الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قريتنا المنسية
حمزة الكرعاوي
2015 / 9 / 15مواضيع وابحاث سياسية
نسمع من أتباع الاحزاب والحكومات التي تعاقبت على حكم العراق مديحا وتطبيلا لانجازاتهم وأن أنظمتهم وحكوماتهم وأحزابهم ، أفضل من الحكومة التي سبقتهم ، ويرد الاخر على الاول أنهم هم الافضل ، وهذا يكشف فساد ذاك ، وتهم ومتبادلة في مشهد طويل مخزي بين أتباع ذاك النظام ونظام المحاصصة الديني الطائفي ، وكأننا نعيش فقط في مسلسل المقارنة بين السيئ والأسوأ ، طبعا لايتختلف هذا التشاحن والتفاضل عن معركة المذاهب الدينية التي كل منها ينادي نحن الفرقة الناجية وماعدانا في نار جهنم .
لم يقدم ذاك النظام ولا هؤلاء شيئا للعراقيين يرتقي ببلدهم على الاقل الى مستوى الاعمار في دول الخليج العربي ، لكن القوى الدولية تريد منا وتخييرنا بين القبول بذاك النظام والفوضى التي جلبتها أحزاب الدين .
قريتنا المنسية هي تلك القرية الفلاحية في ناحية السدير قرب قرية شعلان حمادي تدعى قرية ال بريس ، عاشت أزمنة التهميش منذ زمن حكم حزب البعث ، وزمن حكم الاسلام السياسي .
كنت صغيرا وأمشي الى المدرسة على الاقدام وبعض الاحيان على دراجتي الهوائية ، ومعي عشرات الطلاب ، يستخدم الاهالي وسائل متعددة لايصال ابناءهم الى مدرسة حمورابي التي تبعد بضعة كيلومترات من القرية ، منها سياراتهم والخيول والدراجات الهوائية ، ومن لايملك وسيلة نقل من هذه الوسائل او كان مشغولا ، يسير ابنه أو ابنته على الاقدام مسافات طويلة الى المدرسة ، ويحمدون الله على هذا الحال صيفا ، لكن المصيبة في الشتاء ، لايستطيع الطالب نقل قدمه التي تدخل في الطين .
بدأ وجهاء قرية آل بريس يطالبون بخدمات من قبيل ( الكهرباء ومياه صالحة للشرب وتعبيد الطريق وبناء مدرسة ) ، وكان ذلك عام 1978م ، وإصدمت معاملاتهم بالروتين اليومي للحكومة ، ومعاملة بعد معاملة ، وتختفي كل معاملة تقدم للجهات المعنية ، ومن وزارة الى أخرى يضيع وجهاء القرية ، ويتعبون ويصيبهم اليأس ، ويعودون الى ديارهم وزراعة أراضيهم ، وفي نفس الوقت تتجول سرايا رفاق حزب البعث بواسطة سيارات اللاندكروزر التي ترعب الناس ، يتحدثون عن إنجازات الحزب وأنه لايماثله حزب لا من الاولين ولا من الاخرين .
بقيت المعاملات تشق طريقها الى دوائر الدولة بدون فائدة ولا إستجابة ، ومن الاعذار التي تقدم أن الوزارة الفلانية تعرقل عمل الوزارة الاخرى ، ولاتجيز لها ان تمنح قطعة أرض لبناء مدرسة ، لكن قطعة الارض أو المزرعة التي يعجب المسؤول في الحزب او الحكومة ، لاتمر بنفس الاجراءات والروتين ، ويحصل السمؤول عليها بأسرع وقت ، لانه أفضل من أطفال العراق .
