الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرة قانونية: جرائم الدكتاتور بين التشريع المحلي وقواعد القانون الدولي

فلاح اسماعيل حاجم

2005 / 10 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


تشكل مسألة احالة الدكتاتور المخلوع صدام حسين للمحكمة المختصة في التاسع عشر من الشهر الجاري خطوة بالغة الاهمية ليس بالنسبة للقضاء العراقي فحسب, بل ولكامل منظومة القضاء الدولية ايضا , ذلك ان حجم الجرائم التي ارتكبها الدكتاتور المخلوع تكاد تفوق كل جرائم اعتى البرابرة وعلى مر التأريخ. هذا من جهة, ومن جهة اخرى فأن اجراء هذه المحاكمة امام القضاء الوطني العراقي يعتبر بحد ذاته تجسيدا للسيادة الوطنية وتأكيدا لها. بالاضافة الى ان هذه المحاكمة تعتبر استجابة صحيحة لرغبة الشعب العراقي الذي اذاقه الدكتاتور المخلوع و زمرته الموغلة بالاجرام الامرين من التنكيل و البطش. وسيؤسس ذلك لسابقة قضائية ليس على مستوى العراق فحسب؛ وانما في جميع المنطقة العربية وربما في الدوّل النامية ايضا. اذ ان المحاكمات كانت تجري, في الغالب, اما في ستوديهات الاذاعة كما حصل لرئيس اول جمهورية عراقية (الزعيم عبد الكريم قاسم). او في ثكنات عسكرية مغلقة (كما حصل ويحصل لاغلب رؤساء الدوّل في اسيا و افريقيا و امريكا اللاتينية). وفي بعض الاحيان تتم المحاكمات حتى في اجواء عائلية و خلف الابواب المغلقة ( كما يحصل في ظروف الملكيات الشرق – اوسطية المطلقة ). اما في دولة القانون الحقيقية, حيث يحتل الدستور المرتبة الاسمى في سلم المصادر القانونية فقد عولجت قضية مسوؤلية رأس الدولة بشكل لا يدع مجالا للتأويل او القراءات المختلفة. وبهذا الخصوص يمكننا الرجوع الى الدساتير التي تناولت هذه المسألة ومنها مثلا المادة 93 من الدستور الروسي لعام 1993 و الفصل الرابع من المادة الثانية من الدستور الامريكي لعام 1787 و المادة 16 من الدستور الفرنسي لعام 1958 و المادة 61 من الدستور الالماني لعام 1949 و المادة 85 من الدستور المصري لعام 1971 . فيما تخلو دساتير الملكيات سواءا البرلمانية منها او المطلقة وكذلك المزدوّجة من اية اشارة لمسؤلية الملك اذ ان الملكية كشكل للحكم تنفي مسؤلية رأس الدولة اساسا. وقد تضمنت اغلب الدساتير المذكورة آليات احالة رئيس الدولة وما يتبع ذلك من اجراءات مثل التحقيق وجمع الادلة الثبوتية و المحاكمة....الخ. بالاضافة الى ذلك لابد من الاشارة الى ان تلك الدساتير عالجت مسألة ما يسمى بالجرائم الداخلية مثل جريمة الخيانة العظمى والحنث بالدستور وجرائم الرشوة والاختلاس, اي تلك الجرائم التي عالجتها قواعد التشريع الداخلي. اما قواعد القانون الدولي فقد تناولت هي الاخرى وبمزيد من التفصيل قضية المسؤلية الجنائية للرؤساء و اصحاب القرار في الدوّل سواءا كانوا في مركز المسؤلية وحتى بعد انتهاء ولايتهم المقرة دستوريا. فقد صنفت قواعد القانون الدولي الافعال بالاستناد الى حجم الضرر المتسبب جراء ارتكابها. ووجدت الجرائم تصنيفاتها في الكثير من الوثائق الدولية. فقد تظمنت المادة السادسة من النظام الداخلي للمحكمة الدوّلية والتي شكلت خصيصا لمحاكمة مجرمي الحرب ثلاثة اصناف من الجرائم هي: 1- الجرائم المهددة للسلام؛ اي التخطيط و التهيئة و البدء بالعمليات الحربية العدوانية او التآمر وعقد الاتفاقيات بهدف الاشتراك بها. ان مراجعة بسيطة لسياسة النظام المقبور الخارجية تدل وبما لا يدع مجال للشك على ضلوع ذلك النظام بكل تلك الجرائم, فقد كان النظام مخططا ومشتركا و منفذا للكثير من الجرائم المذكورة.
