الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا بديل للوطن .. العودة للدار هي الحل

بدر الدين شنن

2015 / 9 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لقد اخترق اللاجئون السوريون ، منذ أيام ، حدود المخيمات ، وحدود التوصيف كجزء سياسي وإنساني حرج من الأزمة السورية ، و اخترقوا الحدود الدولية ، حاملين معهم فائض الخوف من حرب حيث ولدوا وعاشوا ، وفائض المغامرة ، لتعويض فقدان الرجاء ، حيث كانوا لاجئين . وأصبحت قضيتهم جزءاً من قضايا العالم اللافتة ، التي تتقاطع وتتجاذب حولها الحكومات وقرارات الدول ، من أوربا .. إلى أستراليا .. إلى كندا .
هكذا يرتسم مشهد حراك اللاجئين السوريين المتصاعد ، ترافقه تغطية إعلامية .. حيث توقف .. وحيث تحرك .
لا أحد ينكر عليهم حقهم بالحصول على مكان آمن .. ولا أحد يعرف من يوجه حركة جموعهم .. لاسيما عند اقتحام الحدود الدولية .. ومحطات السكك الحديدية . ولا أحد يستطيع ، مهما كثرت علامات الاستفهام والتحفظات حول حراكهم وأهدافه عامة ، أن يعترض على مسارهم المؤلم ، المستبطن تداعيات آلام الغربة المديدة التي تنتظرهم .

وعلى ذلك .. وحسب مقتضيات العلاقة الوثيقة ، بين مسألة اللاجئين ومعاناتهم في المهاجر والشتات ، وبين مسألة التصدي لعدوان الإرهاب الدولي على البلاد ، ينبغي العودة مراراً ، إلى متابعة واقع .. وحراك .. ومآلا ت اللاجئين بموضوعية .. وبروح أخوية وطنية .
إ
إن تدفق اللاجئين السوريين ، الكثيف ، المفا جيء ، على حدود البلدان الأوربية، المترافق مع صور و أخبار ضحايا زوارق الموت ، وشاحنات التهريب القاتلة ، وخاصة صور جثامين الأطفال المرمية على شاطئ البحر هنا وهناك ، قد أحدث صدمة إنسانية غاضبة ، لدى الشرفاء في العالم . إذ أن ما نشر في الإعلام ، حول اللاجئين السوريين ، من موت جماعي ، وتشتيت ينتهك أبسط الحقوق الإنسانية ، فتح أمام عيونهم وضمائرهم نافذة على ما يجري في سوريا من جرائم بحق الإنسانية ، التي تجلت إحداها بمعناة اللاجئين أمامهم . لأنهم لم يكونوا على بينة شفافة ، بحقيقة العدوان الإرهابي الدولي على سوريا ، وبحقيقة مخا طره على حق الحياة وقيمها .. بهذا الشكل المروع المتوحش .

إن هؤلاء اللاجئين ، وكافة اللاجئين في الخارج ، والضحايا الذين يتساقطون منهم ، عبر البحار .. وعبر الحدود البرية الشائكة ، ووسائل النقل الخانقة ، يستحقون التعاطف والتضامن معهم إنسانياً ، وتقديم المساعدات لهم . ويستحقون الاهتمام بهم وبمصيرهم وطنياً ، على مستوى الحكومة ، وكافة القوى الوطنية ، وعدم تركهم تحت تصرف ، الذين تسببوا في تهجيرهم من قبل .. والآن يتسببون في تشتيتهم .

غير أن التغطية الإعلامية على مدار الساعة ، وفي مواقع متعددة تتحرك فيها جموع اللاجئين الزاحفين إلى البلدان الأوربية ،وخاصة .. ألمانيا وفرنسا ، وبريطانيا ، والسويد ، وهولندا ، تثير السؤال :
لماذا لم يحظ بمثل هذه التغطية الإعلامية آلاف الضحايا السوريين ، الذين قضوا في رحلات اللجوء البرية والبحرية ، خلال سنوات الحرب المديدة ، وبينهم عدد كبير من الأطفال ؟ .. ولم يحظ به أيضاً مئات آلاف القتلى ، الذين سقطوا ضحايا العدوان على سوريا ؟ .. ولم تحظ بمثله أيضاً وأيضاً المناطق المدمرة للعمران السوري .. والحضاري .. في المدن والأرياف ؟ ..

