الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طبيعة الدولة الراهنة وبنيتها

معتز حيسو

2015 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


ما وصلت إليه شعوب عربية من أوضاع كارثية، يتجاوز في أسبابه ثورات «الربيع العربي» إلى بنية الدولة ونظامها السياسي الذي يعاني مأزقاً تاريخياً تجلَّى في الفشل في بناء دولة بالمعنى الكلاسيكي. هذا إضافة إلى التعامل الإشكالي مع الفكر الأيديولوجي. فكان المجتمع السياسي الذي يُعتبر قاعدة الدولة، والمدخل إلى بنائها الفوقي، معرَّضاً دائماً للتجزئة الجيوسياسية، ولانقسامات تتعلق أسبابها بقضايا تاريخية. فراحت الدولة تتقلب على ذاتها بين أشكال «سلطانية» و «دينية» و «شمولية» و «استبدادية» و «أمنية» و «حزبوية» و «طبقوية» تهيمن على مداخلها ومخارجها مصالح فئوية تضيق باستمرار.

من جانب آخر، خضعت بنية الدولة وتركيبتها وطبيعتها وأشكال علاقاتها على نحو متزايد لجملة متغيرات عالمية منها مثلاً لا حصراً، أولاً: الثورة الرقمية والتكنولوجية الموصولة بالعولمة بنسختها الأميركية لتحوّلها إلى إحدى أدوات رأس المال والشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسية. ولم تقف تداعيات ذلك هنا، فتجاوزتها إلى تنميط آليات التفكير وأشكال الممارسة اليومية. وانعكس ذلك على طبيعة العلاقة بين الفرد والنظم السياسية. ثانياً: عولمة رأس المال وتحديداً المالي الذي يشتغل عبر آليات وأشكال من الترابط والتشارط مع الشركات العابرة للحدود والجنسية على تقليص دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي. ثالثاً: انعكاس موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية للدول المهيمنة، على طبيعة علاقاتها مع الأسواق والأنظمة والدول «النامية». رابعاً: الطبيعة التدخلية لرأس المال والشركات العملاقة والمؤسسات الدولية في القضايا الداخلية للدول. ويندرج ذلك في سياق عولمة رأس المال وعلاقات الإنتاج الرأسمالية السطحية والعادات الاستهلاكية للنمط الرأسمالي المهيمن.

وامتد تأثير ذلك إلى دور وطبيعة وآليات اشتغال الطبقة العاملة والقوى السياسية.

وساهم الخطاب الأيديولوجي العابر للجغرافيا السياسية، بغض النظر عن مشروعيته، في إقصاء الدولة عن عمقها الإنساني والاجتماعي. فلم يستطع الاشتراكيون تجاوز الدولة البرجوازية وبناء دولة العمّال، أما القوميون ففشلوا في الانتقال من الدولة القطرية إلى ضفاف دولة الوحدة، فيما الإسلاميون عجزوا عن إسقاط دولة «الكفر» وبناء دولة «الخلافة». ولم يستطع الديمقراطيون، في كنف الدولة التسلطية، أن يؤسسوا مجتمعاً مدنياً أساسه المواطنة وحقوق الإنسان. أما في ما يتعلق بمواجهة الخطر الصهيوني، فيحتاج بدوره إلى بناء أسس وعوامل المقاومة على مستوى الدولة والمجتمع، وذلك لم يتبلور بالشكل الأمثل حتى اللحظة.

ونتيجة عجز الأنظمة عن إيجاد حلول ديموقراطية لمسألة العصبيات والمذاهب والإثنيات والطوائف والعشائر، تحولت إلى عوامل تُنذر بتفكك الدولة، وارتكاس المجتمع إلى ما قبل-مدنية.

لقد شكّلت مصادرة الأنظمة للمجتمع المدني المدخل الأساس إلى الإجهاز على «الدولة». فنُزعت عنها صفة تمثيل مصالح وحقوق الجماعات والأفراد، ووضِعَت في موقع المواجهة مع التطور الاجتماعي. فالمشاريع الأيديولوجية الكبرى أجّلَت قضاياها الوطنية إلى أن تتحقق شعاراتها الكبرى. أما الحركات الإسلاموية، فلم تنجب غير الكوارث التي تهدد وحدة الأمة والمجتمع والدولة، فتعزز الإرتكاس من المستوى الوطني والقومي إلى الطوائف والمذاهب الخ.

لقد دخلت الدولة «الوطنية» وأنظمتها بفعل «ثورات الربيع العربي» وأسباب أخرى ذاتية وموضوعية في طور التصدع المُعيق لإمكان إعادة إنتاج ذاتية. أما بناء نِسَخ «ثورية» فمن الصعوبة بمكان، وذلك يتعلق بتركيبة قوى التغيير، وتراكبها على عوامل دولية وإقليمية تفكيكية.

وهذا يستدعي التأكيد على ضرورة تجاوز الأوضاع الراهنة انطلاقاً من المحافظة على وحدة المكونات الاجتماعية، والدفع إلى بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية في سياق القطع مع الفيروس النيو ليبرالي الإحتلالي. ولن يكون ذلك بالاستمرار في صراعات تدميرية تهدد المنطقة العربية وشعوبها كافة. فـ «الثورة» ليست هدفاً بذاتها، لكنَّها تعبير عن مصالح سياسية واقتصادية اجتماعية. وعندما تناهضها فئات شعبية يُفترض أنها تُشكل حواملها المادية، فذلك يستدعي إجراء مراجعات نقدية لبنية «الثورة» الداخلية وأهدافها وأدواتها وحواملها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: المرشحون للانتخابات الرئاسية ينشطون آخر تجمعاتهم قبيل


.. رويترز: قطر تدرس مستقبل مكتب حماس في الدوحة




.. هيئة البث الإسرائيلية: تل أبيب لن ترسل وفدها للقاهرة قبل أن


.. حرب غزة.. صفقة حركة حماس وإسرائيل تقترب




.. حرب غزة.. مزيد من الضغوط على حماس عبر قطر | #ملف_اليوم