الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بين إيران وتركيا

منذر خدام

2015 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية



ما بين إيران وتركيا يوجد بلاد العرب كساحة للفعل نموذجية، هيأتها أزمات العرب المتناسلة، بعضها من بعض، بتأثير الخارج حينا، ونتيجة النظام السياسي العربي دائما. ساحة للفعل، لتحقيق المصالح، وتأكيد النفوذ، لكل طامع في ثروات العرب أولاً، ولكل معاد لهم غالباً،
اللافت،خلال العقد الأخير، هو دخول إيران، ومن ثم تركيا، إلى الساحة العربية كفاعلين رئيسيين، لتصير قصة دخولهما، الشغل الشاغل، للطبقة السياسية العربية، وللجمهور العربي، على حد سواء. ليس هذا وحسب، بل أصبحت القصة عينها، محط تركيز، اهتمام الفواعل السياسية الدولية، خصوصا، أولئك الذين حرصوا دائما، على إبقاء الساحة العربية مباحة لهم، ساحة للتنافس، وتأكيد النفوذ، من أجل تحقيق المصالح الاقتصادية، والسياسية، والإستراتيجية،
لقد شكل الدخول الإيراني، ومن ثم التركي، إلى المجال السياسي العربي، علامة بارزة، في العقد الأخير، فقد نجحت الدولتان في جذب الاهتمام المحلي والدولي وتركيزه عليهما، بسبب من تأسيسهما لقاعدة قوية لمصالحهما الخاصة، سواء من الناحية الرسمية، أم الشعبية. وفي كلتا الحالتين ساهمتا، ولا تزالان تساهمان، في تحريك المياه السياسية العربية الراكدة، و تنشيط النقاش السياسي والأكاديمي والشعبي حول أسباب هذا الدخول السياسي ، ومنطلقاته، وأهدافه القريبة والبعيدة.
لا بد من الاعتراف بداية أن الدخول الإيراني والتركي إلى الساحة العربية هو دخول طبيعي، فهما يتحركان ضمن مجالهما الحيوي الإقليمي بحكم كونهما دولتان أصيلتان وعريقتان في المنطقة يتشاركان مع الدول العربية فضاء ثقافياً واحداً، وجزءاً من تاريخهما. أضف إلى ذلك فهما يقدمان نفسيهما كدولتين صديقتين للعرب، ولهما بالفعل علاقات قوية مع بعض الدول العربية،
ثمة مشتركات كثيرة، بين السياسة الإيرانية والتركية تجاه الدول العربية يمكن إبراز أهمها فيما يأتي:
1-تنطلق سياسة إيران وتركيا من واقع أنهما دولتان كبيرتان وقويتان ولديهما مشاريع تنموية وطنية كبيرة وطموحة يسعيان لتأمين بعض عناصر نجاحها في المجال الحيوي العربي،
2-تتأسس السياسة في كلتا الدولتين في أحد أبعادها على الإيديولوجية الدينية،
2-كلتا الدولتين تحتلان أجزاء من بعض الدول العربية، إيران تحتل عربستان، وبعض الجزر الإماراتية، وتركيا تحتل لواء الاسكندرون السوري.
3-كلتا الدولتين دخلتا إلى المجال السياسي العربي من بوابة العداء، أو الاختلاف مع إسرائيل.
4-كلتا الدولتين ينتهجان سياسات مائية تثير هواجس معينة في سورية والعراق.
كيف يتلقى العرب الدور السياسي لكل من إيران وتركيا في بلدانهم؟
لقد اختلف العرب فيما بينهم في تقويم كل من الدور السياسي الإيراني والتركي في المجال السياسي العربي. ففي حين وقفت سورية مع إيران منذ قيام الثورة الإيرانية ولا تزال، ودفعت ثمنا باهظا لقاء ذلك، من خلال مقاطعة أغلب الدول العربية لها، التي وقفت ضد إيران منذ البداية خوفاً من الحمولة الأيديولوجية الكبيرة لثورتها،
