الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


: القصيدة .. والمكان انفتاح وانغلاق في آن

فيصل قرقطي

2005 / 10 / 20
الادب والفن


لا يخفى على أحد أن القصيدة لها مرتعها الخاص بها، ذاك النمو الذي تنمو به على نحو يتساوق مع معطياتها وآفاقها ومعانيها. إلا أن هذا لمكان لا يعدو كونه حاملا للنص، ورافعا له من أتون الظلمات النفسية إلى فراغ الوجود المنير، ذاك الذي يتجلى في ضوء القصيدة ذاتها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو أن القصيدة تعكس المكان في متنها على نحو يبرز هويته.
لا تنقصني الجرأة في أن أقول لا، لأن القصيدة ، حتى وإن أخذت حيزا شاسعا من وفي المكان، إلا أنها لا تعبر عنه فحسب، بل إنها تصوغ الأمكنة كلها، التي في مخيلة الشاعر لتصبها في المكان ذاته.
ومهما حاولت أن تبتدع مكانها الخاص، إلا أنها تظل مرتبطة بمكان ما للدلالة عليها، والإشارة إليها. لكنها تتمرد دائما على المكان، وكأنها تريد أن تبني من، وفي المكان، أمكنة متخيلة لتدمج المعطيات الكلية للأمكنة في مكان واضح ومحدد.
وهي لا تستسلم أبدا للمكان، بعينه، إذ هي تتمرد على المكان لتصل ذروة المكان المحتمل، أو المكان المؤهل للوصول إليه.
إنها لا تستسلم أبدا للمكان بعينه، إذ هي تتمرد على المكان، لتصل ذروة المكان المحتمل، أو المكان المؤهل الوصول إليه.
إنها تتصالح مع المكان، وتتخاصم معه، في آن.. تختلق مكانها بناءً على تأسيس المكان الأول.. الأول الذي انطلقت منه. لأنها قصيدة المكان والزمان أيضا..
فحرقة الزمان تجعل من تمردها على المكان وعلى ذاتها ما ينجز المبدع الذي لا يربطها بزمان ما .. أو مكان ما!!
لأنها القصيدة وليدة المنتهى، لكوني، في خلود الروح، ومن يكتب قصيدة للمكان أو الزمان، فإنها وإنه آفلة، وآفل لا محالة.
ولأسوق هنا جملة من الإستشهادات والبراهين:
عندما كتب مالئ الدنيا وشاغل الناس المتنبي قصيدته في "في فتح عمورية" لم ترتبط أبدا قصيدته في "عمورية"، بل ذهب إلى أبعد من عمورية بعشرات السنين الضوئية وطلب أمكنة وأزمنة مغايرة، في قصيدته، حتى حطم إطارات عمورية التي كانت هي الدلالة.. والأيحاء .. ليس إلا.
كما أن أعذب وأصدق شعر عمر الخيام كان لا يرتبط أبدا بمكان محدد، بل ذهب بفكرته الوجودية في نقاشها الحاد مع الكون والتكوين إلى مناطق لم يألفها الشعر من قبله، لذلك تتمرس على سدنة الخلود.
أما بدر شاكر السياب، الذي كتب أجمل وأعظم قصائده الخالدة وهو مغترب على سرير الموت في الخليج "غريب على الخليج" فإنه عكس عوالم روحه الوثابة الحائرة، القلقة، العاشقة، المنكسرة، ولم يعرفنا على الخليج في قصيدته!! إلا أنه عكس لواعج شعوره وأحاسيسه ونقرات روحه الوثابة.
إذاً نصل هنا إلى نتيجة مؤداها أن المكان يفتح الباب أمام القصيدة ويتركها تسرح وتمرح في مضامينها، لأنها ترتهن في حقيقتها إلى أنها لا تقف عند مكان محدد، وأنها تنفلت من إطار الجغرافيا ..لتصل إلى أبعد من حدود الزمان والمكان.
إذاً القصيدة تخون المكان على نحو ما !!
نعم!!
إنها تخون المكان.. وتخون الزمان، وذلك لسبب بسيط هو أنها لا تؤمن لا بزمان محدد، ولا بمكان محدد.
إنها البوصلة الجامعة للزمان والمكان في شرايين اللعبة الإبداعية. ولأنها، أي القصيدة، تنكسر عند حدود المحدودات في الزمان.. والمكان، فإنها تتمرد على الأمكنة..والأزمنة، بل وتتمرد على شاعرها أيضاً..
لأن القصيد (النص المبدع) لا يرتهن أبدا إلى تخطيطات مسبقة أو ر}ى مسبقة.. ومسجلة في إطار التخطيط.. إنها شرارة الوجع في الروح عبر الزمان، والمكان، لا تقف أبدا حتى تحرق شيئاً من قلب..وروح مشاعرها الذي يظل يتثنى بين أنين مكنوناته .. وبين مخزون وجعه الكلي في الحياة.
صحيح أن المكان يعطي للشاعر بداهته، ورعونته، ونقاؤه، إلا أن الشاعر لا يقنع بكل هذا، لأنه يريد نصاً أبعد من أن يحده زمان أو مكان في آن.
والشاعر محمود درويش ظل يغني المكان المنشود "فلسطين" في أماكن متعددة لكنه بالرغم من انه احتفى بهذه الأمكنة، إلا أنه ظل وفيا للمكان الأم..المكان المنشود "فلسطين".
"وأعد أضلاعي فيهرب من دمي بردا وتتركني ضفاف النيل مبتعدا وأرى العواصم كلها زبدا"
إنه حيّد المكان المؤقت بعملية انزياح كلية، وهذا طبعا له تفسيراته السياسية والنقدية في مرحلته التاريخية، إلا أنه ظل وفيا للأمل المنشود.. للمكان المنشود.."فلسطين".
من هنا تبرز العلاقة التضادية والتصالحية مع المكان..فأنت كشاعر حينما تتصالح مع المكان، فإنك تبدو أسيرا له وبالتالي فإن القصيدة ترتهن إلى محددات وموجبات أنت في غنى عنها.
ولأن الشاعر متمرد دائما فإنه يبني الزمان المتخيل في الزمان الوجودي والمكان المتخيل في المكان الوجودي، لذلك فإنه متمرد دائما على المسافة والواقع بكل ما يعج به من أمكنة وخبايا ومعالم. لكن هنا سؤال يتساوق مع العملية الإبداعية وهو أن المكان الأول مكان الطفولة، أو مكان الرحم.. والهبوط منه يظل ناقوسا غزير الصوت ينادي القصيدة على نحو جنوني!!
من هنا تتأتى ثيمة الإبداع الحقيقي ..تلك التي تحل مكانا ليس له شكل أو جغرافيا محددة..إنه مكان طائش ..في مكان طائش.
لكن هذا المكان له عوامله الوجودية والجغرافية، والطوبوغرافية بحيث ينبض النص الشعري "القصيدة"، في كثير من الأحيان بروحه هو .. هو ليس إلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي