الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر ديفد ري،David Ray ـ الى طفل في بغداد

حمزة الحسن

2003 / 1 / 11
الادب والفن



                     خاص: الحوار المتمدن


عندما يخاطب الشاعر ديفد ري طفلا في بغداد بأن لا تخاف لأن قنابلنا ذكية، يكون الضمير الانساني قد حزم أمره من هذه البشاعة المتكررة التي اسمها الحرب، فالحروب الجديدة وخاصة الحروب المخصصة لقتل  اطفال الهنود السمر هي  نوع من القتل الابيض الذي ستشاهدونه قريبا على الشاشة بين نهاية هذا الشتاء وبداية الربيع، لأن موتنا لا قيمة له ما لم يكن مرئيا  للعالم كفرجة أو مذبحة جميلة، ولأن اطفالنا لا تنطبق عليهم شروط الطفولة كما حددتها القوانين.

إنهم أطفال خارج التاريخ، وخارج شروط البراءة، وهذه الشروط الجديدة التي حددها النظام الدولي الجديد لا تضع في قواميسها اطفالنا كمخلوقات تستحق الحياة والفرح والضحك والنوم والحلم واللعب والأمل والاستحمام وحتى الموت الطبيعي.ليس مسموحا لآزاد الطفل الكردي الذي ولد في لية ثلجية عاصفة بين جبل
هندرين، وبين مضيق برسلين،ولا لشقيقه الجنوبي حمد الذي ولد على كدس تبن في ريف جنوبي على ضوء القمر، ليس مسموحا لهما بالمرور بمراحل الطفولة المعروفة حتى سن الكهولة، لأن طائرات الشبح وغيرها ستختصر الاعمار وتجنبهم مرارة العيش، ولا أهمية لمراحل المراهقة والشباب والشيخوخة فالنظام الدولي الجديد معني تماما بتوفير السعادة لهؤلاء الاطفال واختصار اعمارهم بدون الم.ومن يفعل ذلك غير القنابل الذكية؟.وفي الوقت الذي يصرخ هذا الشاعر ـ ديفد ري ـ  في وجه الموت والخسة والدناءة، يقف كثيرون من شعراء العراق كإنهم فعلا قادمون من كوكب آخر ـ حسب تفسير  الطائفة الرائيلية ـ في قدوم كائنات من كوكب آخر.


نقرأ في الصحف وفي المقاهي وفي حفلات الردح ، حوارات عن الجيل السبعيني، والثمانيني والتسعيني وكيف ان الشاعر الفلاني قد تمكن من تحريك الساكن
وايقاف المتحرك، وانشغالات لا أول لها ولا آخر عن قصيدة النثر والريادة.هذا في الوقت الذي يساق فيه الشعب العراقي الى المحرقة دون ان يكف بعض
هؤلاء عن هذا النوع من الاحتقار واللامبالاة والاهانة مع ان كل شيء مدون ومكتوب ومؤرخ للأجيال القادمة.إكذوبة كبيرة هي بدعة الاجيال الشعرية في العراق.لا يوجد سوى جيل شعري واحد في العراق، لأن الاجيال الشعرية ليست أبواب فنادق أو غرفا أو أرصفة مجرد المشي عليها يتم تلوين الشعراء.

وصف الجيل يقال عن مرحلة تحمل مواصفات تاريخية واقتصادية وثقافية وفكرية مميزة، وحقبة من التاريخ خاصة ونادرة واستثنائية، وهؤلاء نسخ مكرورة من بعضها.

  كما أن غالبية هؤلاء هم شعراء على الورق.
يكتبون قراءاتهم وليس تجاربهم أو أفكارهم.

  افكارهم موجودة في سلوكهم اليومي وتعرفونه.

  وهذه هي ثقافة التمشدق ـ بتعبير المرحوم المفكر علي الوردي. وهي ثقافة تكون فيها المعايير مثالية، وصارمة، وحدية، وعلى المستوى الاخر يكون السلوك عكس ذلك تماما.

وهذه الثقافة تنشأ في حقب الخوف والارهاب وتحول الانسان الى مهرج حتى وهو يتحدث عن أنبل القيم لأنه يعتقد ان هذه المعايير المثالية تنطبق على الاخرين فقط وهو معفي منها تماما.

هناك انفصال شعري وسلوكي وانفصام بين القول وبين الفعل، بين حساسية شعرية ورقية وبين جلافة واقعية، بين عشق العصافير على الورق وذبحها وكراهيتها على حبال الغسيل، بين حب الاطفال في القصائد فقط وتركهم يموتون بالغازات أو القنابل أو الابادة في الواقع.

لا مبالاة غريبة لم نجدها في جيل شعري آخر، في مكان آخر.

كان أراغون عاشقا وعدميا وسكيرا، ولكنه كان شاعر مقاومة مع شعراء جيله.وكان اليوار عاشقا وعذبا ورقيقا وشفافا لكنه كان شاعر مقاومة ايام
الاحتلال النازي لباريس وكانت قصيدته ـ الحرية ـ تنزل على رجال المقاومة بالمظلات.هكذا كان الروائي اندريه مالرو روائيا مبدعا كبيرا، ولكنه كان رجل مقاومة حتى أسر وفر من الاسر..

هؤلاء وغيرهم كانوا شعراء حداثة ومشغولين باللغة والتجديد والعصر، لكن هذا لم يمنعهم من الانخراط في معركة الحرية.لم يجلسوا في مقاهي الشانزيليه ليتحدثوا عن الريادة والنشر والمكافأة ومعارك الذباب والوهم وحرف الجر والممنوع من الصرف، وجنود الاحتلال النازي يمرون من امامهم في تجسيد واقعي للعار.

كل شعراء العالم كانوا مشغولين بالحداثة وبالحرية الا شعراء حقبة التشوه الحالية فلا يشغلهم عن نرجسيتهم بديلا ولو سيق كل اطفال العالم الى الموت
الان.

إن اختصار العراق بإسم هذا الطاغية السافل هو جريمة كبرى.العراق هو عنوان ضخم وعملاق.العراق هو عبد الله كوران والمتنبي وفكرت جاويد والصدر وآمنة وفهد والجواهري وهادي العلوي وغيرهم، وغيرهم.  يبدو ديفد ري خارج السرب ويغني في مأتم خاص بالشعراء العراقيين المدهوشين من
هذا الرجل الذي يبكي موت اطفالهم، في حين لا يبكي هؤلاء إلا على  تأخر قدوم الباص الذاهب الى الريادة أو التاريخ أو المزبلة.

 

                       قصيدة ديفد ري
                      الى طفل في بغداد

   لعل قنابل عصفت بك
  الى غد افضل.
   انت وببغاؤك المفعم بالحيوية.
  قد تتبادلان المواقع.
نعطيك فرصة في الاقل لتحسين نفسك.
من يدري لعلك ستولد تحت
نجم سعيد في المرة القادمة، لعلك
ستعيش في ارضنا ذات الحليب والعسل
وتقوم بالقاء القنابل انت نفسك.

يقولون انك ستموت هذه السنة،
وان قنابلنا هي التي فعلت ذلك.
انقطاع الكهرباء لوث الماء،
شيء من هذا القبيل

ولكنهم يبالغون.
لو عرفت هذه القنابل لأحببتها.
نرسم عليها وجوها.
نجعلها صقيلة لامعة ونعطيها اسماء اليفة.

هي ذكية..
لهذا السبب وَجَدتْك.

 

ِِ   نعم، ديفد، نحن على موعد قريبا على شاشة السي.أن.أن. لكي نرى للمرة الاخيرة اطفالنا كيف يموتون هذه المرة بالقنابل الذكية والفراغية والعنقودية
والقصف السجادي وبحرائق محطات الوقود وآبار النفط والغازات وسياسة الارض المحروقة...كل ذلك من اجل " الديمقراطية" التي ستقتل شعبا بأكمله وتنقذ الارض من الفاشية.

جهزوا انفسكم لمشاهد الموت القادم ، ولاتنسوا الكرزات والقهوة والويسكي
لأن 
موتنا هذه المرة سيكون على أحدث الاسلحة الذكية التي سوف لن تقتل احدا
ابدا غير
الطاغية،
والحاشية،
ومليون عراقي،
قتلوا سهوا أو خطأ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خيارات صباح العربية للمشاهدة هذا الأسبوع في السينما والمنصات


.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن جديده مع الملحن ياسر بوعلي وموعد ط




.. -أنا محظوظ-.. الفنان ناصر نايف يتحدث عن علاقته بالملحن ياسر


.. من عالم الشهرة إلى عالم الإنتاج السينمائي.. صباح العربية يلت




.. أغنية -سألوني الناس- بصوت الفنان الشاب ناصر نايف