الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحزاب حقوق الإنسان بين الانتقائية وازدواجية المعايير

سعد الله خليل

2005 / 10 / 20
حقوق الانسان


منذ نهاية القرن الماضي، بدأت الأحزاب العقائدية المعارضة في البلدان العربية تجدد في أدواتها وأساليب عملها، فشكلت في الغرب (أحزابا) تابعة لمنظماتها السياسية تحت يافطة (الدفاع عن حقوق الإنسان) التي يصونها الغرب ويرعاها، ويقدم لها كل الدعم والمساندة المعنوية والمالية والاجتماعية والسياسية. ولم يقتصر تشكيل هذه (الأحزاب) على بلاد الغرب، بل شمل البلاد العربية أيضا، بالرغم من أن بعض هذه الأحزاب تعتبر مفهوم حقوق الإنسان هو مفهوم غريب مستورد دخيل على الثقافة العربية التي تعتبر أن الحقوق كلها لله، وإن الإنسان الذي خلقه الله هو ملك لله عقلا وجسدا ومشاعر، ولا هدف له بالتالي سوى عبادة الله الذي خلقه كي يعبده.
وأقول: (أحزابا). لأن هذه الجماعات تمارس عملها كأحزاب سياسية، لا كدعاة لحقوق الإنسان، فجميع مؤسسي هذه الأحزاب (الحقوقية) أو من سُجلت هذه الأحزاب باسمهم، هم من أصول حزبية، على خلفية إسلاموية أو يسارية ماركسية، تحول بعضهم من المقيمين في الغرب إلى أصحاب مكاتب تجارية (حقوقية) تبحث عن العميل السخي، وتستثمر في مجال حقوق الإنسان.
صحيح أن أغلب مؤسسي هذه المنظمات إن لم يكن كلهم، عانوا من الملاحقات الأمنية والسجن والتعذيب والتهميش في بلادهم، قبل أن ينتقل من استطاع الهرب منهم إلى الغرب، وينالوا الجنسية الغربية، أو الإقامة الدائمة، كلاجئين مضطهدين سياسيا أو إنسانيا، لكن هذا ليس مبررا لهؤلاء الناشطين تحت يافطة حقوق الإنسان أن يمارسوا بعقلية الحزبي العقائدي نشاطا سياسيا، يفترض به أن يكون حقوقيا صرفا.
ومنذ الحادي عشر من سبتمبر والهم الأول، والشغل الشاغل لهذه الأحزاب (الحقوقية) هو الدفاع عن أعضاء منظمات الإسلام السياسي الناشطين في الغرب والبلاد العربية، من حزب التحرير إلى الإخوان المسلمين. والدفاع عن المعتقلين في غوانتانامو، وناشطي القاعدة، والمتعاطفين مع بن لادن وطالبان، الذين يكفرون الآخرين، ولا يؤمنون أصلا بحقوق الإنسان كما وردت في الإعلان العالمي الذي يتحفظون على أهم بنوده، بل يرفضونها. مستغلين في دفاعهم عن أولئك الناشطين حرفية القضاء الغربي في تعامله مع النصوص، واحترام الغرب والقضاء الغربي لحقوق الإنسان، وحق المتهم بالصمت وعدم الرد على الأسئلة، أو الإجابات المضللة، والتبريرات الخلبية التي يتشاطر بها المتهم ويتذاكى، بدليل أن كثيرين ممن أُطلق سراحهم في الغرب لعدم ثبوت الأدلة، أدينوا فيما بعد لثبوت مشاركتهم في عمليات إرهابية، أو التخطيط لها.
ومع التأكيد على حق الإنسان بالنشاط السياسي والتعبير عن آرائه والترويج لها بكل الوسائل السلمية، إلا أن للإنسان حقوقا أخرى أقرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يجب تعريف الناس بها، والدفاع عنها، تجاهلتها هذه الأحزاب الحقوقية العربية، وبعضهم أنكرها بذريعة أو أخرى.
