الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلان دمشق دعوة للتغيير الوطني أم للاستيلاء على السلطة؟

سهيل حداد

2005 / 10 / 21
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


إن الخوض في غمار توترات الحراك السياسي الداخلي لبعض التجمعات والأحزاب والتيارات السياسية غير المسموح بنشاطها داخل القطر والتي تزامنت مع اشتداد الضغوط الأمريكية على سورية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وحتى الآن، وخاصة لمن يسمون أنفسهم معارضة الداخل أو لمن يؤازرونهم تارة ويعارضوهم تارة أخرى ممن يسمون أنفسهم بمعارضة الخارج، يتلخص بكافة جوانبه بالنقاط التالية:
- يزداد هذا الحراك كلما ازدادت شدة وشراسة ضغوط الإدارة الأمريكية على سورية، ويتماشى مع الأهداف العامة التي رسمتها هذه الإدارة للمنطقة،
- تبين المعطيات التي تصدر عن هذا الحراك وأهدافه، أنه لا ينبع من نفس وطني حر، أو يهدف إلى مصلحة وطنية حقيقية تلبي طموح كافة فئات الشعب وتوجهاتهم وانتماءاتهم، بل مبني على مصالح وطموحات إما عرقية انفصالية، أو فئوية طائفية أو مذهبية، أو شخصية بحتة تبحث لنفسها عن موقع للتسلط تحت ذريعة عدم المشاركة في الحكم وأركانه، أو مدفوعة برغبة عارمة لتنفيذ أوامر خارجية تحقق لها هذه المصالح تحت شعارات الديمقراطية والليبرالية الجديدة والعولمة..الخ. وهنا تتبين رغبة واضحة لدى منظمي هذا الحراك في إسقاط النظام الوصول إلى السلطة والاستيلاء عليها بأية وسيلة كانت، ومهما كان الثمن.

وقد تجلت هذه الرؤية في إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي الذي صدر بتوقيت مبرمج لا يخلو من وضعه بدائرة الشك وهذا التوقيت يسبق إعلان ميليس لتقريره حول هذه الجريمة بأيام معدودة !!، وفي أوج تداعيات التحقيق الدولي باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ومحاولات الإدارة الأمريكية بأي ثمن ووسيلة كانت لتوجيه أصابع الاتهام لسورية وإدانتها بهذه الجريمة وتهديداتها المستمرة لها بالعقوبات والعزلة الدولية إذا لم تنفذ شروط وطلبات الإدارة الأمريكية فيما يخص الملف العراقي وتداعياته، الملف اللبناني وسحب سلاح حزب الله، الملف الفلسطيني ومسألة توطين اللاجئين. وهذا ما يجعل أي متتبع للحالة السياسية الداخلية والإقليمية و قبل أن يتمعن وينظر في فحوى دعوة الإعلان وماهيته وأهدافه ومن وقف معه أو عارضه أن يتساءل لماذا هذا التوقيت بالذات؟ ولماذا هذا العنوان الملفت للنظر والجذاب إعلامياً وسياسياً؟. ولكن تسارع الأحداث والأمور ومعرفة الهوية الحقيقية لمن هم وراء هذا الإعلان وأهدافه يجعل الأمر واضحاً. فهو لم يخرج عن سياق كونه إعلاناً إعلامياً تحريضياً وفئوياً انشقاقياً يندرج في إطار حملة الضغوطات التي تنشها الإدارة الأمريكية وتمولها لزعزعة الوحدة الوطنية واستقرار البلد وأمنه. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة والسذاجة السياسية إنما ينبع من تكتيك سياسي مدروس من كل النواحي وخاصة النفسية منها ويسوق بين السطور وتحت شعارات براقة طروحات مخفية تتلاعب بعواطف ومشاعر كل الفئات على مختلف انتماءاتهم.
ولكي لا يبقى هذا الكلام في نظر البعض هو محض تحامل أو تهجم على ما جاء في هذا الإعلان بل هو استقراء واستنتاج بعيد عن التحيز والمحسوبية. فقراءة أولية وبسيطة تجعلنا ندرك بأن هذا الإعلان قد تم تفصليه على مقاس من قاموا بإصداره علانية أو من هم وراءه حقيقة (جماعة الأخوان المسلمين)، وممن تسارعوا لإعلان تضامنهم ودعمهم (حزب الإصلاح الوطني لصاحبه فريد الغادري)، ولا يعني الشعب وقواعده الأساسية وتركيباته الاجتماعية والدينية والسياسية في إطار شامل وموحد إنما يستثني فئة على فئة بكل المعايير ويميز بين مواطن ومواطن وأخر في الحقوق وخاصة السياسية منها ليس بحسب الانتماء إلى أكثرية سياسية بل إلى انتماء طائفي ومذهبي، ثم يذهب بعيداً في نظام المحاصصة عرقياً وطائفياً.

أما عن الإعلان وفحواه فلم يأتي بجديد مما تداعت إليه هذه الجهات سابقاً ولكنه حمل بطياته بعض الوضوح في رؤية هذه الجهات وتفكيرها التي كانت تخفيه سابقاً والتي تتناقض كلياً مع عنوان الإعلان وأهدافه ودعوته التي في حقيقتها:
- وعبر ديباجة مقدمة الإعلان كانت رسالة تهويلية وترهيبية للناس لإخافتهم وزرع القلق في عقولهم وإلهائهم عن حقيقة ما يجري وحقيقة الأطراف المنظمة لهذا الإعلان.
- تمثل فكراً إقصائياً وتحريضياً يحمل بذور الفتنة والبلبلة، ويدعو للانشقاق، وإلى زعزعة الوحدة الوطنية التي سورية بأمس الحاجة لها في هذه الظروف.
- تتوجه بشكل استعراضي وعاطفي ومدغدغ لفكر سطحي وبسيط لفئة معينة يتناسب هذا الطرح مع طموحاتها وأهدافها، وهي فئة منبوذة بكل المعايير في المجتمع السوري بمختلف شرائحه وانتماءاته.
- انقلابياً وانفصالياً يهدف لقلب السلطة واستلامها وتمرير مشروع المحاصصات على أسس عرقية وطائفية وفئوية.

ولتوضيح هذه النقاط:
- لماذا لم يذكر الإعلان بوضوح ما هي الأخطار التي تتعرض لها سورية اليوم ومن هو مصدرها؟. وما هو دور هذه التجمعات والتكتلات والتيارات التي تقول بأنها تخاف على سورية ووحدتها في الوقوف في وجه هذه الأخطار؟.
- من المعروف أن دور كل وطني أينما وجد في حال تعرض بلاده لأي خطر خارجي كان أن يدافع عنها ويزود عن وحدتها وكرامتها أينما وجد. أم أنه يستغل الظروف ويصبح طرفاً ضاغطاً ومشاركاً في زيادة الأزمة والخطر؟!!!. وهذه هي حالة من أصدروا إعلان دمشق، فإما أن يكونوا في السلطة وفي هذه الحالة يدافعون عن الوطن، وإلا ليذهب الوطن ومن فيه للدمار والتهلكة !!!. وهذه هي حالة السادة في جماعة الإخوان المسلمين ومن في شاكلتهم، وربيب الأمريكيين الغادردي الابن وأزلامه، الذين يتمنون أن تدك دمشق صاحبة إعلانهم بقذائف وصواريخ الإدارة الأمريكية لتعبث فيها دماراً وموتاً كما فعلت في بغداد قبلها فأي حس وطني وأية كرامة وطنية وأية عزة وطنية وأي خوف على أبناء هذا الشعب...
- أما عن صيغة الدولة السياسية وما تلاها، هل هو ذر الرماد في العين أم استغباء للناس وعقولهم؟. مقدمة عصماء لم يأتي أفلاطون بها تنادي بالتغيير والإصلاح وإقامة النظام الوطني الديمقراطي الحر ونبذ الفكر الشمولي والقطع مع جميع المشاريع الإقصائية والوصائية والاستئصالية، تحت أي ذريعة كانت تاريخية أو واقعية. ومن برأيكم في هذا البلد لا ينادي بالإصلاح والتغيير والتعددية. ثم تقولون أن الإسلام الذي هو دين الأكثرية وعقيدتها بمقاصده السامية وقيمه العليا وشريعته السمحاء يعتبر المكون الثقافي الأبرز في حياة الأمة والشعب. تشكلت حضارتنا العربية في إطار أفكاره وقيمه وأخلاقه، وبالتفاعل مع الثقافات التاريخي الوطنية الأخرى في مجتمعنا، ومن خلال الاعتدال والتسامح والتفاعل المشترك، بعيداً عن التعصب والعنف والإقصاء. مع الحرص الشديد على احترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتهم أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، والانفتاح على الثقافات الجديدة والمعاصرة. لعلمكم وهذا أقل من بديهي في علم التاريخ بأن الحضارة العربية تشكلت قبل مجيء الإسلام ونمت وترعرعت في أحضانه، ولا يوجد أحد في هذا البلد مسلم أو مسيحي وينكر على الإسلام غير ذلك. فلماذا تقحمون الدين في أمور السياسة إذا كان كل الناس في هذا البلد متفقين على أن دين الدولة هو الإسلام ولا يوجد أية غضاضة عند الآخرين؟. أم أن هناك مأرب أخرى من هذا الإقحام؟. ثم كم هي عدد الأديان في سورية؟. على ما أعتقد إنهما أثنين لأن عدد الأخوة اليهود لم يعد يتجاوز العشرات، إلا إذا كان لدى الموقعين على إعلان دمشق أرقام أخرى أدق. والصحيح أن المنتمين إلى الدين المسيحي أقلية إثنية بالمقارنة مع من ينتمون للدين الإسلامي. وهنا يمكن السؤال الكبير هل تقسيمكم السياسي في البلد سيكون على هذا المبدأ أم على أساس الأكثرية السياسية ؟. أم أنه برأيكم أصبح السوري المسيحي الذي ولد وعاش ومتمسك بهذا البلد منذ بداية التاريخ أقلية ومواطن مثل غيره أمام القانون ولكن طموحاته السياسية محدودة. أي تناقض هذا في إعلانكم من جهة تدغدغون مشاعر المتدينين وتتكلمون عن أكثرية دينية ومن جهة تتكلمون عن تعددية وتداول السلطة !!!
- أما في المسألة الكردية، فحقيقة الأمر وماهيته واضحة وجلية للعيان، ولكنكم جميعكم من وقعتم على هذا الإعلان تدفنون رؤوسكم في الرمال كالنعامات. وتحاولون استغلال هذه الورقة كما يستغلها قاطني البيت الأبيض للضغط على سورية. فالمشكلة ليست بضمان المساواة التامة للمواطنين الأكراد السوريين مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسية والثقافة وهي مضمونة في الدستور السوري لكل الأقليات القومية الموجودة في سورية (أكراد، تركمان، أرمن، شركس). والسوري الكردي له نفس حقوق السوري العربي، وغيرهم من يتمتعون بالجنسية السورية. والمشكلة أيضاً ليست بتسوية ملف مكتومي الجنسية من الأخوة الأكراد، الذين يدرس وضعهم كما يعلم الجميع. بل بدعوة بعض الفصائل الكردية للانفصال عن سورية وتشكل دولة كردية في الشمال الشرقي من سورية.
- أما عن موضوع مؤتمر وطني وحوار عام ومفتوح، أستغرب مثل هذا النوع من الطرح لأسباب عدة:
o أولاً: حتى هذه اللحظة ورغم تكرار هذا المطلب، لا أرى أحد أو جهة تقف أمام مشاركة أو مساهمة أي طرف وطني في بناء الوطن وإصلاحه وتطويره بما يتفق مع مصالح الوطن وثوابته.
o ثانياً، يتم مثل هذا النوع من الدعوات في حال كان هناك أزمة سياسية أو دستورية في البلد, أو إذا ارتأت المصلحة العليا أن يكون هناك مثل هذا النوع من الدعوات، أما إذا كانت القضية هي أن كل من لا يعجبه شيء في الدستور أو طبيعة النظام ولا تتماشى مع مصالحه الشخصية وأرائه فيقوم بنقضه ويطالب بتغيره وتعديله على كيفيه فلن يكون هناك في يوم من الأيام أي قبول لأي شيء فهل يعقل على سبيل المثال أن تجتمع جماعة متناقضة الأهداف والأفكار وتتفق على إسقاط السلطة وتبقى متماسكة وموحدة بعد الاستيلاء عليها!!!. أو أن يقوم شخص واحد بمفرده بوضع مسودة دستور لبلد مثل سورية ويحدد فيه ما يريد ثم يطرحه ويعتبره بديلاً عن الدستور الحالي، هل بهذه الطريقة تتم قيادة الشعوب وتطوير عملها السياسي؟، وهل بهذه الطريقة تتم كتابة وتغيير دساتير الدول؟. وهل يطلب طرف انعقاد مؤتمر حوار وطني عام يشارك فيه جميع أبناء الوطن؟. وهنالك دعوة من هذا الطرف لتغيير جذري مسبق لنظام الدولة، يقصي السلطة والحزب الأكبر والأكثر شعبية وتعداد والحاكم في البلد، ويقصي أيضاً كل من يشاركه في إدارة دفة الدولة، فمع من سيتم الحوار في هذا المؤتمر إذاً، مع نفسه فقط أم ماذا؟. هذا لا يسمى دعوة لحوار وطني إنما يسمى مهزلة سياسية غير مسؤولة بكل ما للكلمة من معنى، ويدل ذلك عن تناقض وتخبط وعدم اتزان سياسي. ولهذا فأن مثل هذا النوع من الطروحات ضيق الأبعاد وكأنه دعوة لندوة تلتئم أطرافها وتنفض بدون نتائج مفيدة وبات أصحابها معروفين وخاصة الذين ظهروا فجأة في الداخل والخارج في السنوات الأخيرة وطروحاتهم وممارساتهم وطريقة عرضهم للأمور ليست فقط متناقضة بل غير مقبولة في الشارع السوري. ولكي يكون الحوار مفتوح ومجدي وذو نفعية للجميع ويخدم الوطن والشعب يجب أن تعرف هذه القوى السياسية مدى فعاليتها على الساحة السورية ومدى تواجدها وتقبل الشارع الوطني السوري لأهدافها ومراميها. وأن تختار الزمان والمكان المناسبين لطرح مثل هذا النوع من الدعوات لا أن تستغل الظروف والفرص السانحة للانقضاض على السلطة تحت شعارات وإعلانات معروفة ومستهلكة.
سورية - دمشق، في 20 / 10 / 2005.
سهيل حداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل