الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوى الديمقراطية والخيار الصعب

قاسم علوان

2005 / 10 / 21
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


لقد وضعت نتائج انتخابات تشيل الجمعية الوطنية التأسيسية الأخيرة، وضعت القوى الديمقراطية والعلمانية العراقية بشكل عام أمام خيارات الغاية القصوى على الساحة السياسية الداخلية بعد تاريخ سياسي حافل وطويل، خيارات أشبه بالسؤال الشكسبيري الوجودي الخالد (نكون أو لا نكون..) وهي الخيارات التي سنؤكد على تسميتها بخيارات الغاية القصوى، والتي تحتاج لتجاوزها شجاعة استثنائية قصوى أيضا..! هذه الخيارات التي ربما تتفرد بإنتاجها وبفعالية فريدة، البنية السياسية والاجتماعية العراقية الجديدة كما توضح ذلك بعد التغيير الأخير، أكثر من أي بنى سياسية أخرى قديمة أو حديثة موازية أو مقارنة. وبالتأكيد هي نتاج تراكم كمي هائل لصدمات المرحلة السابقة. لذلك تحتاج هذه القوى في هذه الفترة الى قيادات سياسية بمعنى ما (نموذجية) هذا إذا ما أرادت النجاح في الامتحانات الانتخابية القادمة، قيادات تحتاج الى رؤى جديدة وجريئة تتجاوز عقد ماضوية تمتد فيها بشكل بنيوي جذري، ربما تتأصل في تكوين قيادات تلك القوى وتاريخها، وحتى تكويناتها الأخلاقية في الوقت الحاضر، وسنأتي على بعض تلك العقد أو الإشارة إليها إن اقتضت الضرورة.
من الطبيعي أن يكون في مقدمة تلك الرؤى الجديدة في هذه الفترة، وكعنوان لتلك الخيارات التي نقصدها، شكل من التجاوز باتجاه إيثار المصلحة العامة لمجموع تلك القوى، والتضحية بأشياء ومراكز خاصة وحتى شخصية كثيرة. تحتاج هذه القيادات أيضا الى أن تملك قدرة عالية على التضحية بمقدسات وثوابت سياسية عديدة، ربما تتعلق بالتاريخ والأيديولوجيا..! ترى هل تملك هذه القوى وقياداتها التي تنتمي بحق لذلك التيار (الديمقراطي العلماني) العريق قدرة على هكذا تضحية إذا أرادت لبرامجها أو أفكارها حول مستقبل العراق (الديمقراطي) المستقر أن ترى النور..؟ أو أنها ستراهن بالمقابل فقط وبتفاؤل ساذج على أن البقاء للأصلح..؟
الخيار الآخر الجريء الذي على قيادات تلك القوى النظر أليه في ضوء الواقع الجديد، هو عليها أن تغيّب أو أن تبتعد بـ (بمقدساتها التاريخية) عن العمل السياسي اليومي..! فهذا العمل لا يحتمل المقدس والثوابت القديمة، مهما كبر أو عمق الأثر لتلك المقدسات عند (جماهيرنا..!) وبنفس المستوى من الأهمية نضع مع تلك الخيارات الجديدة أو الجريئة هي الابتعاد عن أية نضرة سلبية مسبقة تجاه القوى التي ترفع يافطات الديمقراطية أو أية يافطات مماثلة حتى ولو بالاسم..! فقد تعاملت قوى ديمقراطية ويسارية في الفترة القصيرة السابقة باستعلاء ونضرة فوقية، وحتى باستصغار لقوى ديمقراطية أخرى سواء منها بلافتات حديثة التكوين، أو أخرى تعكزت على مسميات قديمة، أو فقط لأنها أرادت أن تعمل بشكل مستقل بعيدا عن أي مؤثر أيديولوجي بوجود مسبق..!
تلك القيادات التي قادت حركاتها وقواها السياسية في فترات طويلة مختلفة استمرت الى ما بعد الزلزال، ولأنها جاءت من نفس الحاضنة السياسية القديمة (القيادات التاريخية) لدرجة يبدو أنها لم تمتلك أية رؤيا سياسية أخرى واضحة ودقيقة لهذا الواقع المفاجئ وسط غبار الفوضى وبقايا الطوفان. لكنها كشفت وبسرعة موازية لذلك التغيير، وكأنها تتسابق معه أو تريد اللحاق بنتائجه، عن نوايا أو تكتيكات كنّا نتوقع أن تكون مختلفة، لكنها سرعان ما توضحت بأنها تعمل بسياسات تقليدية قديمة، واتجاهات لا توازي ما حصل في حياتنا من عواصف، مثلا خلاصنا من أسؤ دكتاتورية عرفها التاريخ الى شكل من الاحتلال والفوضى لم تشهده المجتمعات المعاصرة. توجهات من مثل سياسة أقامة التحالفات السياسية أو الركض خلف الأحزاب الإسلامية للحصول على بركاتها..! حتى أن الأخيرة لم تلفت لها. وذلك بشكل واضح بأنها لا تزال تعمل تحت تأثير مؤثرات وعوامل الماضي القريب. نحن لا نقصد في هذا الموضع تيار سياسي بعينه، بل توجه عام طغى على جميع التوجهات. توجهات سياسية لا زال الكثير من تلك القيادات حتى الجديدة منها يشتغلون تحت تلك المؤثرات التي انتهت فاعليتها منذ زمن. فلا زالت خطاباتهم تتشكل من مفردات فترة السبعينات، وربما الى ما قبلها، من مثل (الاستعمار.. والامبريالية.. ومرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية...!!) وما الى ذلك من أدوات تتعلق بالفولكلور السياسي أكثر من أي شيء آخر، بما فيها الشعارات القديمة المعلبة التي نطقت بها (القيادات التاريخية) لازال يرددها البعض، ولكنها بالتأكيد ليست كلمات أنبياء تستحق التواتر..! صحيح أنهم قادة سياسيون عظماء كان لهم دور كبير في قيادة العمل السياسي قبل أكثر أو أقل من نصف قرن مضى، ولكنهم الآن (شهداء عند ربهم يرزقون) وكلماتهم وتعاليمهم بالتأكيد ليست في وضع الثابت المقدس مثلما هي التعاليم الدينية...! هذا الخطاب نخص به بعض الأفراد من بعض تلك القيادات الذين لا يستطيعون مفارقة ثوابتهم القديمة، أو مقدساتهم التي لم تعد مقدسة، لكنهم يخشون من الآخرين أن يكفروا بها أو أن يمسوها بسوء.
إذن فليفارق أولئك الساحة السياسية ويدعونها لغيرهم خوفا على مقدساتهم من أن تدنس..! فلماذا لا يريد أن يصدق أولئك بأن الواقع السياسي الجديد لا يستطيع أن يستوعب أو أن يحتمل تلك الثوابت والمقدسات المعتقة..؟ نعني بذلك كل الثوابت، وكل المقدسات، في جميع البنى الأيديولوجية والتي تمظهرت سياسيا لاحقا. نكرر نحن نعتقد بأننا نجتهد ونقول ذلك ليس تحاملا على معتقدات وأفكار أو مواقف سياسية معينة، ربما تكون في أذهاننا في لحظة الكتابة هذه معالم لبنى سياسية محددة، لكنها بكل تأكيد جزء من هدفنا الذي نشتغل عليه في هذه اللحظة، بل انطلاقا من اعتبارات نعتقد أنها موضوعية وحريصة وتتماشى ومعطيات المرحلة السياسية الراهنة التي يمر بها العراق، بعيدا عن أي هم ذاتي أو موضوعي يتعلق بحزب ما أو نشاط ما، المرحلة الراهنة التي أفرزت تيارات سياسية وأفكار واتجاهات حتى إنها عصية على الفهم والتفسير..! لماذا لا ننظر لتلك المعطيات وبمعمياتها نظرة تحليلية دقيقة بعيدا عن أي مؤثر حزبي أو ذاتي مسبق..؟ كل هذا يحتاج إذا ما استطعنا تبديل أجزاء كثيرة من بوصلاتنا القديمة بقطع غيار حديثة إذا أمكن.
الوضع السياسي العراقي الحالي لا يحتمل السياسة الحزبية الضيقة، إلا فيما يتعلق بالصفة الانتهازية لبعض القوى والأحزاب واسعة النفوذ، وتداخل المصالح والمنافع الشخصية الضيقة فيها في الوقت الحاضر. كما لا يحتمل الوضع سياسة التحالفات بين تلك الكتل والأحزاب السياسية القديمة منها والحديثة، الكبيرة منها والصغيرة، باعتبار أنه سرعان ما تكشف الموقف عن طموحات متناقضة..! وهذا ما حصل فعلا في الفترة القريبة الماضية. نعتقد أن المطلوب في هذه اللحظة السياسية الحرجة تشكيل التيارات السياسية الفاعلة، الواسعة النطاق الواسعة الأهداف حتى لو كان ذلك بتباينات جماهيرية واضحة، وذلك بعيدا عن العقائد الثابتة والأهداف والاستراتيجيات بعيدة المدى، والانتقال الى سياسة جديدة تحتوي أهداف جديدة أيضا، يمكن أن تستوعب جماهير مختلفة الرؤى في الأهداف البعيدة التي لا نحتاجها في الوقت الحاضر.
نعم سياسة تشكيل التيارات السياسية العامة ذات التوجه المشترك بأهداف محددة بدقة، وبقدر مقبول من جميع الأطراف حتى إذا كانت مختلفة على تفاصيل كثيرة تقبل التأجيل. تلك السياسة التي سبقت الجميع أليها الحركات والأحزاب الإسلامية في الانتخابات السابقة وحصدت نتائجها بسرعة مذهلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج


.. اعتداء الشرطة الهولندية على متظاهرين متضامنين مع فلسطين




.. الألعاب الأولمبية: تحقيق حول مدى التزام الحكومة الفرنسية بوع


.. شرطة مكافحة الشغب الهولندية تعتدي بالهراوات على متظاهرين مؤي




.. أخذ ورد بين مذيعة CNN وبيرني ساندرز بشأن ما إذا كانت إسرائيل