الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أمريكا والغرب كمناهض للديمقراطية في المنطقة العربية

فاضل عزيز

2015 / 9 / 6
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


ثمة ثلاث مواقف سياسة غربية بارزة تجاه الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة العربية منذ دخولها الألفية الثانية، تؤكد صحة ما جاء في هذا العنوان عن عداء غربي راسخ لا يتغير ضد أي مشروع حقيقي قد ينقل دول المنطقة من ظلام الأنظمة الشمولية والثيوقراطية الى التأسيس لدولة المؤسسات والتداول السلمي على السلطة، طبعا مع تأكيدنا على دور الثقافة المضطربة والرؤية الضبابية المشوهة للديمقراطية لدى شعوب هذه المنطقة وتنظيماتها السياسية في عرقلة هذه الانطلاقة. أول هذه المواقف الغربية المناهضة للديمقراطية، كان ضد حركة حماس الفلسطينية بعد نجاحها في انتخابات عام 2006م والذي انتهى بإطاحتها، والموقف الثاني يجسده الموقف من الصراع في مصر الذي قوض حكومة محمد مرسي التي أتت عبر صناديق الاقتراع، والموقف الثالث يجسده وقوف أمريكا و أوروبا ودعمهما غير المعلن لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا التي تمثل الواجهة السياسية للجماعات المتطرفة التي تتخذ من الإسلام غطاء لها وتعمل بقوة على إجهاض أول تجربة ديمقراطية في ليبيا.
هذه المواقف الثلاثة لم تأت بكل تأكيد انحيازا لهذه الجماعة او تلك، كما أنها لم تأت مناهضة لأي طرف بعينه، بل تأتي في إطار سياسة إدارة الأزمات في منطقة الشرق الأوسط بما يضمن استمرارها والحيلولة دون التوصل الى حلول جذرية لها، مع ضرورة إبقائها تحت السيطرة لضمان عدم تحولها الى مواجهة شاملة ضد النفوذ الغربي في المنطقة و وكيلتهم في المنطقة "إسرائيل". أمريكا والغرب تتخذ من سياسة صب الوقود على حرائق الرجيع العربي مبدأ لها، يقتضي منهم التنكر للمبادئ التي يروجون لها عبر مؤسساتهم الإعلامية والسياسية عن الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة والالتزام بنتائج صناديق الاقتراع. وهم (الغرب) لا يعترفون بهذه المبادئ (الديمقراطية وصناديق الاقتراع) إلا كوسيلة لإشعال الحرائق وإثارة الأزمات في المنطقة لتكون مدخلا لهم لتنفيذ مشاريعهم التفتيتية والإبقاء على حالة عدم الاستقرار والتخلف والاضطراب سائدة في كل أرجائها، وكدليل على وجود هذه السياسة الغربية المعادية لتطلع شعوب المنطقة للاستقرار وبناء دولة المؤسسات، يمكننا الرجوع الى موقف أمريكا والغرب من ثلاث تجارب ديمقراطية شهدتها المنطقة .
ففي عام 2006م تنكرت أمريكا والغرب بشكل فج لنتائج صناديق الاقتراع التي أوصلت حركة حماس الفلسطينية للسلطة في انتخابات شهد الغرب بنزاهتها، وعمل بعد ذلك هذا الغرب بكل قوة لإجهاضها وهي أول تجربة ديمقراطية حقيقية خاضها الفلسطينيون كان حريا به مؤازرتها ودعمها، فنراه يتنكر لها ويتآمر عليها من خلال الضغط على حكومة حماس ومحاصرتها ومنعها من ممارسة سلطتها على الأراضي الفلسطينية، والزج بحركة فتح ودعمها لخوض صراع ضد هذه الحكومة الشرعية لتنتهي أول تجربة ديمقراطية فلسطينية إلى حرب أهلية مدمرة تقضي على أي أمل ولو بسيط في إقامة حتى دويلة فلسطينية في خاصرة الوحش النووي "إسرائيل" ، بل قد لا أكون مبالغا إذا قلت إن عملية إجهاض الديمقراطية الفلسطينية كانت المؤسس لعمليات إجهاض مماثلة ستواجهها تجارب ديمقراطية جرت في كل من مصر وليبيا في وقت لاحق من العقد الثاني من هذا القرن.
ففي مصر التي شهدت هي الأخرى ميلاد أول جنين لديمقراطية حقيقية وصلت فيها أيضا جماعة الإخوان المسلمين للسلطة عبر صناديق الاقتراع في انتخابات تشهد أمريكا والغرب بنزاهتها، تتحرك أمريكا ومن ورائها الدول الغربية عبر أذرعها الاقتصادية ومؤسساتها السياسية وماكنتها الإعلامية لإجهاض هذه التجربة، والعمل على محاصرة أي محاولة لمعالجة أخطاء الرئيس محمد مرسي بطريقة لا تمس المكسب الديمقراطي الوليد . نعم أساءت جماعة الإخوان وممثلهم في السلطة محمد مرسي استثمار هذا الانتصار الديمقراطي، وارتكب أخطاء قاتلة وفادحة في عملية توظيف هذا المكسب لدعم وجود الجماعة كحزب سياسي على رأس السلطة وترسيخ الديمقراطية كآلية لإدارة البلاد، لكن الخطأ الأكبر والأفدح والقاتل والمكلف هو في أسلوب معالجة هذه الأخطاء الذي دعمته أمريكا والغرب، ليس كرها وعداء لهذه الجماعة أو انحيازا للتيارات التنويرية المناوئة للإخوان و التي تدعي توافقها معها، بل هو تكرار لنفس السياسة التي اتبعها ضد حماس، وذلك بهدف إجهاض التجربة الديمقراطية الحقيقية التي شهدتها مصر لأول مرة في تاريخها المعاصر، من خلال إثارة الفوضى في البلاد بما يعطي الفرصة والشرعية للجيش للتدخل وفرض سلطة مؤقتة تنتهي بانتخابات مشكوك في نزاهتها ويغيب فيها الشريك المختلف نهائيا عن المشاركة في صنع المؤسسة التشريعية التي ستنتخب رئيسا للبلاد وتؤسس لحكومة ستظل مشلولة لتغييب شريك فاعل كان يجب ان يكون جزء منها .
وفي ليبيا التي ظلت لأربعة عقود تحت حكم فردي مطلق يحظى برضاء أمريكي وغربي غير معلن طالما كانت سياساته تتفق والمصالح الغربية، نجد أن أمريكا والغرب بعد إطاحة هذا النظام، ودخول البلاد في مشروع التأسيس لديمقراطية حقيقية، نجدها تقف وبقوة وراء إجهاض أول محاولة لإرساء مشروع الدولة الديمقراطية الذي أفرزته صناديق الاقتراع في أول انتخابات برلمانية نزيهة تشهدها البلاد في تاريخها المعاصر، ولم تحقق فيها جماعة الإخوان وحلفائهم النصر على تحالف القوى الوطنية الذي فاز بأغلبية ساحقة تمكنه من تشكل حكومة تتفق ورؤيته لإخراج البلاد من أزمتها. وأمريكا والغرب انطلاقا من إستراتيجيتهم في إدارة الأزمات بما يبقي عليها مشتعلة وتحت السيطرة ، لم يرق لهم هذا النصر لتحالف القوى الوطنية، وطبعا ليس كرها لهذا التحالف الذي يؤمن بالرؤية الليبرالية للحكم وهي فلسفة غربية، وليس تعاطفا مع المناوئين له ، ولكن من أجل استمرار الأزمة وضمان عدم التوصل لحل لها، ولتحقيق هذا الهدف نجد الغرب وأمريكا يعلنون وبتوجس واحتشام اعترافهم بنتائج هذه الانتخابات وفي الوقت نفسه يبادرون لتقديم الدعم الفعلي السياسي واللوجستي والمعلوماتي للجماعات المسلحة التي تشكل الذراع العسكري لحزب الإخوان المسلمين في ليبيا، والتي تعمل منذ أكثر من سنة على إجهاض التجربة الديمقراطية باستيلائها على العاصمة وإثارة الحروب والاقتتال والإرهاب في كل أرجاء البلاد. ويمثل المبعوث الأممي لليبيا برناندينو ليون منذ تنصيبه في هذا المنصب دور المدير الفعلي لأزمة ليبيا بامتياز بالتزامه بتنفيذ كل التوصيات الأمريكية والغربية التي تضمن الإبقاء على ليبيا في حالة تأزم ويمنع أي محاولة قد يقوم بها بعض المدركين للعبة الغربية يمكن أن تفضي لتطويق هذه الأزمة وتمهد لحلول جذرية لكل الخلافات المصطنعة التي تعمل دول الغرب من خلال عملائها في الداخل وتمويل مشيخات البترودلار في الخليج العربي وتركيا على استمرارها.
من خلال استعراضنا لموقف أمريكا والغرب المعادي لهذه التجارب الديمقراطية الثلاثة التي شهدتها المنطقة العربية، ومن خلال وقوفنا على حقيقة انعدام أي موقف سياسي ثابت للغرب من التأسيس للديمقراطية في المنطقة، يمكننا إثبات أن الغرب وأمريكا في مقدمته لا توجد في أجندته أي رؤية للتأسيس لبيئة ديمقراطية حقيقية في المنطقة، وأن دوره يقتصر على الإدارة الفاعلة لما تشهده هذه المنطقة من حرائق مدمرة، وأن هذا الغرب أثبت وبالدليل القاطع أنه مناهض ومتآمر ضد أي محاولة للتأسيس لدولة الحريات والقانون والتداول السلمي على السلطة في المنطقة العربية، سواء كان وراءها تيار تنويري تقدمي او تيار ديني محافظ . وهذه الحقيقة المؤلمة التي لا يخجل الغرب من الإعلان عنها بممارسات وأفعال على الأرض مناقضة لادعاءاته الجوفاء عن دعمه ومساندته لإقامة أنظمة ديمقراطية تعكس تطلعات الشعب وتحترم الرأي المخالف، هي حقائق جديرة بأن تدفع كل السياسيين من كتل وأحزاب وتنظيمات مختلفة في المنطقة الى إعادة النظر في سياساتها الداخلية وفي تعاملها فيما بينها في إدارة الأزمات بما يدفع إلى حلحلتها والخروج من هذا الحريق المدمر ، والكف عن الجري وراء وعود الغرب السرابية و الارتهان لقراراته بعد كل هذه الوقائع التي تؤكد بما لا يدع مجالا للشك دأبه وحرصه على إبقاء منطقتنا مشتعلة بحرائق مدمرة، لاعتقاده بأن استقرارنا سيكون بداية لأزمات تهدد على المدى البعيد بإنهاء هيمنته السياسية والاقتصادية على العالم القديم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مواجهات بين الشرطة ومتظاهرين في باريس خلال عيد العمال.. وفلس


.. على خلفية احتجاجات داعمة لفلسطين.. مواجهات بين الشرطة وطلاب




.. الاحتجاجات ضد -القانون الروسي-.. بوريل ينتقد عنف الشرطة ضد ا


.. قصة مبنى هاميلتون التاريخي الذي سيطر عليه الطلبة المحتجون في




.. الشرطة تمنع متظاهرين من الوصول إلى تقسيم في تركيا.. ما القصة