الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دينامية النص القصصي وسلطة الأشياء قراءة في -موال على البال- للأديب المصطفى كليتي

محمد يوب

2015 / 9 / 15
الادب والفن


ان السياحة في السرد القصصي أشبه ما تكون بالتيه في رقعة الشطرنج، أو في حقل ألغام، تتجول في فضاء النصوص القصصية القصيرة؛ تكون عيناك على اللغة القصصية وعقلك على المطبات الفكرية الصاعدة صعود درجات الوعي و النازلة حذرا من انفلات النص من قيود جماليات القصة إلى حرية و شساعة متاهة الفكر .
هذا الفرش النظري يلزمني التأني وأنا أعانق( موال على البال) للأديب المصطفى كليتي الذي يعي جيدا أساليب الكتابة القصصية؛ ويدرك مغاليقها؛ بمعنى أنه يعي الكتابة القصصية القصيرة والوعي بالكتابة هو الكتابة نفسها كما يقال. حيث نشعر ونحن نعانق هذه المجموعة القصصية وكأنها قطعة منا؛ تسحرنا بأساليبها وكأنها تعويذة ساحر أو أنشودة كاهن؛ وهو يقوم بجولة في غابة السرد؛ تأخذ القارئ إلى عوالمها الخاصة؛ فيشارك القاص متعة ولذة القراءة؛ لأن هذا الأخير بمجرد ما يفتح العمل القصصي يصبح منخرطا في التجربة القصصية بواسطة الأنساق الرمزية المنتقاة بطرائق الإبداع السردي؛ لأن هناك عروة وثقى بين العمل القصصي واليومي المعيش؛ أو على نحو أكثر تجريدا بين السرد والحياة؛ لأن القصص تروى ولكنها أيضا تعاش؛ لأن السرد لا يقودنا إلى الأحلام والخيالات فقط وإنما يدفعنا إلى الواقع ويسمح بالانفتاح على عالم ذو معنى كما قال بول ريكور.
فالكاتب كما نتتبع في مساحة المجموعة القصصية يستقي أحداث قصصه من وقائع معيشة بسيطة يصدم بها القارئ ويستفزه من أجل الاستمرار في التخيل وإنتاج عوالم سردية " هب أنك أيها القارئ المستعصي عن التحديد" لأن عملية نقل الواقع ومتغيراته تتم في الحقيقة بين أطراف ثلاثة يشكلون ركائز هامة في عملية التلقي والتأويل، وأقصد بهذه الأطراف الثلاثة : القاص/النص/ القارئ.
لأن كل فعل قرائي يدخل في إطار علائقي بين القاص والمتلقي، وتكون اللغة القصصية هي الوسيط في عملية التلقي والتأويل، لما تتميز به اللغة القصصية من إيحاء وتكثيف، وترميز، وتضمين. ولذلك فإن القارئ/المتلقي يكون مطالبا بالانتباه إلى طبيعة الرسالة التي يوجهها القاص، هذه الرسالة التي تتصف بطابع الخفاء و التجلي، بمعنى أنها تتضمن معنى مضمرا وآخر ظاهرا، وما على المتلقي إلا استيعاب الظاهروتأويل المتجلي.
ولتحقيق ذلك ينبغي على المتلقي أن يتعامل مع الرسالة (القصة) كبنية شمولية، فيفهم دلالاتها من سياق النص وليس عن طريق عملية الإسقاط على النص،لأن القراءة التأويلية أنواع منها:
1- القراءة النصية : التي تتناول النص في ذاته ولاشئ غير النص، بحيث إن القارئ يتعامل مع القصة من حيث الظاهر فيكشف عن بنيتها الداخلية المتمثلة في البناء والبنية الفنية، ثم بعد ذلك يحلق عاليا بمخيلته في تأويل لغة النص، متقصيا الدلالات و الحمولات الفكرية، التي توحي بها هذه القصة أو تلك.
2- القراءة التناصية: وهي القراءة التي تدخل في حوار مع المخزون القرائي والموروث الثقافي.
3- القراءة التداولية: وهي قراءة تخضع لتأثيرات المحيط الخارجي و المعلومات المكتسبة.
فالقاص كما نلاحظ في هذه المجموعة القصصية؛ ينقل المحيط الخارجي بكل تجلياته؛ بطريقة أدبية تنهض على مكونات العمل الأدبي، التي تميز نصوصه الإبداعية ، وعندما ينقل العالم الخارجي بعد تأمله والتمعن فيه وتأويله بلغته الخاصة؛ المتحركة عبر بوابات وقنوات السرد القصصي من اللغة كعلامات، ثم ألفاظا، فتراكيب ثم عبارات، وينتهي بالدلالات والحمولة الفكرية التي يوحي بها.
