الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أينما يولي الشيوعيون المستقلون المصريون وجوههم سيجدون الموت...

طارق المهدوي

2015 / 9 / 5
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في المشهد اللغوي يحفظ الناطقون بالعربية عن ظهر قلب قواعد النحو والصرف وعلى رأسها قاعدة أن الكسرة هي علامة جر الكلمات والفتحة هي علامة نصبها وقاعدة أن الأفعال المضارعة مرفوعة بعلامة الضمة، إلا أنهم يضطرون إلى استخدام كلمات مجرورة بالفتحة أو منصوبة بالكسرة في بعض الأحيان كما يضطرون إلى استخدام أفعال مضارعة مجزومة في أحيان أخرى، تبعاً لوظائف تلك الكلمات والأفعال أو شكلها وحسب وزنها أو إضافاتها ومحذوفاتها وأيضاً بالنظر إلى موقعها في سياق الجملة أو علاقاتها مع بقية المكونات اللغوية السابقة واللاحقة عليها، أو غير ذلك من الظروف الذاتية الاستثنائية الخاصة بتلك الكلمات والأفعال والتي تمنع سريان القواعد الموضوعية العامة للنحو والصرف وتستوجب مخالفتها، فيما يكاد يتطابق حرفياً مع المشهد السياسي المصري الراهن حيث يحفظ الشيوعيون المستقلون عن ظهر قلب ما تمليه عليهم القواعد الموضوعية العامة لفرز التناقضات الرئيسية والثانوية بالدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، تمهيداً لاختيار موقعهم الافتراضي الصحيح داخل خرائط التحالفات والمخاصمات الاستراتيجية والتكتيكية واللحظية وصولاً إلى تحديد الخطوات الواجب عليهم اتخاذها تجاه مختلف أطراف المشهد السياسي ثم تنفيذ تلك الخطوات على أرض الواقع الفعلي، فالتناقض الرئيسي كان ومازال وسيظل قائماً بينهم وبين كل دعاة الدولة الدينية سواء كانوا من المسلمين السنة أو الشيعة أو كانوا من المسيحيين أو اليهود أو حتى الهندوس وسواء كانت الدولة الدينية التي يدعون إليها ذات طابع محافظ أو صدامي، لأن هؤلاء الشيوعيين المستقلين يرفضون قطعياً ومبدئياً إقامة دولة دينية لما يشكله وجودها من مخاطر جذرية حقيقية تهدد كافة محاور الحياة المتعلقة بالحريات العامة والخاصة والتحرر الوطني والتنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والابتكارات الفكرية والعلمية والإبداعات الأدبية والفنية، في حين أن القائم بين الشيوعيين المستقلين وبين دعاة الحكم العسكري هو تناقض ثانوي لأنهم لا يرفضون وجود المؤسسة العسكرية ولا يعترضون على تأديتها لدورها المأمول في حماية التراب الوطني من أي عدوان خارجي، بل هم يحاولون فقط مقاومة ممارسات قادة تلك المؤسسة عندما تتسم ممارساتهم بالتقصير أو التجاوز أو الانحراف على محاور التبعية والفساد والاستبداد بما فيها سعي القادة المحموم لاستمرار سيطرتهم غير المستحقة على الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، ورغم أن ذلك الإدراك الافتراضي النظري يستوجب من باب الافتراض النظري أيضاً في ظل احتدام الصراع الدموي بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الحكم العسكري أن يختار الشيوعيون المستقلون إما الحياد (السلبي أو الإيجابي) وإما الانحياز اليقظ للخصم الثانوي ضد الخصم الرئيسي، إلا أن الظروف الاستثنائية الخاصة بكل واحد من مكونات المشهد السياسي الراهن لاسيما الأطراف الثلاثة المشار إليها تمنع سريان تلك القواعد الموضوعية العامة وتستوجب مخالفتها، فدعاة الحكم العسكري الذين يفترض أنهم الخصم الثانوي للشيوعيين المستقلين يعتبرونهم من جانبهم خصماً رئيسياً وذلك في إطار دفاع دعاة الحكم العسكري عن مصالحهم المكتسبة غير المشروعة، فيستخدمون ضدهم الأدوات الدموية للصراع الرئيسي حتى لو كان الشيوعيون المستقلون قد اختاروا الحياد السلبي بالانسحاب الكلي أو الجزئي من المشهد السياسي، حيث يواصل دعاة الحكم العسكري ملاحقتهم ومطاردتهم ليس فقط لمحاصرتهم والتضييق على أفكارهم وآرائهم وأنشطتهم ولكن أيضاً لمعاقبتهم استباقياً عبر أساليب السيطرة القذرة غير المباشرة والتي تبدأ بتعطيل مصالحهم مروراً يإهدار حقوقهم وصولاً إلى تهديد حياتهم إن لم يكن تصفيتهم جسدياً واحدهم تلو الآخر، بينما يواصل دعاة الدولة الدينية الذين يفترض أنهم الخصم الرئيسي للشيوعيين المستقليين على مضض احتضانهم وتبني مظالمهم واحتجاجاتهم كنوع من الاستثمارالمحسوب بدقة وذكاء ضمن مناوراتهم التحريضية ضد دعاة الحكم العسكري، بعد أن انشغلت "المؤسسة الشيوعية شبه الرسمية" بالنفاق الانتهازي للحكم والذي يقتضي منها تجاهل تلك المظالم لتكريسها كما يقتضي منها مهاجمة تلك الاحتجاجات لإخمادها، وباستلهام الحد الأدنى لقواعد فن إدارة الأزمات الميدانية الداعي إلى اتخاذ الاحتياطات الدفاعية الكفيلة بتقليل الخسائر مع الحفاظ على الحياة الخاصة التي تشكل في حد ذاتها قيمة إنسانية يجب عدم الاستهانة بها وصولاً لدرجة الاستشهاد دفاعاً عن إحدى القيم الإنسانية السامية، يجد الشيوعيون المستقلون المصريون أنفسهم بين اختيارين أحلاهما مر لأن كليهما يقود أصحابه نحو موت مجاني بلا أي مقابل إنساني، فإما أن يكررون ما فعله بعض السابقين منهم عندما ارتموا بين أحضان الحكم العسكري في نفس الوقت الذي استمرت أجهزته وقواته تقتلهم منذ عام 1952 بدم بارد كأنهم ذباب، وإما أن يضطرون إلى الاحتماء بالجسد الضخم لدعاة الدولة الدينية فيموتون معهم كما يقول المثل الشعبي باللهجة العامية المصرية "الموتة في الكُترة سُترة"!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معركة ساخنة بين بايدن وترامب؟ | المسائية


.. الإصلاحي بيزشكيان والمحافظ جليلي يتأهلان للدور الثاني من الا




.. ميقاتي: لبنان سيتجاوز هذه المرحلة والتهديدات التي نتعرض لها


.. حماس تدعو الأردن للتحرك من أجل مواجهة مشروع ضمّ الضفة الغربي




.. أبرز التحديات التي تواجه الديمقراطيين في حال أرادوا استبدال