2-جرائم الحروب, اي مخالفة قوانين و اعراف الحرب ومن ضمنها قتل وتعذيب و استعباد المدنيين في الاراضي الواقعة تحت الاحتلال وكذلك قتل وتعذيب الاسرى و الرهائن؛ ونهب الملكية الخاصة و العامة؛ و التخريب المتعمد للمدن المحتلة و الاثار التاريخية بمختلف اشكالها. وبهذا الخصوص ينبغي التذكير بان النظام السابق كان قد اقترف جميع هذه الجرائم اثناء احتلاله لبعض المدن الايرانية وخلال احتلاله لدولة الكويت, اذ لا زالت ملفات الكثير من تلك القضايا غير مغلقة لحد الآن. 3- الجرائم ضد الانسانية ومنها القتل العمد و الامتهان وكذلك الابعاد و التعامل بقسوّة مع المدنيين سواءا في فترة الاعمال الحربية او بعد انتهائها. اضافة الى الملاحقة بسب المعتقد السياسي و الديني او لاسباب طائفية و عنصرية. بغض النظر عن كون تلك الاعمال مشروعة من قبل القانون الداخلي(الوطني) ام لا. وهنا لابد من الاشارة الى ان التشريع العراقي في فترة النظام المقبور اباح الكثير من تلك الجرائم, حيث تقف المقابر الجماعية في عرض البلاد وطولها كشاهد اثبات؛ وتطول قائمة الشهداء لاسباب سياسية؛ وتنتصب حلبجة كدليل لجريمة التطهير العرقي و القومي, وتشهد مشارق الارض و مغاربها على مأساة المهجرين لاسباب سياسية و طائفية.
وقد اعتبرت المادة الاولى من الاتفاقية الدولية الخاصة بانذار التطهير العرقي. ان هذا النوع من الجرائم يدخل في عداد الجرائم الدوّلية. فيما اعتبرتها الاتفاقية الدولية لعام 1968 غير مشمولة بمبدأ السقوط بالتقادم, بمعني ان العقوبة على ارتكاب جرائم حرب يجب ان تنفذ بغض النظر عن التقادم الزمني لارتكاب الجريمة. اما لجنة القانون الدولي التي عقدت في عامي 1976 و 1991 فقد أقرت المواد المتعلقة بمسؤولية الدوّل عن الجرائم الموّجهة ضد القانون الدوّلي ومن ضمنها العبودية و التطهير العنصري و التهجير القسري للمواطنين و الارهاب الدوّلي و النقل غير القانوني للمخدرات و الاضرار المتعمد بالبيئة, وهنا اجد لزاما التذكير بأن النظام البائد كان قد استخدم وبشكل متعمد الاسلحة الكيمياوية في كردستان العراق و مناطق الاهوار في الجنوب مما الحق اضرارا كبيرة بالبيئة تمثلت في ابادة الثروّة السمكيّة و القضاء على انواع نادرة من طيور الاهوار, بالاضافة الى الجريمة الشنيعة التي ارتكبها النظام البائد بتجفيفه المتعمد لاهوار الجنوب, حيث قضى ذلك على واحد من المعالم السياحية في منطقتنا وربما في العالم اجمع. ويتذكر الجميع الكارثة البيئية التي كادت تحل بمنطقة الخليج جراء الحرق المتعمد لابار النفط الكويتية اثناء انسحاب القوات العراقية منها في عام 1991. ان كل ما ورد يصنف وفق قواعد القانون الدولي على انه جرائم حرب ينبغي مقاضاة مرتكبيها بغض النظر عن مركزهم الحكومي ووقت ارتكاب الجريمة.
ومما يثير الدهشة حقا محاولة بعض الحقوقيين العرب اعطاء تبرير لجرائم الدكتاتور وذلك بالتشكيك في مشروعيّة اعتقاله بذريعة واهية مفادها ان اعتقال صدام حسين يعتبر مساسا بالسيادة الوطنية للعراق. فيما يذهب البعض منهم الى تحميل المسؤولية لاجهزة النظام وليس للدكتاتور نفسه, ويعبر ذلك اما عن سذاجة بالغة او تضليل متعمد للبسطاء من الناس. فقد نصت المادة الرابعة من الاتفاقية الدوّلية حول انذار (التحذير من) التطهير العرقي مارة الذكر بأن الاشخاص المرتكبين لجرائم التمييز العنصري يعاقبون عن جرائمهم سواءا كانوا اشخاص عاديين او مسؤولين في الدولة. وتكرر هذا النص في الاتفاقية الدولية لعام 1968 الخاصة بعدم شمول الجرائم ضد الانسانية بمبدأ السقوط بالتقادم. بالاضافة الى ذلك لابد من التذكير بان محكمة نيورنبيرغ الخاصة بمحاكمة مجرمي النازية كانت قد رفضت حجج الدفاع المتمثلة في ان قواعد القانون الدوّلي تسري على الجرائم التي ترتكبها الدول ذات السيادة ولا تسري احكامها على اشخاص منفردين, فجاء قرار المحكمة مؤكدا " بان الجرائم ضد القانون الدوّلي يرتكبها اشخاص محددين وليس اصناف خيالية, والدفاع عن قواعد القانون الدوّلي وصيانتها يتأتى فقط من خلال معاقبة اؤلئك الاشخاص ". وقد تضمنت الكثير من الاتفاقيات الدولية المتخذة في اطار هيئة الامم المتحدة قواعدا تؤكد مسؤولية الاشخاص عن الجرائم الدوّلية, مثل الاتفاقية الدولية حول تصفية كافة اشكال التمييز العنصري ( المادة الرابعة). والمعاهدة الدولية الخاصة بمناهضة التطهير العرقي (المواد 1-3-5) وفي الكثير من الوثائق الدولية الاخرى. ليس هذا فحسب بل ان تلك المواثيق و الاتفاقيات الدوّلية تلزم الدوّل بسن تشريعات تعالج التكييف القانوني تلك الجرائم والأجراءات الخاصة بمعاقبة مرتكبيها اذ ان هؤلاء الاشخاص يقومون بخرق قواعد القانون الدولي مثلما يخالفون قانون الدولة التي ارتكبت على اراضيها تلك الجرائم. ويبدو مناسبا الاشارة الى ان مفهوم الجرائم الدولية لم يكن معروفا في القانون الدولي حتى بداية القرن العشرين, حيث دشن انهيار النازية في الحرب العالمية الثانية و تأسيس محكمتي نيرينبيرغ وطوكيو الخاصتين بمحاكة مجرمي الحرب حصلت قفزة نوعية و تطوّر هائل في القانون الدوّلي كان من نتائجه ابرام الكثير من الاتفاقيات الدولية وسن المزيد من اللوائح لمعالجة مسائل غاية في الاهمية على شاكلة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية بالاضافة الى ايجاد آليات تطبيق قواعد القانون الدوّلي من خلال تأسيس محكمة العدل الدوّلية و المحكمة الاوربية و المحاكم الخاصة.

ان خطر الارهاب الدوّلي واتساع رقعة الجريمة المنظمة واتخاذها طابعا امميا يبرزان الى السطح الكثير من القضايا التي تبدو معالجتها القانونية امرا غاية في الاهمية في الوقت الراهن. و اعتقد ان امكانية تأسيس محكمة اقليمية تبدو امرا بعيد المنال في ضل النظام السياسي و القانوني لاغلب البلدان العربية وبسبب سيادة هذا الكم من المحامين الذين قرروا الاصطفاف علنا الى جانب المجرم(الحاكم) ضد الضحية(الشعب).
انني ارى ان الخطوّة التالية التي ينبغي على القضاء العراقي القيام بها هي الطلب الى البلدان العربية بتسليم الكثير من المتهمين بارتكاب جرائم ضد الشعب العراقي . كما اعتقد ان على تلك البلدان الاستجابة لهذا الطلب الانساني اذا كانت هذه الدول جادة حقا في السعي لاعادة البناء ووضع اللبنات الاولى للاصلاح السياسي واقامة دولة الحق. وفي جميع الاحوال فان العراق كان سباقا لذلك.
م/ تمت ترجمة بعض فقرات الوثائق عن الاصل الروسي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م