة التي نلمسها في ردود فعل بعض الشيوعيين اليوم.
لقد قال البعض ان الكيزان لا يعترفوا ابدا باخطائهم؛ ولا يعتذروا عنها؛ بل يبرروها في أحسن الاحوال؛ وذلك لما دخل في روعهم من امتلاك الحقيقة المطلقة ومن حيازة اسرار الأرض والسماء ومن طهر وقدسية قادتهم غير المقدسين. وفي هذا المجال فان الحزب الشيوعي السوداني لا يختلف عنهم البتة.
ولو كان بعض هؤلاء الشيوعيون يكتفوا برفض النقد السلبي؛ لكان هذا هينا؛ ولكنهم ينتقلوا سراعا الي الهجوم والاتهامات التي ليس لها دليل ولا اساس تجاه الناقدين؛ وشخصنة الحوار معهم؛ ووصفهم بالانتهازية والامنجية والسقوط الخ؛ ومحاربتهم اجتماعيا .. ويمكن ان نجد مثالا ساطعا في تعامل الشيوعيين اليوم مع الصحفية صباح أحمد؛ والتي لمجرد ان كتبت مقالا نقديا عن حزبهم؛ وكتبت عن الفشل والمناورات في عقد مؤتمرهم الخامس؛ تحولت عندهم الى عميلة لجهاز الأمن؛ كما تقول الميدان؛ وتحولت عند بعضهم الى العدو الاول والأخير؛ والذي يمكن ممارسة اسؤا وابشع ممارسات اغتيال الشخصية والقتل المعنوي والتبشيع تجاهه.
يقول عبد الخالق محجوب عن مسلك مثل هؤلاء:
" نتج عن المسلك الخاطئ المتميز بالعجلة ان اصبح بعض الرفاق يطلقون الصفات علي الناس دون مبرر: فهذا انتهازي وذلك جاسوس !! بالطبع هناك الانتهازي وهناك الجاسوس؛ ولكن الانتهازية مسلك مستمر وموقف طبقي؛ والجاسوسية امر لا بد من التحرز والدقة والاقتصاد في الحكم عليهما. (.....) وهذه الاحكام العاجلة المبتسرة تصبح اخطر اثرا؛ عندما تصدر من قادة في حزبنا؛ وهناك بعض الرفاق في فصائل القيادة يسلكون هذا المسلك غير المسؤول ازاء الجماهير؛ بل في بعض الاحيان ازاء الاعضاء؛ فيستثقلون دم شخص دون ذنب جناه؛ ويذمون آخر ويجرحونه دون مراعاة لمراكزهم ومسؤولياتهم.(.....) مثل هؤلاء الرفاق يخربون علاقات حزبنا بالجماهير؛ ويهدمون ما بني غيرهم في وجه صعوبات جمة؛ ويستجيبون لفردية البرجوازي الصغير؛ الذي يعيش اسيرا لتعصبه؛ ويبني احكامه علي النزوات الطائشة والعواطف الفجة." ( عبد الخالق محجوب: اصلاح الخطا في العمل وسط الجماهير: الطبعة الثانية - ص 48-49)
ان مثال الصحفية صباح أحمد؛ يقف مثالا ساطعا على هذا التعصب؛ وبناء الاحكام على النزوات الطائشة والعواطف الفجة؛ وعلى انعدام التحرز والدقة والاقتصاد في الاحكام؛ حيث يجهل بعض هؤلاء الشيوعيون او يتجاهلوا؛ ان ما نعاني منه في بلادنا ليس كثرة النقد بل قلة النقد؛ وليس انفلات الصحافة بل عدم حرية الصحافة؛ والتي هي في الانظمة الديمقراطية تشكل السلطة الرابعة؛ فهل يكون مصير كل صحفي انتقد حزبا ان يؤكل حيا هكذا؛ وان يمارس عليه ما حذر منه عبد الخالق محجوب قبل حوالى نصف قرن؟
ان معظم الشيوعيين ممن اتهموا الصحفية صباح بالعمالة للأمن؛ لا يمكنهم تقديم دليل على ذلك؛ وهم بهذا إنما يقدموا اسؤا الامثلة لموقفهم من قضايا الشفافية وحرية التعبير وحق الرأى العام في معرفة المعلومة. ولا يهمنا هنا ان تكون الصحفية صباح متحيزة ضد الحزب الشيوعي ام لا ؛ او ان تكون هناك هنات في حرفيتها الصحفية؛ بقدر ما ان الاهم هو حق المواطن في المعلومة؛ وحقه في انتقاد احزابنا السياسية المتكلسة؛ وقياداتها الديناصورية؛ هزا للقديم واستشرافا للجديد؛ وحق الصحفي في حرية التعبير.
ان الصحفيين في البلدان المتقدمة والديمقراطية؛ تكاد تكون لهم حصانة من السياسيين مطلقة؛ وهم باسم الرأى العام من حقهم تعقب هؤلاء السياسسين بالذات؛ وفضحهم ونقدهم؛ ولو كان النقد لاذعا ومؤلما وغير صائبا في بعض الاحيان.. ولم اسمع عن اى صحفي تمت محاولة اغتياله معنويا؛ واتهامه بالعمالة للامن دون دليل الا العواطف الفجة؛ في تلك البلدان التي يحترم سياسيوها ومؤسساتها السياسية حق المواطن في المعلومة.
ان ممارسة اغتيال الشخصية عند قيادة الحزب الشيوعي قد تم رصدها من اكثر من مراقب: كتب عنها الدكتور حيدر ابراهيم على؛ وكتب عنها الاستاذ عرمان محمد احمد؛ واكتوي كثيرا منها وكتب عنها الراحل الكبير الخاتم عدلان. ورغم ان دكتور حيدر والراحل الخاتم عدلان قد شككا في فعالية هذا السلاح اليوم في يد الشيوعيين؛ الااننا نؤكد انه لا يمكن ان يتم اصلاح وتطوير الحزب الشيوعي السوداني؛ أو أي تنظيم يخرج منه؛ ولا اندراجه من جديد وسط القوى الديمقراطية؛ واستعادة مواقعه في النضال من اجل الحريات وحقوق الانسان وكرامة الفرد؛ لو لم يتخلص من حساسيته المرضية تجاه النقد؛ ومن ممارسات اغتيال الشخصية الشنيعة والبشعة.
ويتمظهر الضيق بالنقد عند بعض الشوعيين؛ بمطالبة الناقد ان يترك الحزب الشيوعي وينصرف لاموره؛ وخصوصا اذا كان هذا الناقد قد فارق صفوف الحزب من قبل؛ او كان ينشط في حزب آخر. بل ان هذه السلوك قد تبدى حتى في التعامل مع المختلفين في الراى من الشيوعيين؛ وكلنا يذكر دعوة التجاني الطيب للمنتقدين لايدلوجية وبنية الحزب الشيوعي المتكلسة؛ ان يتركوا " حزبهم" ويذهبوا لبناء "حزبهم" الديمقراطي بعيدا!!
لقد واجهني هذا المنهج كثيرا؛ وطلب مني بعض الشيوعيين ان اترك حزبهم لحاله؛ كما طلب مني البعض الآخر ان اتفرغ لبناء حزبي الجديد !! وفي الحقيقة اقول ان هذا المنطق المعوج مدهش في انكفائيته؛ فلماذا اذن ننتقد حزب الامة؛ والمؤتمر الشعبي؛ ,والحركة الشعبية ؛ والمؤتمر الوطني ؛ والنظام؛ اذا كان عدم الانتماء لحزب معين يمنع من نقد اخطائه او جرائمه؟ ان المشاركة في بناء حزب جديد او احزاب جديدة؛ او الوجود في مواقع الاستقلال؛ لا يمنع المواطن السوداني من حقه في انتقاد الاخطاء في الحركة السياسية القائمة؛ تماما مثلما ان انخراط الشيوعيين في عمل حزبهم؛ لا يمنعهم من نقد غيرهم من الاحزاب او القيادات او المؤسسات السياسية.
إنني شخصيا رحبت وارحب بكل نقد موجه تجاه شخصي الضعيف؛ وتجاه الحزب الذي انتمي اليه؛ ولقد تعلمت من كل نقد وجه الي؛ او الى أي حركة سياسية انتمي لها؛ واحسب ان من يعمل لا بد ان يخطئ؛ وان خير تصويب للاخطاء يأتى عبر معرفتها اولا؛ ومرات لا يتاح رؤية الاخطاء الا من الخارج؛ وخصوصا في الاحزاب العقائدية الرسالية؛ ولذا اظن انه من الافضل ان يرحب الشيوعيون بالاحرى بكل نقد موجه اليهم؛ اذا كانوا يريدوا حقا الاصلاح وتطوير الحياة السياسية؛ لا مقابلته بالعداء والاتهامات المجانية و الاحكام العاجلة المبتسرة؛ المبنية على التعصب والعواطف الفجة والنزوات الطائشة.
لقد آن الاوان ليس في الحزب الشيوعي فحسب؛ بل وفي كل مكونات الحركة السياسية السودانية؛ ان نشهر سلاح النقد عاليا؛ لما نحن فيه من حال؛ وان ننتقد البني المتكلسة والقوى والعناصر المسؤولة عن هذا الحال؛ وان ندع الاقلام تنتقد والاصوات تعلو بالخلاف والسجال والحوار؛ بدلا من ان ننقض بعضنا بالسلاح؛ اى ان نقتل بعضنا بعضا؛ من اجل المطامح الذاتية لهؤلاء القادة بالذات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال