الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمد شوقي وأبو الهول

صلاح نيازي

2015 / 9 / 10
الادب والفن



للأسف، لم تُؤرخْ قصيدة " ابا الهول" ولكن ما قاله الشارح : " رُفِع الستار في مسرح حديقة الازبكية يوم افتتاحه عن تمثال أبي الهول، يناجيه رجل بهذه القصيدة". تاريخ هذه القصيدة مهم لأن فيها اسقاطات الشاعر على التمثال، فهو مثلاً يعالج الملل من طول البقاء، فهل كان شوقي اثناء كتابة هذه القصيدة يعاني من ملل من نوع ما، بحيث شعر معه بأن حياته باتت طويلة:
أبا الهول ماذا وراء البقاء إذا ما تطاول غيرُ الضجْر
عجبت للقمان في حرصه على لُبَدٍ والنسور الأُخْر
وشكوى لبيدٍ لطول الحياة ولو لم تطل لتشكى القصرْ.

كيفما دار الامر، فان هذه القصيدة من عيون الشعر العربي حقاً، ظهرت فيها تقريباً كل خصائص شوقي الشعرية ومهاراته في التأليف.

أبا الهول طال عليك العُصُرْ وبُلغتَ في الأرض أقصى العُمُرْ
فيا لدةَ الدهرلا الدهرُ شبّ ولا أنتَ جاوزتَ حدّ الصغرْ
إلامَ ركوبك متنَ الرمال لطيّ الأصيل وجوْب السحر؟ْ
تسافر منتقلاً في القرون فأيّان تُلقي غبار السفرْ؟


تبدأ القصيدة بالمنادى:" أبا الهول " وكأن التمثال احتلَّ كامل الإطار. الراوية وجهاً إلى وجه مع أبي الهول. وهي حالة تكون فيها كشف الأسرار مأمونة، ما داما وحيدين.. الراوية يريد كشف الأسرار وأبو الهول أكبر وعاء لها. ثمّ يبدأ تساؤل الشاعر، بعد ان يقرر " طال عليك العصر" الى متى هذا التنقل من قرن إلى قرن، ويُنكر عليه طول البقاء، ولو كانت فيه حياة لَلَحق بالنحات الذي نحته.
في مقطع تالٍ : " أبا الهول ما أنت في المعضلات..." يصوّر الشاعر حيرة الناس بكنه هذا التمثال الذي رأسه رأس انسان وجسمه جسم حيوان، ويخلص الشاعر إلى ان الناس لو صُوّروا كما تقتضي طباعهم لكانوا صورَ وحوش.
يعود راوية القصيدة فيخاطب أبا الهول مقرراً أنه يجب ألا يُقلَّل من شأن أيّ شئ مهما كان صغيراً:

تهزّأتَ دهراً بديك الصباح فنقّر عينيك فيما نقرْ
أسال البياض وسلَّ السواد وأوغل منقاره في الحفرْ

ولكن مَنْ هو ديك الصباح هذا الذي كان يستصغره أبو الهول؟ لا بدّ أنّه الزمن لأنّه جعله ،على عماه، شاهداً و حكيماّ.
أصبح " ديدبان القدر" و " وصاحب رملٍ يرى خبايا الغيوب.." يقول الشاعر

تُطلُّ على عالمٍ يستهِلُّ وتوفي على عالمٍ يُحتضْر
فعين إلى مَنْ بدا للوجود واخرى مشيَّعة من غَبَرْ
فحدِّث فقد يُهتدى بالحديث وخبِّرْ فقد يؤتسى بالخبرْ

بعد ذلك يستطرد راوية القصيدة بذكر الحضارات المصرية ومؤسسيها من الملوك الفراعنة إلى الاسكندرية وايزيس وآبيس وموسى وعيسى وعمرو بن العاص، وفي هذه الاثناء لا ينسى راوية القصيدة من ذكر الطغاة الذين مرّوا بمصر وروّعوها: كقمبيز بن كورش الاكبر، وقيصر الذي أذلّ المصريين. ابتدع شوقي لهذا الاستطراد وسيلة تأليفية فريدة، فبدل أن يضعها على فم أبي الهول وهو مجرد حجر، راح يمطره بالاسئلة أي أن شوقي راح يسرد معلوماته التاريخية بصيغة اسئلة يستنطق بها أبا الهول، ولأن "أبا الهول صامت، فان تلك المعلومات أخذت صيغة المصداقية وكأن صمت أبي الهول من رضاه.
يعود الشاعر إلى أبي الهول ثانية فيخاطبه:

أطلتَ على الهرمين الوقوف كثاكلة لا تريم الحفرْ
تُرجّي لبانيهما عودة وكيف يعود الرميم النخِر؟

وكأنه يستجهله بهذا الوقوف الذي لاطائل تحته، لان الذي بنى الهرميْن أصبح رميماً نَخراً فكيف تُرجى عودته. مع ذلك فوقوف أبي الهول، وفاء لكل ما درس من بشر ومدن. إذ لم تعد منفيس الآن إلاّ قرية اندثرت محاسنها، وهي جامدة " تكاد لإغراقها في الجمود إذا الأرض دارت بها لم تدر".
يختتم شوقي قصيدته بهذين البيتين الغريبين:

فلم يبقَ غيرُك مَن لم يحِف ولم يبقَ غيرُك من لم يَطِرْ
تحرّك أبا الهول هذا الزمان تحرّك ما فيه حتى الحجرْ

ولكن لماذا يئس شوقي من وقوف أبي الهول؟ لماذا طلب منه ان يتحرك، إذ لم يبق غيره جامداً؟ ما الذي كان يعاني منه الشاعر في تلك الفترة من حياته؟ هل أراد شيئاً فأقعده جموده؟ هل ضاق أحمد شوقي، على أرستقراطيته، بالعيش؟
مع ذلك فإن التعمق في أخبار الماضي، لَمِن التحرّقات التي كان يعاني منها أحمد شوقي بفضول شديد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا


.. رحيل -مهندس الكلمة-.. الشاعر السعودي الأمير بدر بن عبد المحس




.. وفاة الأمير والشاعر بدر بن عبد المحسن عن عمر ناهز الـ 75 عام