والقارئ/المتلقي العاشق للعبة السرد القصير ينبغي عليه أن يقوم بنفس العملية التي قام بها القاص لكن بشكل تفكيكي، حيث إنه ينطلق من الدلالة والحمولة الفكرية ثم إلى العبارة فالتراكيب، ثم الألفاظ فالواقع أو العالم الخارجي، لكن عملية التفكيك هذه ينبغي أن تكون مزامنة لعملية البناء، لأن تفكيك النص يكون القصد منه الوصول إلى مقصدية القاص، و العامل الوسيط بين المرسل "القاص" والمتلقي "القارئ" يكون دائما هو اللغة.
يمكننا فهم هذه العملية من خلال الخطاطة التالية:
الواقع.....الألفاظ.....التراكيب.....التعابير....الدلالات "خط سير القاص"
الدلالات.....التعابير...التراكيب...الألفاظ.....الواقع "خط سير القارئ"
وهكذا يتمكن القارئ من إعادة إنتاج هذا العالم الخارجي من خلال قراءة و تأويل العمل القصصي، في ضوء رؤية إلى العالم ومن خلال الأيديولوجية التي يؤمن بها، فيصبح القارئ قاصا من نوع آخر، بمعنى يصبح مبدعا مفتقرا إلى اللغة، لأن اللغة القصصية هي التي تميز الإنسان القاص عن الإنسان القارئ.
فالقارئ لهذه المجموعة القصصية ينبغي أن يتعاطى مع القصص المشكلة لها على هذا المستوى من الوعي بآليات تفكيكية تساير حجم ما تتطلبه الكتابة القصصية عند المصطفى كليتي لأنها موال ساحر/ صارخ على البال؛ مُشكًل من مجموعة من الأحداث العابرة أمام العين لكنها مع مرور الزمن ترسخت في البال؛ فنقلها الكاتب بطريقة متخيلة من صفحات البال إلى بياض وصفحات المجموعة القصصية بتوزيع محكم يتناغم فيه الملفوظ مع الملحوظ وباقي مستويات السرد القصصي القصير.
كما أن الملفت للانتباه في هذه المجموعة القصصية أنها تتميز بسلطة الأشياء وعلاقتها الوطيدة بالشخصيات المؤثثة للمنظومة القصصية؛ فالكاتب عندما يتتبع شخصيات قصصه يربطها دائما بالمحيط الذي تنتعش وتتقوى فيه " المقهى؛ المكتبة؛ غرفة النوم؛ السيجارة؛ المنفضة" لأن هذه الأشياء في الحقيقة هي المواد الخام الضرورية؛ الحاضرة في كل المشاهد؛ تساهم في إبراز الشخصيات؛ تتجسد بها/فيها أحاسيس ومشاعر والتكوينات السيكولوجية لهذه الشخصيات؛ مستعملا في ذلك كثافة الحوار وتوالي الخط السياقي للأحداث؛ بالرغم من تكتمه على سرية الأسماء وذلك بالاقتصار على الحروف الأولى منها "حاء؛ جيم؛ س؛ الراء..." هذه الحروف التي تثير في المتلقي غواية الكشف عن هوية الأسماء وحقيقتها؛ والكشف عن مضمرات القصة القصيرة وخباياها، لأن المتلقي يفكك ما تلتقطه عينيه من متواليات لغوية، متناسقة، فيسقط عليها ما يحمله في ذهنه من حمولة ودلالة خاصة به، وهكذا دواليك تتعدد القراءات بتعدد المتلقين للنص الواحد.
كما أنه من حين لآخر نجد الكاتب يورط القارئ في تأثيث فضاءات القصة من خلال الصمت في الحوار الذي يسمح للمتلقي الاختراق بين الشخصيات فيصبح شخصية مشاركة أو موجهة وهي صورة من صور السرد الحديث؛ فيأتي الصمت عن طريق علامات الترقيم؛ وبياضات الصفحة؛ صوت الفم...
غير أن القراة في النهاية لا يمكن أن تزيغ عن ذات المتلقي ومزاجيته، سواء أكان هذا المتلقي قاصا أم قارئا، فالقاص يقرأ العالم الخارجي انطلاقا من مزاجية القاص، والمتلقي يقرأ القصة انطلاقا من مزاجية القارئ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??