أما بالنسبة لتركيا، فكانت علاقاتها، مع أغلب الدول العربية طبيعية، لكنها كانت متوترة، كثيراً مع سورية، من جهة بسبب دعم سورية، في حينه، لحزب العمال الكردستاني، وإيوائها لزعيمه عبد الله أوجلان على أراضيها. ومن جهة ثانية، بسبب امتناع تركيا عن إيجاد حل عادل لاقتسام مياه نهري دجلة والفرات بينها وبين كل من سورية والعراق وفق القانون الدولي، ومبادئ حسن الجوار، والحقوق التاريخية المكتسبة، وغيرها من المبادئ التي تحكم هذا المجال.
بعد غزو أمريكا للعراق، بدأت إيران تتدخل بصورة قوية في شؤونه الداخلية من خلال دعمها لحلفائها من القوى السياسية العراقية غالبا، وأحيانا كانت تتدخل فيه بصورة مباشرة دفاعا عن مصالحها الخاصة، والضيقة في كثير من الأحيان. كما تتهم إيران عادة بالتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية عديدة، من خلال دعمها للأقليات الشيعية فيها. وكان للمشروع النووي الإيراني دوره أيضاً في زيادة توتر العلاقات أكثر بين الدول العربية وإيران إذ رأت فيه تهديدا استراتيجيا لأمنها واستقرارها.
ومما زاد من هواجس الدول العربية وساهم في توتر علاقاتهم بها مواقفها المتناقضة من القضايا العربية، ودورها في العراق ولبنان وسورية، واحتلالها للجزر الإماراتية، ودعمها لحركات التشيع، وتجاهلها قضايا الأمن في الخليج، وحتى تهديدها الصريح لبعض دوله العربية،
أما بالنسبة لتركيا ففي حين نجحت سورية في تطوير علاقاتها معها في عهد حزب العدالة والتنمية ، تقديرا منها لأهمية الدور التركي في المنطقة، والاستفادة من عمق تركيا الاستراتيجي في المجالات الاقتصادية والسياسية، فإن علاقات بقية الدول العربية معها كانت أقرب إلى البرودة. لكن حين أدرك حزب العدالة والتنمية استحالة قبول تركيا في الاتحاد الأوربي غير اتجاه سياستها نحو دول الإقليم العربي والإسلامي الأسيوي وبدأ يؤسس لمصالح بلاده الإستراتيجية فيه ، وذلك من خلال تكثيف حضورها الفاعل في هذه الدول عبر المنتج الثقافي والاقتصادي والسياسي وقد وجدت في حينه قبولا رسميا، وشعبيا لافتا.
لكن مواقفها السياسية خلال السنوات القليلة الماضية صارت مولدة للتوتر مع أغلب الدول العربية، وذلك بالعلاقة مع ما يسمى بالربيع العربي، وتدخلها في دوله دعما للتيارات الإسلامية المتطرفة، مما سوف يكون له ثمنه السياسي والاقتصادي، وهي بالفعل بدأت تدفع هذا الثمن .
إن غياب العرب، عن ساحة الفعل السياسية والاقتصادية، وغياب أي مشروع نهضوي حقيقي، سواء على صعيد الدول العربية منفردة، أو على صعيدها مجتمعة، هو المسؤول عن إباحة الساحة العربية للآخرين، البعيدين منهم أو القريبين. في عالم المصالح لا ينبغي أن يلام احد وهو يدافع عن مصالحه في مجالنا العربي بالطريقة التي يراها هو مناسبة، بل اللوم كل اللوم يقع على العرب، الذين لا يستطيعون الدفاع عن مصالحهم في مجالهم الخاص، عداك عن مجال الآخرين.
عندما ينهض العرب من سباتهم سوف تكون تركيا وإيران عاملا مهما في هذا النهوض، سواء من خلال التنافس معهما ، أو من خلال التعاون الاقتصادي والسياسي الإقليمي، فهما من مكونات الإقليم الأصيلة والتاريخية التي لا يمكن تجاهلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان