الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دائرة العنف الفلسطينية

ناجح شاهين

2015 / 9 / 14
القضية الفلسطينية




اقتحم شاب صغير تعرض لعقوبة النقل من مدرسته في مخيم الأمعري، غرفة المدير وحطم محتوياتها. من الواضح من المعطيات أن مدير المدرسة قد تحلى بالحكمة والصبر، وترك القصة تمر دون أن تتفاقم وتقود إلى أضرار تلحق بالبشر. كنا قد عشنا في الأيام الماضية عدداً من الحوادث التي تميز عنف المعلم ضد الطالب، وهذا عنف من الطالب ضد المعلم، والمدير، والمدرسة، والنظام التعليمي كله بطبيعة الحال. عنف وعنف مضاد.
لكن من هو المخول بحق استخدام العنف في المجتمع؟
بحسب ابن خلدون ثم ماكس فيبر فإن الدولة هي التي تختص بالعنف المشروع، ولا يجوز لطرف آخر في الإقليم والمجتمع أن يستخدم العنف، وذلك يعني ببساطة أن الدولة التي تحتكر العنف تمنع الآخرين من استخدامه، ولو أنها سمحت باستخدامه لعدنا إلى النظام الطبيعي لهوبز الذي يتصف بحرب الكل ضد الكل. وفي هذا النظام يقوم كل فرد بالحصول على حقه أو باطله بذراعه مصداقاً لقول الشاعر الجاهلي الذي كان يعيش في نظام طبيعي كذاك الذي يصفه هوبز:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
لذلك أجدني مضطراً أن أنزل من سيارتي لأعاتب عجوزاً محترماً تبدو عليه سيماء الغنى والنفوذ لأنه أوقف سيارته المرسيدس الفخمة في شارع رئيس وعطل مرور قافلة من السيارات التي تصطف ورائي وتزمجز بأبواقها. الشرطي يتدخل ليهدئني ثم يبدأ عملية معقدة لمساعدة الرجل في فتح الطريق. ديمقراطية، حرية، أم فوضى ومجتمع الطبيعة الهوبزي؟ هل يمكن لأحد أن يفعل ذلك بسيارته في نيويورك أو طوكيو؟ طبعاً لا، هناك الحرية لا تعني الفوضى. أتذكر درويش: "حريتي فوضاي إني أعترف."
مقاول يعرف أنه لا يوجد دولة تحتكر العنف وتمنعه من "أكل" حقوق الآخرين، فيأكلها، ويضع هؤلاء أمام السؤال الرهيب: "هل نحن هبل لنخدع على هذا النحو؟ ماذا نفعل؟ لا بد من الانتقام، سنقتله." وتشتعل دائرة العنف.
شخص يقتل في قرية ... فينبري الأقرباء للانتقام، ليس هناك إيمان ولا ثقة في الدولة ولا قوتها ولا عدالتها: يتربصون بشخصين من أقارب القاتل قرب "نزلة البريد" وسط رام الله ويسيل الدم الفلسطيني دون مسوغ عقلاني واحد. يصبح العنف لغة البلد الوحيدة في حال التخاطب اليومي بين السائقين والطلاب والمعلمين والجيران وفي خلافات العمل و"البيزنس". إنما يختفي العنف بشكل رائع في مستوى العلاقة مع المحتل بحيث يتبجح قادته بأن بلادهم من أكثر البلاد استقرارا في العالم ليس على مستوى الجيران (سوريا ومصر والعراق...الخ) الذين أصبحوا "فرجة" على رأي دريد لحام، وإنما على مستوى الكون كله.
تقوم الدولة بحسب ماكس فيبر بحماية الناس أحدهم من الآخر، وتحرس ملكياتهم، وذلك أساس الرأسمالية والملكية الخاصة، وإلا سقطنا في نظام الفوضى السابق للملكية الخاصة دون أن نتقدم قيد أنملة باتجاه عدالة الاشتراكية. وتقوم الدولة أيضاً بحماية الإقليم من العدوان الخارجي. هذه هي وظيفتها الأولى والأخيرة من منظور رأسمالي، وإذا لم تقم بذلك، فهي إذن وهم لا أكثر.
لا بد من الاستعانة بمحمود دوريش مرة أخرى: "ماذا تريد يا أبي؟ علماً؟ وماذا تنفع الأعلام؟ هل حمت المدينة من شظايا قنبلة؟" وبسبب أن سؤال دوريش سؤال ساري المفعول حتى اللحظة يلجأ بعض الناس للعشيرة لتحميهم، أو للمؤسسة الدينية، ولكن معظهم يمد يده مباشرة، ويقوم بنفسه بما يجب أن تقوم به الدولة، فنغرق في الفوضى، وتضيع الطاسة. ترى هل يجب علينا التفكير في بدائل لإدارة شؤوننا الحياتية اليومية؟ مثلاً أن تتشكل لجان مدنية شعبية تقوم بمتابعة الحياة بتفاصيلها مثلما كان الحال أيام الانتفاضة، أم ندعو كل مواطن إلى حمل السلاح على طريقة الولايات المتحدة، أم ماذا نفعل؟ سؤال حقيقي وحراق بقدر ما هي أوضاعنا مؤلمة ومأساوية إن يكن في مستوى مواجهتنا للاحتلال الذي يجتثنا شيئا فشيئاً، أو نظم التعليم والصحة والاقتصاد الضعيفة، أو ما شئتم من تفاصيل حياتنا البائسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نحن لا نستحق دولة !
ملحد ( 2015 / 9 / 14 - 11:54 )
لهذا السبب , وبالطبع اسباب اخرى عديدة, فانا اقول نحن لا نستحق دولة !

اخر الافلام

.. كيف مهدت والدة نيكو ويليامز طريقه للنجاح؟


.. لبنانيون محتجزون في قبرص بعد رحلة خطيرة عبر قوارب -الموت-




.. ستارمر: -التغيير يبدأ الآن-.. فأي تغيير سيطال السياسة الخارج


.. أوربان في موسكو.. مهمة شخصية أم أوروبية؟ • فرانس 24




.. ماهو مصير هدنة غزة بعد تعديلات حماس على الصفقة؟ | #الظهيرة