الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


!!.. للشهامة ضوء أحمر

ياسر العدل

2005 / 10 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حين أنهيت بعضا من مهام وظيفتى بالدرجة التى ترمد بها عيون رؤسائى وتتوقف عن التلصص والمحاسبة على تأدية عملى، قررت مغادرة المدينة هاربا من الشغل ومشاكل الترقيات ووجع الدماغ، وحين رأيت أن الشمس أصبحت شمس عصارى هادئة تسمح بركوب طريق السفر، درت حول سيارتى ألقى نظرات على إطاراتها وأستعرض بعض وجوه المحيطين من الطلبة والزملاء، وبروح غندرة شبابية ربت على ظهر السيارة ودخلتها ملقيا جسدى على مقعد القيادة متحسسا أجهزة الانطلاق، أرسل من خلف الزجاج نظرات ساهمة وألقى للوجوه بعلامات ابتسام وعبوس وغزل وتعال تكفى كل البشر، أفتح جهاز التسجيل على أغنيات ذات إيقاع راقص وأضبط جهاز التكييف عند منطقة النشاط ، وحين أحصيت فى الوجوه عدداً مناسبا من التحيّات والابتسامات وعلامات الوداع أدرت محرك السيارة وانبريت أقودها متباطئا ومناورا ومتسابقا أشق طريقى بين الجموع، ممنيا نفسى بإجازة رائعة لنهاية الأسبوع اقضيها مع الزوجة والأولاد فى مدينتى البعيدة.
كان طريق الإسفلت ناعما والسيارة مطيعة واخضرار الحقول يجذب زرقة السماء الى اتساع الأفق، وأشجار الكافور تلقى بظلالها على الطريق فاتحة كوات من شمس خريف حانية، وبدأت تطوف برأسى أخيلة منتقاة من زمن جميل، وحين باغتتنى ابتسامه رقيقة لفتاة جميلة رأيتها تودعنى بين الجموع، أيقنت أن تلك الجميلة تصلح زوجة لابنى الأكبر فلذة كبدى الذى يمشى على الأرض، ولأن الجميلات كائنات نادرة تأسر العاشقين، والاستئثار بهن يفتح آلاف الطرق للاستمتاع بالحياة، تركت ابنى يواجه قدره ويحصل على جميلته كيف يشاء، وقررت أن أتزوج بتلك الجميلة ضاما كل الجميلات إلى قبيلتى من الزوجات والجوارى.
مرت بجوارى سيارات وطيور وظلال، وحين تابعت سيارة تمشى الهوينا تقودها جميلة شابة، يشاكس شعرها الهفهاف نسيم الكون المفتوح على الإسفلت، رأيتنى فى زمن شبابى القديم أعانق النسيم على شاطئ النيل، يربت ساعدى على كتف زوجتى، تسرق أصابعى لمسات لشعرها الطويل وتدفع يدها لكزات حانية فى جانبى، ونعاود الإمساك بحبات الترمس والفول النابت تنساب إلى أفواهنا ونلقى القشور لماء النيل يحملها بعيدا، وتشهد شمس العصارى وقائع شوق ونصب نزرعها فى شريط حبنا الطويل، وظلت الموسيقى تنساب حولى.
فجأة لمحت خلفى سيارة مسرعة نحونا، فارهة باهرة الأضواء تأكل الإسفلت برعونة، كان الفارق كبيرا بين سرعة سيارتى الحالمة وسرعة السيارة الرعناء، فهربت من رأسى كل الأخيلة، وطوحت بسيرة كل الجميلات لأحفظ جسدى وأحلامى وسيارتى المتواضعة، شقت الرعناء ريحها مارقة بجوارى ومن خلفها سيارة أخرى تشاكس الطريق وتحاول اللحاق بها، تابعت مناورات الرعناء فى تخطى سيارة أخرى أمامها، وتخطتها بالفعل وتخطت سيارة ثالثة وناورت سيارة نقل بطيئة واختفت لبرهة، وعاودت الظهور مطلقة هالة من أنوارها الحمراء، وانحرفت الرعناء فجأة إلى أقصى اليمين ودخلت جرفاً هاريا إلى حقل ملاصق للطريق، وحين وصلت سيارتى للمكان كانت الرعناء انقلبت مرتين واستقرت على ظهرها، وأخذت عجلاتها تدور فى الهواء، وتوقفت بعض السيارات على جانبى الطريق تخرج ركابها المفزوعين، وبدأت النار تشتعل فى الرعناء المقلوبة، ووجدتنى أبطئ من سرعة سيارتى أستكمل رؤية المنظر، وحين فكرت فى التوقف وتقديم يد المساعدة تذكرت أشياء وأشياء، كراهيتى لضابط شرطة أجبرنى على تغيير طفاية حريق لسيارتى رغم صلاحيتها، واحتقارى لمحامى يتاجر فى ملفات حوادث الطرق، وحنقى على مسئول تحرش بأستاذ جامعى حاول إبداء رأى سياسى مخالف، وحلمى بتنفيذ وعد بالزواج من فتاة تصغرنى بثلاثين عاما، واعتقادى بأن من يملكون سيارات فارهة أثرياء ذوى سلطة قادرون على تكاليف العلاج من أية حوادث، يدفعون من خزائنهم وتدفع لهم الدولة من خزائنها أيضا، ومعرفتى بقصور أجهزتنا الحكومية فى إدارة الكوارث، وان الكوارث فى بلادنا تتكالب فقط على رؤوس المجهدين والغلابة، وايمانى بأن تبرعى للشهادة القضائية على ما يحدث فى الطرق ودواوين الحكومة، سيدخلنى فى دوائر سلطة ترانى مدينا طوال الوقت وتحاكمنى على اعتبار أننى القاتل الوحيد لكل صنوف الحياة على الأرض.
أسرعت فى تنفيذ قرارى بالابتعاد والهروب عن موقع حادثة انقلاب السيارة، وتسرب معى خلق كثير يكزّون شفاههم ويلوون أعناقهم ويواصلون الابتعاد بسياراتهم يتركون على الطريق بعض الأدعية والرجاء والاستعاذة والتشفى وإخراج الغيبة.
من وقتها تعلق سؤال فى ذهنى، لم أعرف له إجابة صريحة، كيف لشهم ومواطن مثلى فى هذه البلاد يعيش بين هؤلاء البشر، أن يرى سيارة يصيبها حادث مفجع ويتركها تتلوى فى انتظار المساعدة؟
د0 ياسر العدل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رسالة تعزية من الجزائر بوفاة والدة ملك المغرب، تثير الجدل!!


.. فيديو كليب بوسي والليثي ضمن قاي?مة ا?سوء فيديو كليبات ????




.. الهند: انتشار -مرعب- لكاميرات المراقبة في كل أرجاء البلاد


.. فرنسا: ما الذي سيحدث في اليوم التالي لجولة التشريعيات الثاني




.. إسرائيل تقتل فلسطينيين بغارة جوية في مخيم نور شمس قرب طولكرم