ما يثير السؤال بحق حول خلفيتها السياسية : هو هل أن تصوير الضحايا وجموع اللاجئين المتدفقة عبر الحدود ، وانتشار الصور بهذا الشكل الآن ، هو اختراق إعلامي ، عفوي ، للحصار الإعلامي على سوريا ، وعلى الحرب السورية ، قد تم توظيفه لتصعيد الإجراءات المتعلقة باللاجئين ؟ .. أم أنه عمل مخطط لمواكبة سيرورة اللاجئين السوريين وتداعياتها .. التي دخلت .. أو أدخلت .. في مرحلة تتسم بالخطورة ، لتسويغ التدخل العسكري الدولي المباشر في الحرب السورية ، الذي أفصح عنه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ، بأن هناك بعض دول المنطقة ستتدخل عسكرياً براً " ضد داعش " . كما أفصح وزير الخارجية البريطاني عن رغبة بريطانيا في التدخل في سوريا ، ومن جهته أشار رئيس وزراء أردو غان إلى عزم بلاده إقامة " المنطقة العازلة في سوريا لإيواء اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا ؟ ..

وهنا لا غنى عن إضاءة ارتدادات حركة جموع اللاجئين السوريين نحو البلدان الأوربية ، وإثارة كيفية توزيعهم على عشرات البلدان في أوربا وأمريكا وشرق آسيا .. على المستوى الدولي .. وخاصة الأوربي ، المنقسمة ، إلى إنسانية صادقة شعبياً ، وإلى سياسية منافقة حكومياً .
الدول الأوربية المشاركة بالعدوان على سوريا ، الذي أنتج هذه المأساة ، ومآس عديدة أخرى لابد أن يكشف الغطاء عنها لاحقاً ، اتخذت مواقف متعددة . تظاهرت نفاقاً بالصدمة من جهة . واضطربت ، لأنها لم تتوقع أن تنكشف رذا ئلها المعادية للإنسانية بهذه السرعة . فهي اعتادت أن تخفي جرائمها في أرشيف النسيان ، وهي مطمئنة أنها لن تنكشف ، إلاّ بعد أن ينجو المسؤولون عنها من العقاب ، إن بانتهاء الآجال العمرية ، أو بقانون التقادم ، أو في موسم سياسي يتسم بالابتزاز ، حيث يصبح الأمر خارج السيطرة . وعملت من جهة ثانية ، على احتواء الموقف ضمن إطار مصالحها الداخلية والخارجية . وأطلقت إشارات الاستفهام والاتهام نحو النظام السوري ، متجنبة ولو تلميحاً ، مسؤولية قوى الإرهاب الدولي المدعومة من قبلها ، التي تقوم بتدمير سوريا أرضاً وشعباً . وعملت من جهة ثالثة على تطمين الرأي العام حول سوريا والشعب السوري ، من خلال التصريحات المواربة .. قال رئيس وزراء سلوفاكيا " دعونا نوقف عدم الاستقرار في سوريا " . وقال رئيس وزراء إسبانيا "" فلنوقف الحرب في سوريا " . ووصف رئيس وزراء إيطاليا التعاطي الأوربي مع اللاجئين السوريين " بالعار " .

وكان " أردو غان " أبرز الذين حاولوا التبرؤ من المسؤولية ، متجاوزاً بخبث عثماني أصيل ، أنه هو الذي احتضن ودعم ، وما زال ، بالتعاون مع المملكة السعودية وقطر ، قوى عدوان الإرهاب الدولي على سوريا ، من أجل تحقيق مطامعه التوسعية العثمانية ، وهو الذي شجع منذ البداية السوريين البسطاء ، تحت تهديد حرب الإرهاب على الهجرة ، للا تجار بهم كلاجئين ، واللعب بمصائرهم الوطنية والسياسية . بل ودعا دول الاتحاد الأوربي لتحمل مسؤولياته ، في تلبية طلبات اللاجئين الزاحفين إلى البلدان الأوربية . فيما هو الذي يجب أن يتحمل قبل غيره مسؤولية مأساتهم وتهجيرهم .

أما الدول العربية وجامعتهم ، المنغمس معظمها في مسؤولية الكارثة السورية ، فقد لاذت بصمت المتواطئين المذنبين اللئام ، ولم تبح بحرف ، ولم تبد إشارة إيجابية لمساعدة اللاجئين السوريين ، ليس للاشتراك بإيوائهم وتشتيتهم ، وإنما من أجل عودة السلام إلى وطنهم .. وعودتهم إلى ديارهم .

الخلاصة العامة لمختلف المواقف الأوربية والدولية الرسمية ، والشعبية ، والعربية الرجعية ، هي الوعود ، المرفقة بالإجراءات العملية والقانونية ، بمنح اللاجئين السوريين في أوربا ، وأستراليا ، وكندا ، وطناً بديلاً .. عن وطنهم سوريا .

إن مأساة اللاجئين السوريين منذ بدايتها المبرمجة ، أو العفوية المشروعة ، وحتى الآن ، وإلى كافة تداعياتها المتوقعة والمفاجئة في المستقبل ، هي جزء لا يتجزأ من حرب منظومة الإرهاب الدولي الجارية ، والمتشابكة ، من حيث المقومات الحاضنة ، السياسية ، والدينية ، والأخلاقية المشوهة ، وهي تصعد الآن إلى مراحل أسوأ ، سواء في استخدام اللاجئين بالحرب النفسية والابتزاز ، أو بإقامة الأحلاف العدوانية ، تحت غطاء الحرب على " داعش " . حتى الآن ، هناك " التحالف الأمريكي الدولي ضد داعش " و " التحالف السعودي الأمريكي العربي ضد اليمن " . ما أدى إلى رد فعل قوى دولية أخرى ، تمثلت بدعوة الرئيس الروسي " بوتين " لإقامة حلف إقليمي دولي " ضد داعش وقوى الإرهاب الأخرى " . ما سيؤدي إلى انغماس دولي أوسع في الحرب السورية .
ولذا ، فإن الحرب على وفي سوريا تتسع ، وتتعدد أشكالها ، وتكبر بما لا يقاس مسؤولية القوى الوطنية ، في الداخل والخارج .. في الحكم .. وخارج الحكم . إن وحدة هذه القوى .. وحدة عقيدتها الوطنية ، ورؤاها السياسية ، للدفاع عن الوطن .. ولإعادة بنائه .. تعيد الثقة عند الجميع ، وخاصة الذين أرهقتهم الحرب مادياً ونفسياً ، وأفقدتهم الرجاء بغد هم وبوطنهم ، ودفعتهم للاستسلام لعصابات التهريب ، ولسياسي التهجير والتشتيت ، مذهبياً ، وقومياً ، واقتصادياً ، ووقعوا ضحايا ألاعيب القوى الدولية ضد وطنهم بأساليب وأشكال مختلفة .

لقد أكدت التداعيات السياسية ، والعسكرية ، المتأتية عن عدوان الإرهاب الدولي ، أن حرب الشعب السوري في اللحظة الراهنة ، هي حرب وطنية تحررية ، تقدمية ، ديمقراطية . وهذه المضامين المتعددة للحرب قد فرضتها طبيعة وممارسات قوى الإرهاب الدولي الاحتلالي ، القمعي ، المتخلف . هي حرب تتطلب أن تكون المهام الوطنية في مقدمة أولويات البرامج والأهداف السياسية للقوى الوطنية ، بمعنى أن إنقاذ الوطن هو الجسر الوحيد لنجاح برامج وأهداف هذه القوى في الشأن الداخلي عبر المسار الديمقراطي . إن تجاوز ذلك ، بوضع المسائل الخلافية الداخلية قبل المهام الوطنية ، والتأجيل ثم التأجيل للتوصل إلى صيغة واحدة للعمل الوطني المشترك ، إنما يخدم قوى العدوان ، ويهدد الوجود الوطني برمته .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف