الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكفار والمسلمون

خالد الصلعي

2015 / 9 / 15
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


الكفار والمسلمون
**************
بعد فواجع الحروب ، ومآسي المعارك ، وتراجيديا القتل المجاني ، تأتي كارثة عبور البحر بكل النكبات التي تنتج عنها ، فالنجاة من بطش البحر قد لا تعني النجاة من قسوة الانسان . لكنها قسوة أرحم من تنكر الأهل ومن نخالهم يقتسمون معنا وحدة المصير والهوية ، تلك الأسطوانة الكاذبة التي ملأوا بها عقولنا في الصغر ، لكنها شخات قبل أن نشيخ نحن ، وفضحها واقع الموت والقتل والحروب البينية الأخوية افتراضا .
بلاد الكفر تستقبل أكثر من نصف مليون مهاجر عربي ، أغلبهم من المسلمين ، وبلاد المسلمين تتبرأ منهم وتقفل حدودها في وجههم ، لا بل هناك من يحاربهم في عقر بلدانهم ، تارة بالوكالة ، وأخرى بكراء أمراء الحروب ومرتزقة الموت . وكأن لسان حالنا اليوم ينشد :
بلاد الكفر أوطاني ......وكل الكفار اخواني
تعقد هنالك جلسات ومؤتمرات من أجل البحث عن الحلول الممكنة لايواء اخوان الجوهر الانساني ، وهم الذين اعتبرناهم عقودا وأجيالا اخوان التراب واللغة . يفتح الغرب مساكنه لللاجئين الغرباء ، يقدم رئيس بلد غربي منزله مأوى للمهاجرين الجدد ، تمنح طفلة غربية قطعة بسكويت لطفلة سورية ، تعاد صياغة بعض المواثق الأوروبية ، تخصص أموال طائلة لمساعدة العابرين الفارين منجحيم حرب مفروضة عليهم . وفي الضفة الأخرى يذهب ملك عربي لقضاء عطلته في بلد غربي بميزانية تكفي لبناء مدينة من أجل الفارين الى أرض الكفار .
الأنصار في هذا السياق التاريخي المهيض ، لن يدخلوا في دين المهاجرين ، بل ان كثيرا من المهاجرين دخلوا في دين الأنصار بعد الذي عاينوه من شيم الانسانية التي يحملها هؤلاء الكفار ، هي نفسها الانسانية التي أثقل بها شيوخ السلطان آذاننا ، وها قد أصبنا جميعا بقيء في الأذن جراء جرثومة الكلام الكاذب والقول المنافق .
أحب لأخيك ما تحب لنفسك . جميعنا الآن يسمع أو يقرأ هذه العبارة بكثير من الامتعاض والحنق . هي سامية وراقية في معانيها ، لكنها منحطة في مجالها التداولي ، خارجة عن سياقها في واقع عربي مشروخ ومريض درجة الزهايمر . كأنهم يقولون ما لايفقهون أو مالايعقلون ، أو مالا يفعلون ، وما سوف لن يفعلوه أبدا في ظل هذه الثقافة الممسوخة التي ورثناها .
لم يبق اذن غير شد الرحال نحو أرض الكفار ، وللانسانية سابقة في التاريخ ،قبل أن يتم الدين الاسلامي مشروعه الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي ، كلنا يتذكر ملك الحبشة الذي لا يظلم في كنفه انسان مهما كانت عقيدته ودينه . لقد كان كافرا حسب رؤية الكثير ، لكنه كان مؤمنا حسب رؤية القلة ، مؤمنا بقيمه وتعاليمه وحسه الانساني . والا لما أرسل الرسول الكريم صحابته اليه . مات الرسول منذ أكثر من أربعة عشر قرنا . ولم يبق غير أشباه يهودا الاسخريوطي الذي سلم عيسى عليه السلام حسب بعض الأناجيل لليهود مقابل ثلاثين قطعة فضية .
غير أن من باعوا العرب اليوم لم يبيعوا شخصا واحدا ، وان كان نبيا بل باعوا أمة بكاملها ، ولو لم يكن فيها نبي .
حين ركزت أنجيلا ميركل على القيم الأوروبية فانها لم تتحدث عن ألمانيا بل تحدثت عن أوروبا ، وهي اليوم تتحمل مسؤولية القارة الأوربية لاعتبارات عديدة . وكم كانت ذكية حين لعبت هذه القائدة المخضرمة على وتر القيم الانسانية ، وهي سليلة ثقافة فلسفية عريقة ، تدرك أن كثيرا من الغربيين سيخجلون أمام الخطاب التأسيسي المرتكز على قيم الأخوة والمحبة ، وينهزمون . وفعلا أذعن معظم قادة أوروبا لخطاب القيم . هذا الخطاب الذي لم يعد له أي وقع علينا ، وصرنا أشبه بكائنات اسمنتية لاروح لها ولا قلب ولا عقل . يحشون ذواتنا بالتفاهة فنصير أتفه من التفاهة نفسها .
كم صدمني منظر أولئك المواطنين الأوروبيين وهم يعلنون لمختلف وسائط الاعلام ترحيبهم باللاجئين ، واقتسامهم منازلهم ومساكنهم معهم ، بينما نحن اكتفى بعضنا بالاستلقاء على الشاطئ تضامنا مع الملاك ايلان . موخيكا أفقر رئيس فوق الأرض سابقا يستقبل على نفقاه الشخصية مائة لاجئ سوري ، بينما أكبر أغنياء العالم عندنا يقطعون أرزاقنا ويعتقلوننا ويأمرون بقتلنا .
فعلا للكفار ايمان أقوى من المسلمين . انه الايمان بالانسان ، وليس الايمان بالذل ولو امتلأت قلوبنا بستين ألف حزب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في