على أية حال رحل النظام السابق عن الدنيا ، وجاء بعده نظام العمائم ، وبدأت نفس القصة والروتين ، فلم تتحرك معاملة تعبيد طريق للقرية ، ولا معاملة بناء مدرسة لاطفال القرية ، وضاع وجهاء القرية بين دوائر الدولة ووزاراتها ، وهذا يرمي الكرة في ملعب ذاك ، ولم ينتبه أهالي القرية الى مايريد ( المؤمنون ) في حكومة الاسلام السياسي ، وهي الرشوة كي تنفد مطالبهم وتقدم الخدمات ، أظن لان فطرتهم سليمة ولايعرفون كيف يتلوثون بإعطاء رشوة أو فساد ، والا كيف تنام معاملة مدرسة منذ 1978 م حتى اللحظة ، بين زمنين زمن البعث وزمن الاسلام ؟.
وصل ملف طلب بناء مدرسة وتعبيد طريق الى كل الوزارات المعنية وغير المعنية ، حتى وصل عن طريق الخطأ الى إقليم كردستان ، وكأنه لوحة سيارة غير موجودة عند حكومة الاسلام السياسي .
وزارة الزراعة ترفض تسليم وزارة المالية قطعة أرض لبناء مدرسة ، ووزارة المالية ترفض صرف الاموال لبناء مدرسة وتعبيد طريق ، وان دل هذا على شيء أن كل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق من 1968 حتى اللحظة ، في حالة عداء مع الناس ، وعداء مع اي مشروع إعمار ، ومايقدم من مشاريع ماهي الا لتلميع صورة الحكومة والحزب أمام العالم .
ولاتختلف هذه القرية ( ال بريس ) عن باقي مدن العراق ، حيث ترك الحجي خضير الخزاعي خلفه في أهوار العمارة هياكل حديدة شاخصة ، كأنها من اثار السومريين ، وتحدث عن تحديثه للعقل العراقي ، وترك صدام حسين خلفه المدارس الطينية في مسقط راسه تكريت وتحدث عن إنجازات البعث .
في الوقت الذي مضى على تعطيل وعرقلة معاملة لبناء مدرسة وتعبيد طريق في قرية ، مايقارب اكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، تتعطل القوانين التي تفرض كعقبة أمام بناء مدرسة للاطفال ، وتسهل كل الاجراءات لاجل منح مسؤول قطعة أرض أو مزرعة ليتصرف بها مايشاء ، وتتحرك العمائم للتكالب على سلب الارض من أهلها ، ويحرم الاطفال من بناء مدرسة ، وفي النجف تمنح الاراضي مجانا وبدون الرجوع الى الوزارات ، من قبل عدنان الزرفي الى صديقته التي هي عضو في مجلس محافظة النجف ، ليبني عليها زوجها وحدات سكنية ويتقاسم الارباح مع المحافظ ، وهذا معمول به في كل مدن العراق ، لكن بناء مدرسة لاطفال يصطدم بالاسلام وهو من المحرمات .
عندما تحدث الشيخ خالد العطية عن منحه مبالغ طائلة لاصلاح مؤخرته وبواسيره ، قال : من حق أي مواطن أن يحصل على هذه الاموال كما حصلت أنا عليها ... ونسي أن مدرسة تبعد عشرين كم عن قريته لم يتنجز منذ 1978م .
أهم شيء عند الاسلام السياسي هو صحة الشيخ والمسؤول ، واصلاح بواسيره افضل من بناء مدرسة ، وبناء تمثال للقائد الضرورة أهم من تعبيد طريق لقرية .
كل حكومات العالم التي تحترم نفسها ، تستمع لصوت المواطن وماذا يريد الا في العراق ، وقد وصف حالنا الجواهري :
من الظلم أن تأتي قصيدةُ شاعر
لتُصلِحَ حالاً أو مقالةُ كاتب
فما دامَ حُكمٌ للتجاريب راهن
فليس لنا غيرُ انتظارِ العواقب
ولكنَّ دأبَ الشاعِرينَ تحرُّشٌ
ومن عادةٍ الكُتابِ خلقُ المتاعبّ
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟
.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة
.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟
.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي
.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