الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائية العراقية سميرة المانع تترجم صباح الخير يا منتصف الليل

عدنان حسين أحمد

2015 / 9 / 7
الادب والفن


صدرت عن منشورات "الاغتراب الأدبي" بلندن رواية "صباح الخير يا منتصف الليل" للروائية الدومينيكية جين ريس. وقد ترجمتها إلى العربية بلغة سلسة منسابة الروائية العراقية سميرة المانع. لم تكن جين ريس كاتبة مشهورة قبل صدور روايتها الرابعة "صباح الخير يا منتصف الليل" 1939 التي تشكِّل امتدادًا طبيعيًا لرواياتها الثلاث السابقات وهنّ "الرباعية" 1928، و "بعد ترك السيد مكنزي" 1930، و "رحلة في الظلام" 1934حيث تشترك هذه الروايات الأربع بأجواء مُعتمة، وموضوعات حزينة مثل الوحدة، واليأس، والاكتئاب، والضعف البشري، والإدمان على الكحول، ومحاولات الانتحار وما إلى ذلك من ثيمات سوداوية أماطت اللثام عن السنوات العجاف المحصورة بين الحربين العالميتين اللتين خلفتا دمارًا روحيًا كبيرًا لم نتخلّص من تداعياته حتى الوقت الراهن.
وعلى الرغم من أهمية هذه الرواية الحداثية وما انطوت عليه من ثيمات حسّاسة إلاّ أنها لم تلقَ رواجًا في المكتبات البريطانية والأميركية وبقية الدول الناطقة باللغة الإنكليزية. وربما يعود السبب الرئيس إلى أجوائها الكئيبة المحزنة التي هيمنت على النص الروائي برمته ولم تنقذه حتى بعض اللقاءات الرومانسية بين ساشا جنسن والجيكولو رينيه الذي يدعي أنه فرنسي- كندي.
تتستر غالبية شخصيات الرواية وراء خلفيات غامضة فحينما تزور صوفي باريس لا تلتقي بأناس فرنسيين إلا لماما وإنما تحتكّ بالمنفيين والمهمشين مثل المُهاجرَين الروسيين والرسام اليهودي سيرجي، والجيكولو رينيه الذي ينتمي إلى أصول مُبهمة.
تقوم الرواية في جانب كبير منها على الاسترجاع. ففي زيارتها الثانية إلى باريس كانت ساشا تتذكر السنوات الثماني التي قضتها هناك. تتذكر زوجها إينو الذي هجرها بسبب حجج واهية، وطفلها الرضيع الذي مات، وتستعيد كل لحظات الذل والخذلان التي مرّت بها. كان يراودها إحساس غريب بأنها "أُنقذت من الغرق في النهر العميق المظلم"، خصوصًا بعد أن سلّفتها سيدوني مبلغًا من المال وقالت لها: "أنا لا أتحمل رؤيتكِ وأنتِ على هذه الحال"، (ص10). ونصحتها بأن تغيّر وضعها وتقتني ملابس جديدة. كما اشترى لها إينو قبعة ومعطفًا من الفرو الصناعي واقترح عليها أن تغيّر اسمها من صوفي إلى ساشا.
لا شك في أن ساشا امرأة غريبة ولافتة للانتباه وهي تقول بأن أخلاقها مختلفة عن الآخرين، تحتسي الأنبذة الفرنسية، وتتناول الجبوب المنوّمة، وترتدي القبعة الإنكليزية والملابس التي تميّزها عن الآخرين، وتريد أن تقضي أسبوعين هادئين في فندق لا يحمل اسمًا، ويسكن إلى جوار غرفتها شخص ضعيف كالهيكل العظمي، تعتقد أنه يعمل بائعًا متجولاً، وتخاف منه مثل كابوس ثقيل.
تقضي ساشا معظم وقتها في النوم وتدخر ما يتبقى لها من ساعات قليلة لتناول الطعام والشراب على الرغم من الجو العدائي الذي تواجهه بين أوان وآخر. فالفرنسيون لا يتورعون عن القول بأن النساء الإنكليزيات رائحتهن كريهة، لكن هذا الجو العدائي لا يقتصر على الفرنسيين حسب، بل أن عجوزًا بريطانيًا قال لها بالفم الملآن: "لماذا لم تُغرقي نفسكِ في نهر السين؟" (ص 52) فهم يعتبرونها ميتة. وفي خضّم هذا الوضع النفسي المُربك جاءتها "الفكرة الذكية لقتل نفسها بالخمرة" (ص53) فهي ليس لديها كبرياء، ولا اسم، ولا وجه، ولا وطن، وهي لا تنتمي إلى أي مكان. كما أنهم لا "يتركونها وشأنها".
تستدعي ساشا ذكرياتها المؤلمة حينما يتوارى زوجها، ويموت طفلها الرضيع لكنها قررت أن تغيّر حياتها تمامًا وأن تصبغ شعرها بالأشقر الرمادي، وتشتري قبعة وثوبًا جديدين. ثم تلتقي بالروسييَن وتخوض معها نقاشات طويلة تكشف عن عمقهما الفكري والثقافي في آن معا. وبما أنها ترتدي معطفًا من الفرو الصناعي فإن ذلك يدفع رينيه إلى الاعتقاد بأنها سيدة ثرية تبحث عن شاب وسيم يشبع رغبتها الإيروسية لكننا سرعان ما نكتشف أن رينيه يعيش في مأزق حقيقي. وبحسب روايته المشكوك فيها أصلاً فقد انضمّ إلى الفرقة الأجنبية في مراكش، ثم هرب إلى أسبانيا ومنها إلى باريس. وأكثر من ذلك فهو لا يمتلك نقودًا. وكل الذي يطلبه هو أن يضع رأسه على صدرها ويطلب منها أن تساعده في الحصول على وثائق رسمية أو مزوّرة في أقل تقدير.
تُحاول ساشا في الفصل الثاني أن تقتل نفسها لكن الراهبة ماريا أوغسطين تقول لها: "يا طفلتي لا تتعجلي أمامك الحياة الأبدية" (ص113). ثم تعرّج على الرسّام سيرجي وتقتني واحدة من لوحاته بمبلغ 600 فرنك يتمحور مضمونها على يهودي عجوز يعزف على آلة البانجو الموسيقية. ثم تدخل مشربًا وتخرج منه وهي ترى مسيرتها غير المشوّشة التي تنحصر بين غرف معتمة وشوارع مجهولة.
تتوقف ساشا في الفصل الثالث عند الحرب التي وضعت أوزارها وتصرّ على أن الحروب لن تنشب بعد الآن، أو هكذا تتمنى في الأقل، لأن الحروب لا تُنجب سوى المآسي والكوارث المفجعة. ثم تسترجع أبرز ذكرياتها مع زوجها إينو الذي عاش في باريس منذ سن الثامنة عشرة حيث كان مؤلف أغانٍ قبل أن يصبح صحفيًا ثم انخرط في الخدمة العسكرية في الأسبوع الأول من الحرب. بدا إينو شخصًا موسرًا حينما التقاها بلندن لكنه الآن لا يمتلك نقودًا فاستدان من لوسون مائة فرنك، كما وعده غوستاف أن يسلّفه مبلغًا من المال. ثم بدأت ساشا بإعطاء الدروس الخصوصية للراغبين في تعلّم اللغة الإنكليزية لكن إينو أخبرها بأنها سلبية وكسولة ولا تعرف كيف تمارس الحب فخرج موليًا إياها ظهره لكنه عاد في اليوم الثالث لأن ساشا تُحبه "وأنّ حُبها له كان موجودًا على الدوام" (ص171). وعلى الرغم من ذلك كانت ساشا تعرف بأن الأمر قد انتهى وأنهما سيودعان بعضهما بعضًا. تتساءل ساشا في نهاية هذا الفصل مستفهمة إن هي أحبت إينو حتى النهاية؟ أو هل أحبها هو على الإطلاق؟ لم تجد إجابة مناسبة وكل الذي تعرفه أنها بدأت تنهار قطعة قطعة!
تستسلم ساشا في نهاية الفصل الرابع إلى جارها الشرير الذي يسكن في الغرفة المجاورة على الرغم من أنه كان ينظر لها كوعاء جنسي لا غير فيما بذل الجيكولو رينيه قصارى جهده كي يستدرجها ويمارس الحب معها لكنها اشتبكت معه في نقاشات فكرية حادة خصوصًا بعد أن عرفت بعلاقته مع امرأة أميركية ثرية جدًا ستغدق عليه الكثير من الأموال. لا تنكر ساشا بأنها امرأة ذهنية، ومن وجهة نظر رينيه فإن المرأة الذهنية لا تفكر بعقلها وإنما تعوّل على مشاعرها كثيرًا. وهي لا تحب الرجال ولا النساء لأنها لا تُحب سوى نفسها وذهنها اللعين.
لابد من تقصي أسباب هذا الفزع الذي يستحوذ على ذهنها ومشاعرها فهي تقول في خاتمة المطاف بأنها تخاف من الرجال ومن النساء ومن الجنس البشري الملعون برمته. ثم تختم متسائله: "مَنْ لا يخاف من مجموعة ضباع لعينة؟"(228).
لم تحظَ هذه الرواية باهتمام نقدي كبير في أثناء صدورها وخاصة من قبل النساء على الرغم من التزام الكاتبة بالحركات النسوية المطالبة بتحرير المرأة. ومع ذلك فقد انبرى لاحقًا كُتّاب من طراز أي. ألفاريز الذي قال عنها "أنها أفضل روائية إنكليزية على قيد الحياة". كما وصف نايبول روايتها بـ "الأكثر إنسانية" من بين رواياتها العديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حياة كريمة.. مهمة تغيير ثقافة العمل الأهلى في مصر


.. شابة يمنية تتحدى الحرب واللجوء بالموسيقى




.. انتظروا مسابقة #فنى_مبتكر أكبر مسابقة في مصر لطلاب المدارس ا


.. الفيلم الأردني -إن شاء الله ولد-.. قصة حقيقية!| #الصباح




.. انتظروا الموسم الرابع لمسابقة -فنى مبتكر- أكبر مسابقة في مصر