الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول العراق بمنظوربغدادي

عبدالاله البياتي

2003 / 1 / 11
اخر الاخبار, المقالات والبيانات



في خضم الاطروحات السياسية العراقية حول مستقبل العراق ،في اوساط الحكم والمعارضة والموالين لامريكا ،وفي خضم تصارع الاثنيات والطوائف والاحزاب والحصص ،يشعر سكان بغداد او المنحدرين منها اوالذين انتهلوا من حضارتها ،رجالا ونساء ،بغياب وتغييب منظور بغداد العراقي المدني الى امور الحياة والمجتمع والدولة .فنزعات الغاء الذات والغاء التراث والانحناء امام الاجنبي وانكار الامة وحقوقها وتسيير المجتمع بالقسر والقوة العسكرية من جهة ونزعات الانكفاء على الذات في عالم متغير وتشجيع العصبيات الجاهلية  وتقديس التخلف وتقسيم العراق الى اثنيات واديان وطوائف من جهة اخرى،كل هذه النزعات لا تعبر عن هوية اهل بغداد الفردية اوالجماعية ولاتعكس نظرتهم القائمة على التعايش والتضامن المشترك بين كل العراقيين وتطلعهم الى بناء دولة مواطنين ،لا دولة قوميات واديان واحزاب وطوائف،  والى قيام حكومة مهمتها اطلاق الحريات المدنية والسياسية وتعميم المنافع والالتزام بالمصلحة العامة،لاحكومة لاقتسام الغنائم والتسلط على الناس
فما هي هوية بغداد؟
نحن عرب ككل العرب وعروبتنا لا تقوم على الدم وانما على اللغة والانتماء الحضاري والمصالح المشتركة ،ونحن اكراد ولكننل لسنا في السليمانية او دهوك ونحن تركمان دون ان نأتي من كركوك ، وكذوي اصول فارسية كانت بغداد مدينتنا دائما ،ونحن مسيحيون قبل بناء بغداد،ونحن شيعة ومرجعيتنا ليست من خارجنا ،ونحن سنة  وائمتنا ليسوا من خارجنا  وفي القرن الماضي جاءنا الارمن فاصبحوا منا ،وجاءنا الاكراد الفيلية فاصبحوا منا ،وجاءنا اكراد الشمال وابناء الجنوب وتركمان كركوك والاشوريون والصبة واخرون كثيرون فاصبحوا منا وابنائهم ابناء بغداد
وفي واقع الامر ان كل مدن العراق حالها حال بغداد،متعددة المكونات تصب فيها نفس مختلف الروافد.وبغداد لم تنقطع يوما عن مدن العراق تنهل منها وتعطيها
وهكذا فان كل العراق حاضر في بغداد ،يتواجد ويتفاعل ويتوحد ،مشكلا لا طائفة جديدة ولا مجموعة طوائف وانما منظورا بغداديا عراقيا مدنيا لحل ازمة المجتمع والدولة في العراق يقوم على التعايش والتداخل والمشترك وعلى تجسيد حقوق المواطن والانسان في دولة ديموقراطية عراقية وطنية
فمن بذور فكرة المواطنة البعيدة عن الاصل الاثني اوالثقافي او العرق او اللون التي زرعها العباسيون في بغداد والعراق والتي ورثناها في حياتنا اليومية تعلمنا في العصر الحديث بانفتاحنا على الفكر السياسي العالمي شرقا وغربا ان الدولة هي ملك لكل المواطنين وان لا شرعية لها ان لم تمثلهم جميعا وان لم تخدمهم جميعا بدون تمييز او امتيازات وان لهم الحق رجالا ونساء في انتخاب ممثليهم بحرية وبشكل دوري وان لهم جميعا حق التصويت والترشيح ، وان تمثيل الشعب هو ليس تفويضا بدون شروط وانما تكليفا حسب برنامج وشروط. ولقد ساندنا في نشاطاتنا السياسية كل ما يخدم افكارنا هذه .فنحن شيوعيون قبل ان يأتي فهد الينا ونحن ديموقراطيون دون حاجة للارتباط بامريكا،ونحن بعثيون قبل ان تسمع بغداد بحزب البعث ونحن ناصريون واولنا واولهم كان باسل الكبيسي البغدادي،ونحن يساريون دائما واينما كنا
نحن شيوعيون نرفض استغلال الانسان للانسان ونؤمن بالاخوة بين البشرونحن ديموقراطيون نؤمن بالمساواة بين مواطني العراق وبحريتهم في تقرير شؤونهم بانفسهم ونحن بعثيون نؤمن بقدرة الامة على النهوض لتكون مساوية لكل الامم الحرة ونحن ناصريون نكره الاستعمار والاقطاع وندعم الحداثة ونحن يساريون نعانق افكار تحرر الانسان والبشرية وافكار التقدم والتجدد والثورة
وقد نكون انتقائيين في نظر البعض. وقد نكون كذلك. فنحن،رجالا ونساء، نواكب العصر ونستنشق ابداعاته ونتجاوز التراث ان اعاق تقدمنا ورفض المساواة في حقوقنا، ونحن نتمسك بالتراث ان اعاننا على تاكيد هويتنا وانسانيتنا وحقوقنا كتمسكنا بكل ما يساعدنا على التواصل .نحن علمانيون في الدولة،واسلاميون في الثقافة،وعصريون في علاقاتنا وحياتنا الاجتماعية.ونحن طلاب علم ومعرفة،وتحضر وحداثة وتسامح ،ونحن عمال وتجار وكسبة وموظفي دولة وكوادرها العلمية والتكنيكية والادارية،ومن جهد وتحصيل ابائنا واخوتنا وابنائنا في العمل والعلم والمعرفة بني اهم ما يفخر به العراق واهم ما يمكن ان ينقذه من التجويع والافقار والديكتاتورية،ورغم تعدد اصولنا الاثنية وتعدد ثقافاتنا وافكارنا الشخصية نتعايش معا، ونبني معا، ونناضل معا، ونعتز بمدينتنا معا،مدينتنا التي يكفي ذكر بعض شواهدها لكشف ثراء الروافد التي كونت ثقافتنا ونسيجنا الاجتماعي ، مدينتنا التي يراد لها الان ان تهدم وتمزق وتحتل وتذل
اننا نعتز بمدينتنا ،مدينة ابو حنيفة وموسى الكاظم وعبدالقادر الكيلاني والشيخ معروف والفضل والشيخ صندل والشيخ عمروالحسينيات الكثيرة والجوامع التي بناها اجدادنا خلال قرون وكنائس المسيحيين ومعابد اليهود ،مدينة  تبة الكرد والحيدرخانة والقره غول وفضوة عرب وباب الشيخ وعقد النصارى ،ومدينة الشيخ صندل وسوق حمادة  والصالحية والشواكة والارضروملي،والمهدية وابو سيفين ،وكرادة مريم والبو جمعة ورخيتة والمنصور والعرصات، وجامعة العباسيين وساحة الشهداء والقشلة وشارع الرشيد والنهر والبتاويين واعظمية بغداد وكاظميتها ومدن محيطها الكثيرة والوشاش والشاكرية وكل الكرادة الشرقية
واعتزازنا ببغداد ودفاعنا عنها ليس فقط لاننا من محبيها ولكن لان بغداد هي نظرة الى امور الدولة والمجتمع تحمل معها  كل تراث العراق وكل مستقبله في البحث عن حرية الانسان والمساواة بين المواطنين وخدمة الصالح العام والرغبة في التقدم والاجتهاد والتفتح .ولاعجب ان ينتمي الى بغداد وهواء حضارتها من ابناء العراق كل من ساند التقدم او اراد خدمة الصالح العام
واذا كان قد مر كثير من الطغاة على حكم بغداد ،فان اعتزازنا بمدينتنا يزداد لاننا نعرف انها لم تتوقف عن النضال ضد كل الغزاة وضد كل العهود الديكتاتورية،ولانها كانت على الدوام ملجأ لكل المضطهدين ، رغم انها لا تملك سلاحا سوى ابنائها ومبدعيها والاحتجاج ، فبغداد لا تستطيع العيش بدون حرية وحضارة بغداد هي التعايش معا والتحرر معا
يا ابناء العراق ارفضوا الانخراط في الحرب العدوانية واجعلوا من بغداد زهرتكم المتفتحة بالتخلص من الديكتاتورية
وامام عمق وثراء حضارة بغداد ستفشل كل مشاريع التقسيم والعصبية والجهل وامامها سيبدو الغزاة نمور من ورق
 
عبدالاله البياتي
5/12/2003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من