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يساوي بين جميع الناس (نساء ورجالا) ويعطيهم حقوقا متساوية، وحماية متكافئة، ويتعامل مع الجميع على قدم المساواة لحماية حقوقهم وحريتهم في التفكير والتعبير والممارسة والانتماء، أي أنه ينظر إلى الإنسان كإنسان، لا يفرق بين واحد وآخر بسبب جنسه أو عرقه أو قوميته أو دينه. بمعنى أنه يدعو لمجتمع مدني علماني تصان فيه الحقوق والحريات جميعها. فماذا فعلت، وكيف تعاملت الأحزاب الحقوقية العربية التي ترفع يافطة حقوق الإنسان، مع حقوق الإنسان؟
إن كثيرا من القضايا التي تهدر وتُنتهك فيها حقوق الإنسان في البلاد العربية وتُمتهن فيها كرامته قد تجاهلها هؤلاء (الحقوقيون)، ورفضوا الخوض فيها، والتعامل معها، بل أعموا أبصارهم عنها.
1- هل ارتفع صوت هؤلاء (الحقوقيين) ضد فتاوى قتل المدنيين، وفتاوى التكفير، وضد انتهاك صدام حسين لحقوق شعب العراق، وقتل آلاف الأكراد بالغازات السامة، وضد مئات المقابر الجماعية التي انتشرت على الأرض العراقية، وضد انتهاك حقوق الإنسان في أفغانستان وجنوب السودان ودارفور؟
2- ماذا فعلت هذه الأحزاب التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان في مواجهة الجرائم التي تُسمى زورا وبهتانا (دفاعا عن الشرف)؟ ألا تتعارض هذه الجرائم الشنيعة كليا مع حقوق المرأة- الإنسان؟ كم هي عدد الاحتجاجات التي قام بها هؤلاء (الحقوقيون) ضد هذه الجرائم النكراء؟ كم هي عدد المذكرات والشكاوى التي قدمتها هذه الأحزاب الحقوقية بهذا الخصوص إلى الحكومات المعنية، والمنظمات الحقوقية الدولية، ومنظمات الأمم المتحدة، هذه الجرائم التي يعرف الناس جميعا أن الشرف منها براء، وإنه يستخدم ذريعة للتخلص من شريكة من أجل استئثار المجرم منفردا بالإرث، أو للتعتيم على جريمة اغتصاب ارتكبها بحق الفتاة أب أو أخ أو عم أو خال.
3- تنص المادة السادسة عشر من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن: ( للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الدين ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله). هل دعا أحد من هؤلاء إلى تطبيق هذه المادة؟ هل طالب هؤلاء الذين يسمون أنفسهم دعاة لحقوق الإنسان بالزواج المدني؟ أليست المرأة كيانا كامل الأهلية، ولها كامل الحق أن تتزوج من تراه مناسبا لها، بغض النظر عن عائلته وقوميته ودينه؟ أم أنها متاع يملكه أب أو أخ أو عائلة أو قومية أو دين؟ هل اعترض أحد من هؤلاء على زواج الفتيات القاصرات؟ هل أثاروا هذه القضية في المحافل الدولية وأمام المنظمات الحقوقية العالمية؟ أم أن هذا لا يعنيهم وليس من مهامهم، ولا يدخل ضمن قضايا حقوق الإنسان؟
4- تنص المادة الثامنة عشر من إعلان حقوق الإنسان أن (لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر، سواء أكان ذلك سرا أم مع الجماعة). هل توافق أحزاب (حقوق الإنسان) العربية على هذه المادة؟ أم أنه ليس حقا من حقوق الإنسان أن يفكر المرء كما يريد، ويعتقد بما يريد، ويتبع الدين الذي يريد؟ هل ترى هذه الأحزاب أن ممارسة الإنسان العربي لهذه الحق هو كفر بواح يجب أن يعاقب عليه بالذبح؟ أم أنها تشجع بعض الناس على ممارسته، وتمنعه عن آخرين؟ هل ارتفعت عقيرة هذه الأحزاب يوما للتذكير بهذه المادة؟
5- إن كثيرا من الكتاب والباحثين والمفكرين- بحجة المس بالتاريخ والمقدسات- قد سجنوا واضطهدوا وقُطعت أرزاقهم، وبعضهم أعناقهم، بسبب دراسات نقدية كتبوها، ومؤلفات ألفوها، مما يتعارض كليا مع المادة التاسعة عشر من إعلان حقوق الإنسان. فهل اعترضت هذه الأحزاب في يوم من الأيام على مثل هذا الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان؟
6- هل شكت هذه الأحزاب يوما أن بعض الدول العربية تقمع أتباع الديانات والمذاهب الأخرى التي تختلف عن دين ومذهب الفرقة الحاكمة، وتمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، لا بل تعتبر ممارسة هذه الشعائر جريمة تستوجب العقاب؟ أين هؤلاء من حقوق الإنسان التي يتشدقون بالدفاع عنها؟ أليست حقوق الإنسان كتلة متكاملة؟ ألا يمارس هؤلاء ازدواجية في المعايير؟ هل من حقهم أن يكونوا انتقائيين يختارون من حقوق الإنسان ما يناسبهم ويخدم أغراضهم، ويرفضون ما عدا ذلك؟
لماذا إذن لا يحتج هؤلاء (الحقوقيون) على مناهج التعليم الديني في البلاد العربية، التي تناصر دين ومذهب الفئة الحاكمة، وتدعو لكراهية باقي الأديان والمذاهب وتحط من شأنهم وتتهمهم وتكفرهم؟ لماذا لا تقف هذه الأحزاب التي تسمي نفسها (حقوق إنسان) في وجه الخطاب الديني الذي يحتقر الآخر ويكفره ويدعو لقتله؟ هل ينسجم هذا مع حقوق الإنسان؟ أليس هذا تمييزا صارخا بين المواطنين، وتحريض بعضهم على بعض؟ ألا تنص المادة الأولى من إعلان حقوق الإنسان أن الناس متساوون في الكرامة والحقوق؟ ألا تنص المادة السادسة والعشرين أن هدف التربية هو تعزيز احترام الإنسان والحريات الأساسية وتنمية التفاهم والتسامح والصداقة بين جميع الشعوب والجماعات العنصرية أو الدينية. لماذا لا تطالب هذه الأحزاب بتعديل هذه المناهج كي يتقبلها السني والشيعي والأحمدي والإسماعيلي والمسيحي وباقي الديانات والمذاهب جميعا، لتحقيق التكافؤ بين الناس؟
7- هل تعرف هذه الأحزاب العربية (الحقوقية) أن الرجل العربي لا يستطيع أن يمنح جنسيته لزوجته، حتى وإن كانت عربية، وأن المرأة العربية لا تستطيع أن تمنح جنسيتها لزوجها وأولادها؟ أليس هذا حق من حقوق الإنسان يجب الدفاع عنه والمطالبة به؟
8- هل دافعت هذه الأحزاب (الحقوقية) يوما عن حقوق العمالة العربية المقيمة في بلدان عربية أخرى؟ هل ارتفع صوتها يوما ضد تعسف (الكفيل) وابتزازه لهذه العمالة؟
إن واحدهم يذهب إلى الغرب لاجئا يعيش على أموال الضمان الاجتماعي دون أن يقوم بأي عمل، ومع ذلك بأقل من خمس سنوات ينال جنسية هذه الدول، بينما يقضي العربي حياته يكد ويعمل في دولة عربية أخرى دون أن يحلم لا هو ولا أولاده من بعده بالحصول على جنسية تلك الدولة التي أفنى عمره فيها، والأنكى من ذلك أنه يبقى مهددا طيلة حياته هو وأولاده من بعده بحرمانه من الإقامة والعمل في هذه الدولة. فهل تحدثت هذه الأحزاب الحقوقية يوما عن هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان؟ أم أن حجتهم أنهم لم يقرأوا كامل الإعلان، ولا يعرفوا كل بنوده، ولم يسمعوا بهكذا انتهاكات؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصفدي: الأونروا ما زالت بحاجة إلى دعم في ضوء حجم الكارثة في


.. مفوض الأونروا: 800 ألف من سكان رفح يعيشون في الطرقات.. ومناط




.. المغرب يفتح بحثاً قضائياً للتحقيق في تعرض مواطنين للاحتجاز و


.. بريطانيا تحطم الرقم القياسي في عدد المهاجرين غير النظاميين م




.. #أخبار_الصباح | مبادرة لتوزيع الخبز مجانا على النازحين في رف