الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دِمعة بلون ألثلج

جمال أبو ألنسب

2015 / 9 / 13
الادب والفن




عَجَبَاً أَمْرُكَ يا رَجُلُ , وَعَجيبٌ صِرَاعُ أَلخَاسِرُ مَعَ ذاتهِ , فَالنَفسُ بَاقيةٌ كَما صَيرَها ألُله , تَبتَهِج حِينَ تَجِدُ ِما يُسْرُها , وَحينَ تَتَكَدْر تَلوذُ بِحُزْنَها بَعيداً , فَأِن لَم تَستَطِعَ أِيجادِ مِعْزِلاً لِها , تَفِرُ بِداخِلِها لِتُمارِسَ حُزنُها الِأَزَلي , في مِحْرابِ الآهاتِ وِالآلآمِ وَالذِكرِياتِ , تِراها آخِذِةٍ بِكَ وبِأفكارِكَ , ألى فُسْحَةٍ مُعْتِةٍ بِداخِلِكَ تُسَمى ألفَراغِ , حيثُ أَللاَمَكان وَأَللَازمان لِتَسكُنُكَ وَتَسكُنِها , فَتَغوصَ بِأعْماقِ اَلروحِ , وِتوغلُ في ثَنايا اَلنَفسُ , حَتى تَصِلَ لِشِغافِ القَلبِ , لِتُمارِس مَعَكِ طُقوسِ ما بينَ ألحُلُمْ وَألغيبوبة , وَهاجسِ الأرْجَحَةِ بَيْنَ اَلوجودِ وَألعَدَمِ , لِتَدَعَكَ حَبيساَ حَيثُ أنتَ دَاخِلَ ذاتِكَ , فَأَما اَلروحِ تَكونَ بِصُحبَةِ اَلنَفسِ خَارجَ اَلجَسَدِ , لِتُمَارِسانِ مَعَكَ مَا لاَ تَشتَهي , وَلا تَصحو مِما أَنتَ فيهِ , أو تَفيقَ مِما أَنتَ عَليهِ , أو تُدْرِكُ مَا سَتَؤلَ أِليهِ , رُغم أَنَكَ لَيسَ مُغمَضُ أَلعَينين ...
تَصْحو عَلى صَوْتٍ مِنْ حِوْلِكِ ، قائِلاً : ها يا هَذا .. ألى أَيْنَ أَبْحَرتَ اِلآن , وَهَل وَجَدتَ مَرْسى لِروحِكَ وَقَلبِكَ وَعَقْلِكَ , عِلى ضِفَافِ الأَمْنِ والِأمِانَ وَالُأمْنياتِ , أَمْ أَنَكَ مِا زِلْتِ تَلْطُمُكَ بِوَحْشيةٍ أَمْواجِ أَلْهَواجِسِ , أَلَتي لَا سَبيلَ لِأنْقِطاعِها , فَتِجْفِلُ مِنْ فَوْرِكَ مَفْزوعَاً , وَأَنْتَ غارِقٌ بِعَرَقِكَ , فَتَنْشَغِلَ بِلَمْلَمِةِ مَا عَلَيْكَ مِنْ ثِيابٍ لِتَضُمُها أِلى جسدك الراجف أَلْمُبْتَلِ ، لَعَلَ أِنْشِغَالِكِ هَذا يُعْفِيكَ ، مَنَ أَلْرَدِ عَلى صَاحِبَ أَلسُؤالِ ,
تَشَعُرْ حِينِها كَأَنَكَ تَقِفَ فِي زَحْمَةِ طَواَبيرِ ألمُعَزِينَ , بِأِنْسِانٍ قَبْلَ أَنْ يَمُتْ ، لَمْ يَكُنْ يُذْكَرُ يِوْمَاً بِمَجَالِسهِم , وَلَكِنَهُم حِينَ وَافَتْهُ أَلمَنيةِ , أَدْرَكوا أنه كَانَ عَزيزُ قَومٍ .. أِنَهْ هُو أنتَ الأنسان ...

فجَأَةً تُدْرِكَ لَاحِقَاً أَنَكَ أَنْتَ أَلمُعَزى بِكَ , وَأِنَكَ أَنْتَ لَيسَ أَحَد القَادِمِينَ , مِنْ بَعْيدٍ لِحٌضورِمَجْلِسَ أَلعَزاءِ , تُمْعِنَ أَلنَظَرِ بِوجوهِ أَلحُضورِ , تَبْحَثُ بِعينَيكَ أَلمُثْقَلاتِ بِهَمومِ غَابِرِ الأيامِ , تُفَتِشُ بِنَظَرَاتِكَ عَمْنْ تُعَزيهِ بِنَفْسِكَ , وَلَكِنَ لا قُدْرَةَ لَها , لِأَنَكَ بِتُ لاتَرَى فِيها حَتْى أَقْرَبُ الأَشْياءِ أِليكَ , لِذا يَقْتَضي عَلَيكِ مِنَ الأَنْ , مُلَامَسَتَها قَبْلَ أَلبَتَ لِمَعْرِفَةَ ماهيتِها ...
مَنْ أَقْرَبُ أِلَيكَ مِنْ صَاحِبُ أَلسؤالِ ؟؟ صَاحِبُ أَلْ هـَـا .. تَعُضُ بِأَسْنَانِكَ عَلى شَفَتِكَ أَلسُفْلَى , مُتَخِذَاً مِنَ أَلْعُليا سَاتِرَاً لِأسْنَانِكِ , تُطْرِقْ بِرَأْسِكَ أَرْضَاً , تُشْبِكَ أَصابِعُكَ بِعْضُها بِبِعْضٍ , فَيَسْمَعُ كُلَ مَنْ حَولَكَ صَوتُ طَرْطَقَتِها , تَنْحَني لِكي تَلْتقِطَ شَيئَاً ما مِنْ عَلى الأَرْضِ , تَكادُ أَنْ تَهْوي عَلى وَجْهَكِ , لِسُرْعَةِ أِنْحِنائِكِ أَلمُفاجيءُ , تَشْعُرَ بِأَلبَلَاهَةِ مِنْ نَظَراتِهِمْ , فَهَمْ لِمْ يَكُفوا عَنْ تَحْديقِهمَ بِكَ , فَتَرى أَلفَ سُؤال في عُيونَهمْ , وَتَلَحَظُ اِنْدِلَاقُ أَسْئِلَتِهُمْ عَلى شِفَاهِهِمْ , دونَ أَنْ تَنْطِقُها أَلسِنَتِهُم , وَلَكنَ كَمَا بَدَا لَكَ جَلياً , أَنَهُمْ قَدْ أِبْتَلَعوا أَلسِنَتَهُم , مَعَ أَوَلِ رُشْفَةِ قَهْوَةِ حِينَ رَأوك ...
تُحَدِثُكَ نُفْسُكَ عَنْهُمْ قَائِلَهْ .. مَالَهُمْ وَشَأْني , أَليسَ في هَذا أَلمَكانْ أَحَداً غَيري ! , لِما يُمارِسونَ مَعْي لُعْبَةَ أَلتَذاكي , ليعْرِفوا عَمً كُنْتُ أَبْحَثُ , وَذَلِكَ أَلًذي دَعاني لِلأسْراعِ بِالأنْحِناءِ , حَتى كِدْتُ اَلسُقوطَ عَلى الأرِضِ .. فَهذا يَقولُ هَمْسَاً أَنهُ , كَانَ يَبْحَثُ عَنْ نَظاراتِهِ , لِأنَهُ لا يَكادُ أَنْ يَرى شيئاً مِنْ دونِها , وَيا بَلاهَتِهِ فَهوَ لَمْ يُلاحِظَ , أَنْهَا مِنْ شِدةِ حَاجِةِ عَينَيي لَها , أَصْبَحَتْ جُزءً مِنْ وَجْهِي , فَمِسْنَدَي الأَنفِ حَفَرَتْ لَهما أَخاديدَ , فترأَهُما يَغُصْنَ في جانِبَيً عَظْمَةِ أَنْفي , وَما وَراءِ الأُذنً قَدْ شَقا لَهُما جَدْوَلاً لِكلِ مُنْهُما لِيغْفوانِ فيهِما , مِثْلَ قِطارٍ غَفىَ فَقَ سِكَتِه عتيقة والنخرِ , مُنذُ أمدٍ بَعيد ...
وَأَكْثَرَهُم حِنْكَةً وَعِلْماً وَدِراية , تَسْمَعُهُ يَتَحَدْثُ مَعَ مَنْ بِقُربِهِ قائِلاً .. مِنَ أَلواضِحِ أَنَهُ فَقَدَ شَيئاً غالياً عليه , أو أنه نسي تَقْديمَ التَعْزيةِ , أَوَيَخْشى أَنْ يَرى مَنْ لَا يَرْغَبُ في رؤيَتِهِ , وَهْوَ عَلى حَالِهِ هذا , فَأِصْطَنَعَ حَرَكَةِ الأِنْحِناءِ تِلكَ اِلى الِأرْضِ , ليَبْحَثَ عَنْ لَا شَيء مَا , وَالآخر يَقولُ لَعَلَهُ دَخَلَ مَجْلِسِ العَزاءِ خَطَأً , ضَنً مِنْهُ أِنَها خِيْمَةٍ مُقامٌ فيها حَفْلُ زَفَافٍ , لَمْ تَبْدَءُ مَرَاسِيمِهِ بَعْدُ , لِذا تَراهَ وَقَعَ في حِيرَةَ وَحَياءْ أَلسؤالِ , لَمْ يَأبَهْ لَا لِهَذا وَلَا لِذاكَ , فَلَيَقولوا ما يِحْلوا لَهُمْ , فَهُمْ لَايَعْنونَ لي شَيْئأً , لِذا لَا شَأنَ لي بِهِمْ ...
اِسْتَفاقَ بَعْدَ كُلِ هذه الأسْئِلَةِ , لِيلْطُمهُ مِنْ جَديدٍ , حَرَجَ سؤالِ أَلعيونِ تِلْوَ السؤاَلِ , حَتى تَعَرَقَ جَبينَهُ وَأِحْمَرَتْ عيناه , لِكَثْرَتِ حَرَجِهِ وَحَيائِهِ مَعاً , فَسَألَ نَفْسِهِ عَمَنْ كُنْتُ أَبحَثُ أَنا , وَلِما كُلَ هَذا الأِهْتِمامِ مِنَ الحُضورِ , وَهْوَ بينَ بينْ مَعْرِفَةِ أَلرَدِ لِسُؤالِهِ , تَذَكرْ وَيا ليتَهُ لَمْ يَتَذَكرْ , فَقامَ بِدِسِ يِدِهِ بِجيبِ بِنْطالِهِ , مُخْرِجَاً مَنْدِيلِهِ أَلنَاصِعِ أَلبَياضِ , ليمْسَحَ بِهِ مِنْ عَلى الأرْضِ , دَمْعَةً أَفْلَتَتْها أِحْدى عينيهِ رُغْمَاً عَنْهُ , فَهوَ حَبيسِها وَأِنْ كَثُرَ نَذيرِ طَلقُها ألمُوجِعِ مُنْذُ سِنينْ , مُحاوِلَةً أَلوِلَادةِ كَي تَنْسَكِبَ , مِثْلَ قَطْرِ حُمَمِ بُرْكانٍ فاقَ مِنْ سُباتِهِ , التقطها بِكُلِ رِقَةِ بِطَرِفِ مَنْدِيلِهِ , وَكَأَنَها تَعْدِلُ كُلَ عُمُرِهِ أَلذي مَضَى .. لأَنَهَ خَشي عَليها أَنْ تُداسَ بِالأقْدام ...
بَعْدَها عَادَ وَأِرْتَمَى عَلى أَقْرَبِ كُرسي , بِأَلْكادِ أبْصَرَتْهُ عَينيه قَبِلما يَلْمِسَهُ بِيَدِيهِ , رَاحَ يَفْرِشُ عَلى وَجْهِهِ , أِبتِسامَةِ المُنْتَصِرِ وَالمُنْكَسِرِ في آنٍ واحِد , أِنْكَسَرَ حينَ أَفْلَتَتْ مِنهُ تلك الدمعة لِحَرارة طلقها , وَانْتَصِرَ حَينَ ألتَقَطَها قَبْل أَنْ تَدوسَها الأقْدام , فَهْيً عِنْدَهُ بِمَثابِةِ سِنينَ عُمرِهِ كُلَهْ, وهي رفيقته لما تبقى مِنْهُ , فَتَبَسَمْ بِسِرِه ثانيةً , بَعْدَما كانَ عَابساً قبل قليل , تبسم في جَوْفِ ذِكَرَياتِ ذَلكَ الأِنْسَان ...
تَبَسمَ بِصَفْرةً عَلَتْ فَمِهِ , لِأدْراَكهِ مُتأَخْرَاً أَنْ قِماطِهِ كَانَ .. أبيضْ , وَأَنَ حَليبَ اَلحَياةِ الذي رَشَفه مِنْ ثَديِ أُمهِ , هَوَ كَذَلكَ كَانَ .. أبيض , وبقايا الطبشور الذي اختلسه , من على سبورة طفولته , كَانَ .. أبيض , وَثَوبَ عَروسهِ حِينَ زُفْت إليهِ كَانَ .. أَبيض , وَمَنْديلَهُ أَلذي أَخْرَجَهُ مِنْ جيبهِ كَانَ .. أَبيض , وَشَرْشِفِ سَرَيرَ اَلمَشْفَى أَلذي يَرْقُدُ عَليهِ الأَنَ , أَبيض , وَدَمْعَتِهِ كَانتْ مَثْلَ اَلثَلجِ لَونُها .. أَبيض , عِنْدَها أَفاقَ مِنْ حِلمِهِ بَلْ مِنْ غِيبُوبَتِهِ , فَرَأى نَفْسَهً هَو الآخَرْ أِسْتَحالَ .. أَبيض , حِينَها هَمْهَمَ مُغْرغِرَاً بِصَوْتٍ يَكَادُ أَنْ يُسْمَعْ .. كَذلكَ سَيكونَ لِوَنَ كَفَني , بَلْ جَمِيعَ اَلأَكْفان ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتبره تشهيرا خبيثا.. ترمب غاضب من فيلم سينمائي عنه


.. أعمال لكبار الأدباء العالميين.. هذه الروايات اتهم يوسف زيدان




.. الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت في مهرجان -كان- بفستان بـ-ألو


.. مهرجان كان 2024 : لقاء مع تالين أبو حنّا، الشخصية الرئيسية ف




.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول