الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأقدام السُّود ... يعُودون هذا الصّيف [ج1]

الطيب آيت حمودة

2015 / 9 / 16
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة


°°°القاريء لتاريخ الجزائر بموضوعية يكتشف حفرا و سراديب مظلمة تم السكوت عنها عمدا ، ومن بينها تاريخ (الأقدام السود ) وعلاقتهم ببلادنا الجزائر .
في زمن الإستدمار الفرنسي تم انتهاج أسلوب استقدام ذوي القبعات الغربيين لتقوية التواجد الغربي في بلادنا الإسلامية ، التي عرفت تدفقات عديدة سواء من فرنسا نفسها أو من ذوي البشرة البيضاء من الألمان ،والطليان ، والأسبان ، والصقليين والكورس ، و المالطيين وهلم جرى .... ، قد يكون الغرض من ذلك إحياء فكرة [رومنة ] شمال افريقيا بجعل البلاد قطعة أوربية .

°°°ازداد عدد المهجرين نحو الجزائر، وأصبح يُشكل قوة ضاغطة على السياسة الفرنسية نفسها ، فأسسوا مدنا وبنايات على الطراز الغربي ، فغدت الجزائر شبيهة ( بمرسيليا ) لكن في الجبهة الجنوبية للبحر المتوسط ، فتكونت الشوارع الواسعة وضواحي خاصة بالأوربيين على غرار باب الواد ي وطاقرا والأبيار .... .. فساد نمط المعمار الأوصماني [1] وكل الظاهرة تعممت على غالب المدن الجزائرية ( كالباهية وهران) و (سيدي بلعباس) و (سطيف )... ، فكانت الرغبة جامحة بجعل التواجد الماضوي في هذه البلاد سُلَّما لإثبات أحقية فرنسا في وراثة المُلك الروماني المكتشف في [كويكول ] و[أموقادي] و[ستفيس ] و [ قسطنطين ] ، أي بناء قنطرة عبور بين [ رومنة العصر القديم] و[فرنسة العهد الحديث] ، ففي تجوالي العادي في العاصمة ظهرت لي ملامح البناء الغربي جليا في ( نزل السفير) أو في الجبهتين البحريتين المطلتين على مينائي العاصمة ووهران .

°°°أنا في الحقيقة منبهر بالطفرة العمرانية التي شهدتها الجزائر ، فقد حدثت تبدلات عميقة في المعمار الذي أصبح صورة طبق أصلية لما هو في فرنسا ، فأصبحت مدننا القديمة تتماهى تدريجيا في تقليد النمط الغربي ببنائه العمودي ، ولا شك بأن المُعمر الغربي الوافد قد ساهم في وضع بصماته على عمران البلاد .

غاية الإستدمار ... جعل الجزائر قطعة من فرنسا .

