الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل أنتَ حِزبي ؟

امين يونس

2015 / 9 / 12
الادب والفن


كنتُ أتمشى في الشارع الرئيسي في سرسنك ، حينَ رأيتُ " أبوعلي " نازلاً من سيارة تكسي . كنتُ أعرفهُ قليلاً ولدينا علاقات عائلية منذ سنين طويلة . أبو علي كان مسؤول الحزب الشيوعي العراقي في قضاء العُمادية . قلتُ لهُ : .. لقد تعينتُ في مُستشفى العمادية منذ أسابيع ، وأنا حزبي ، وسوف يصلُ ترحيلي قريباً .. للعلم . رَحبَ بي قائلاً : أهلاً بك .. سنلتقي قريباً إذن .. أين تُقيم ؟ قلتُ لهُ : في بيت إبن عّمي دلشاد . قال : طيب سأتصل بك في الأيام القادمة .. ولكن عموماً .. حاوِل أن لاتكشف نفسكَ ، إلا في حالة الضرورة القصوى ! .
وصلَ ترحيلي الحزبي من السليمانية .. وإنخرطتُ في التنظيم في العمادية .. وكنتُ في البدايةِ ، عضواً في خلية من أربعة أفراد ، يقودنا أبوعلي نفسه .
....................
مع بداية عام 1976 .. كان حزب البعث ، يُمارِس نشاطاً محموماً ، من أجل كسب أكبر عددٍ من الأعضاء في أوساط الموظفين والطلبة . المعاون الوقائي " أخيقار " وهو من منطقة كاني ماسي ، كان بعثياً ، طلبَ مني أن أنضم إليهم ، ولاسيما أنني أتكلم العربية بصورةٍ جيدة ، ووعدني بأني سأستفيد كثيراً مادياً ومعنوياً .. إعتذرتُ منهُ وقلتُ لهُ : اُفّضِل أن أكون مُستقلاً .
بعد إسبوعَين ، أخبرني إبن عّمي ، ان رفيقاً من المنظمة ، جاءَ لدكانهِ في السوق ، وطلبَ منهُ أن يحّثني للإنخراط في حزب البعث ، وينتظر الجواب غداً . قلتُ لهُ : كلا .. لن أفعل .
حتى خالي " مارف " الموظف القديم في البلدية ، كُلِف ليقنعني بالإنتِساب ... بل أنهُم قالوا لهُ : إذا وافقَ ، سوف نعطيهِ درجةً حزبية جيدة ! .
شعرتُ بالضِيق من كُثرة الضغوطات والإغراءات .. وتُوِجَ كُل ذلك .. حينَ دخلَ علينا في الصيدلية .. رئيس البلدية " محمد بيطار " وكانَ بعثياً منذ سنوات . رّحبنا بهِ .. فقالَ لي : أنني جئتُ شخصياً لأتكلم معك ، لأننا من مدينةٍ واحدة وأقارِب .. الجماعة في المنظمة كلفوني أن أتصل بك ، ولا أرجَع إلا مع موافقتك للإنضمام للحزب ! .
كنتُ قد مللتُ من هذه " القوانة " والأساليب السخيفة .. فقلتُ له : لكنني حزبي بالفِعل ! . تفاجأ الرجُل وقال : هل حقاً أنت حزبي ، وما هي درجتُكَ ؟ قلتُ : درجتي رفيق ! . نهضَ فوراً ومَدَ يدهُ ليُصافحني بحرارة . قائلاً : سوف أذهبُ للمنظمةِ الآن ، لأخبرهم . [ أعتقدُ انهُ هو نفسهُ أي محمد بيطار ، كانت درجتهُ الحزبية مُجرد نصير في ذلك الوقت ] .
خرجَ من الباب مُسرِعاً .. فقلتُ لهُ بصوتٍ مسموع : ولكن ياعَم محمد .. أنا حزبي لكن شيوعي !.
صّدقوني .. إلتفتَ نحوي وكأنَ أحدهم صّبَ سطلاً من الماء البارِد على رأسهِ .. إستشاط غضباً ولاسيما أن صديقي حميد ، والمُستخدَم الطيب " شفيق المراياتي " ، كانوا حاضرَين وضحكا على الموقِف الطريف .
منذ ذلك اليوم .. كّفوا عن دعواتهم لي للإنتماء .. لكنهم بدؤوا سلسلة من الإزعاجات والمُحاربات ، التي كانتْ تُمارَس في جميع أنحاء العراق ، مِنْ قِبَل " الحزب القائِد " ، ضِد حُلفاءهم الشيوعيين في الجبهة الوطنية والقومية التقدُمية ! .
بعد أيامٍ حينَ حّلتْ ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي .. كنتُ مع الشباب الذين عّلقوا لافتةً حمراء كبيرة ، على الجدار الخارجي لمستشفى العمادية .
في وقتٍ مُبّكِر من 1976 .. لم تكُن هنالك تنظيمات حقيقية ، للأحزاب الكردية القومية ، في العمادية ( حيث ان طلائع " القيادة المؤقتة " والإتحاد الوطني حديث التشكُل ، ظهرتْ بعد أشهُر ) .. كانَ هُنالكَ حزب البعث العربي الإشتراكي ، الحاكم المُطلَق بعد إنهيار الثورةِ الكردية في آذار 1975 ، بتكديسهِ للأجهزةِ الأمنية والإستخباراتية ، ومقرات البعث والمُنظمات المهنية والنقابات الرديفة . وكانَ هُنالك أيضاً ، الحزب الشيوعي العراقي ، بتنظيمهِ ، الذي هو خليطٌ من العمل السري والإجتماعات البعيدة عن العيون ، من جِهة ... والتمسُك بأهداب العلاقة الجبهوية ، الإشكالية ، مع حزب البعث ، من جهةٍ أخرى .
كنتُ حينها .. واحداً من الشيوعيين الشباب .. الذين لم نَكُن نَفقهُ الشئ الكثير في السياسة ، وعاجزين عن تحليل الأمور بصورةٍ منطقية ... وحتى مسؤولينا الحزبيين ، لم يكونوا بِمُستوى الأحداث ولا كيفية التعامُل مع عنجهية البعث ، ولا القُدرةِ على إتخاذ قرارات جريئة ، بالوقوف ضد سياسة الإحتواء والتهميش والإقصاء والترهيب ، التي إنتهجها حزب البعث ، أزاء الحزب الشيوعي .
كانتْ تلكَ مُقدمات ... لِما جرى لاحقاً .
لكني .. شأني شأن معظم الشيوعيين الشباب في العمادية ، حينها ... كنتُ مُتحمِساً ، ومُستعداً للقيام بِكُل مايطلبهُ الحزب ... كُنا نقومُ بذلك طوعاً وعن قَناعة .. بل كُنّا نتوقع المخاطِر الناتجة عن وقوفنا حجر عثرة ، أمام خُطط البعث الحاكِم ... لكننا لم نكُن نأبهُ بتلك المخاطِر .
كنتُ اُلاحِظ .. بأن الكثير من الناس العاديين في العُمادية وغيرها ، يدركونَ بأن الشيوعيين ورغم الإختلافات في وجهات النظر ، في عديدٍ من الأمور ... جديرونَ بالثِقة واُناسٌ طيبونَ إجمالاً .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتكلم عربي.. إزاي أحفز ابنى لتعلم اللغة العربية لو في مدرسة


.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ




.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ


.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال




.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