°°°عندما وطأت جيوش [دوبورمون ] أرضنا الطاهرة في سيدي فرج ، وعقدت معاهدة مهينة وقَّعها( الداي حسين) آخر دايات الجزائر الأتراك ، في[ فيلا جنان الرايس حميدو] [2]، هذا الداي الذي فرّ باتجاه ايطاليا بما خف وزنه وغلا ثمنه تاركا البلاد بلا قيادة ولا دفاع ، فمنذ ذلك الحين وفرنسا تخطط لجعل الجزائر قطعة منها ، جزء منها فيما وراء البحر ، .ولتحقيق ذلك عمدت إلى تشجيع الهجرة نحو بلادنا بذرائع مختلفة ، فكانت طفرة ثورة الشيخ (أمقران وإحداذن) سنة 1870 سببا وجيها للإستيلاء على الأراضي وتوزيعها على الوافدين الجدد القادمين من الألزاس واللورين بعد كارثة (الكروم ) التي أبَادها مرض الفيلوكسيرا الخطير ، كما أن [ قانون كريميو] القاضي بتجنيس يهود الجزائر بالجنسية الفرنسية ساهم في خلق مجتمع متمايز ، مجتمع غربي وافد ومن سايرهم من ذوينا عرف فيما بعد بالأقدام السود ، ومجتمع جزائري أصيل أصطلح على تسميته [ بالأهالي ] فغدت بلادنا مرتعا لشذاذ الآفاق القادمين من الغرب النافع وغير النافع ، كما تشكلت نواة البحث التاريخي في جامعة الجزائر تريد التأسيس لمدرسة تاريخانية تثبت حق الفرنسيين وراثة التاريخ اللاتيني الروماني في بلادنا ، وكأنّ وجودهم هنا عندنا هو تكملة لعهدي الرومان والبزنط ، وظاهرة توصيف الجزائريين ( بالعرب ) قد يكون ساذجا ، أو أنه سبيل للرد على الجزائريين بأنهم (عرب )ٌمستعمرون ، فقد جئنا أيها العرب لاسترداد ما أخذتموه من أجدادنا الأوربيين الرومان والبزنطين ، ومن هنا يتضح بأن السياسة الفرنسية كانت قائمة على ( تعريب الجزائر ) لشرعنة استرداد الأملاك منهم ، فلو أنهم أقروا بأن (البلاد أمازيغية ) لما كانت سياستهم نافعة ومحققة لهدفهم فكريا وشرعيا وسياسيا .

°°°ظهور مصطح (الأقدام السود ) كان في بداية الخمسينيات من القرن الماضي داخل الثكنات العسكرية الفرنسية ذاتها ، فالجنود الفرنسيين الذين ولدوا في الجزائر يُنعتون تمييزا بهذه التسمية ، أو إن شئت قل هم مجموع الساكنة الأوربية المقيمة في بلاد الجزائر ، أو هم الجزائريون من غير المسلمين ، أو هم فرنسيو الجزائر ، فقد تتعدد التوصيفات والشيء واحد ، فقد زاد تعدادهم تدريجيا حتى أصبحوا يشكلون ما يقارب ربع سكان الجزائر ، وقد كان الحلم اليساري الفرنسي في أربعينيات القرن الماضي هو تشكل أمة جزائرية منبثقة من عشرين سلالة حسب مقولة [موريس طوريز ] [3] أثناء زيارته للجزائر .

خلق أمريكا جديدة في الجزائر


°°°أطياف عديدة من دول كثيرة وفدت على بلادنا إبان الفترة الإستدمارية ، بعضهم إستفاد من ريوع الدولة وعطائها ، وبعضهم الآخر استفاد من التسهيلات الممنوحة لهم ، وآخرون اعتمدوا على إمكاناتهم الذاتية في استكشاف عوالم الجزائر الغنية ، منهم من اندمج في الوسط الجزائري وتعامل بعفوية مع الأهالي المسلمين واليهود ، ومنهم من تقوقع في تعامله على الطائفة الأوربية دون سواها ، فيُحكى أن أعيادهم الوطنية والدينية تُقام في مدن مغلقة لا يدخلها إلا من كان منهم أو من سايرهم في النهج وأكل الحلوف .
الغريب في الأمر أن سياسة فرنسا قائمة على خلق فراغ ديموغرافي عن طريق تهجير الجزائيين العصاة إلى أوطان بعيدة [ كالشام ] بعد إخفاق الأمير عبد القادر ، وإلى [ كايان ] و [كاليدونيا الجديدة ] بعد ثورة المقراني 1870، فقد تمكنت الجزائرية (مليسة ونوغي) المغتربة الأمازيغية ابنة الإستقلال من فك شفرة تهجير الجزائريين نحو عوالم مجهولة في كتابها الموسوم [جزائريون ومغاربيون في كالدونيا الجديدة من 1864 إلى يومنا هذا] ، كما عرضت الجزيرة الوثائقية فيلما وثائقيا عن المنفيين الجزائريين نحو كالدونيا الجديدة :

https://youtu.be/rxQ1-q5CF7M
°°°كانت فرنسا تلعب دورا مزدوجا فهي تستعمر الجزائر بالفرنسيين والأوروبيين ، وتستعمر كالديونيا الجديدة بالجزائريين وغيرهم من المنتمين لأمبراطورية فرنسا ما وراء البحار،
الفارق بينهما أن الجزائريين تركوا وطنهم قسرا ونفيا ، في حين أن الأوربيين الوافدين على بلادنا من المصطلح عليهم فيما بعد [ بالأقدام السود] جاءوا عن طواعية وطيب خاطر للظفر بالألدورادو الجزائري ، فقد كانت الجزائر أمريكا جديدة للفرنسيين .
°°°المهم في الأمر أن ظاهرة التهجير القسري هي ظاهرة مفجعة ومؤلمة تترك وراءها ندوبا وأوشاما يصعب محوها من الذاكرة الجماعية ، وهو ما ترأى لي وأنا أتابع حسرة وأهات المفجوعين من أحفاد المهجرين سواء في كالدونيا أو فلسطين أو عند الأقدام السود الذين ملأوا الدنيا بكاء وعويلا وأسفا عن فقدانهم لفردوس الجزائر التي ولدوا فيها ونشأوا وترعرعوا ... مثلهم في ذلك مثل المسلمين الدين هجّروا من الأندلس بعد سقوط غرناطة 1492 على يد الصليبيين وإقامة محاكم تفتيش مذلة في حق من بقي منهم هنالك .

الأقدام السود جسم غريب مهيمن .

°°°هيمن المعمرون على مقدرات بلادنا ووجهوها لخدمة اقتصاد فرنسا الأم ، فاستولوا على الأراضي الخصبة في متيجة وعنابة وجهات وهران ، وطوقوا الجزائريين بأن دفعوهم للهجرة نحو تخوم الصحراء ، فكانوا هم الحكام ، والإدارة بين أيديهم استعانة بالبيوتات الجزائرية الكبيرة كوسائط ، كعائلة بن قانة ، و المقراني ، وبن علي شريف .....
فالوجود الفرنسي عندنا [استيطاني ] يريد الإنغراس الأبدي ، و لم يكن كالذي في تونس والمغرب المحميتين ، فقد فُرنست الإدراة والمدرسة ، وفرنست الطوبونيميا الجزائرية فاصبحت يقايث ( بوجي ) ، و عنابة ( بون )، و سكيكدة ( فليب فيل) ، و الأصنام (أورليان فيل ) ، وخميس مليانة ( أفروفيل ).....فكل الفضاء الجزائري تفرنس ، ونصبت تماثيل لزعماء فرنسا في الساحات العامة ، و شُيدت الكتدرائيات وأطلقت أسماء غربية على أسواقنا وشوارعنا وساحاتنا و حدائقنا العامة .
وهذا كله لا ينفي تعاطف بعض الوافدين مع الأهالي الجزائريين أمثال الرسام [ إتيان دينييه ] ، و اليساري [ فيكتور سبيلمان ] ، و [شارل سيليستان جونار] ...

سيتبع

---------------------------------------------------------------
[1] Georges Eugène Haussman، مهندس أحدث تطويرا في المعمار الفرنسي زمن الجمهورية الفرنسية الثالثة ، شق الشوارع الكبرى الباريسية أيام حكم نابليون الثالث .
[2] http://montada.echoroukonline.com/sh...d.php?t=278290
[3] موريس طوريز رئيس الحزب الشيوعي أثناء زيارته للجزائر 1939.
سيتبع .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلفته 3 ملايين دولار.. حفل زفاف -أسطوري- في الإهرامات


.. ماكرون يحذر: خطر الموت يداهم أوروبا ونحن لسنا مجهزين لمواجهة




.. الرقص على تيك توك.. إقبال يتعارض مع -التحفظات الاجتماعية-


.. ما مدى تأثير تيك توك على الشباب؟




.. ماهي معايير السعادة التي يبحث عنها الشباب؟