الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدور الوطني للجيش المصري..ومحاولات الهدم والتشوية ( جزء 1 )

محمد رجب التركي

2015 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


-;- بحث في عدة اجزاء
لقد ثار الجدل حول الدور المطلوب للمؤسسة العسكرية المصرية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .. فريقان لكل منهما وجهة نظر :
- الفريق الاول : يدعو إلي" مدنية الدولة " ويرفض ان يكون للمؤسسة العسكرية دور في التنمية ويري هذا الفريق ان الجيش دولة موازية للدولة المدنية و أضعاف لمؤسسات المجتمع المدنى..كما وأنّ قيام الجيش بدور إنمائي يبعدة عن دورة الاساسي بما يؤدي الي اضعاف الروح العسكرية.
- الفريق الثاني يري ان معظم الشعب يؤمن بأهمية وجود مؤسسة عسكرية قوية وان تلك المؤسّسة العسكرية هي درع الوطن ولابد من قيامها بدور مجتمعي شامل لكلّ المجالات غير العسكرية (إقتصادية، تنموية، صحية، بيئية...).. خاصة وان شعار تلك المؤسسة هو " يد تبني ويد تحمل السلاح "...
ولكن قبل أن نتطرق إلى وجهتي النظر يجب عرض بعض المصطلحات والمفاهيم والتي لابد من ان يكون مفهومها واضحا في الاذهان :
العسكر :
كلمة "عسكر" هي في الأصل كلمة تركية تعني جمع عسكري أي المتطوع للعمل في الجيش بأجر.. فعندما قامت دولة المماليك في مصر، بدأ ظهور كلمة العسكر بكثرة واستخدمت في وصف الجنود المماليك، ثم أصبح معناها "الجنود المرتزقة" لأنهم كانوا جميعا مملوكين لشخص أو آخر وهؤلاء المرتزقة من مختلف الأعراق من هنا وهناك لا دافع لهم ولا حافز إلا الحصول علي المغانم، ولا ولاء لهم إلا لدافع الأجر، وكان من السهل علي أولئك المرتزقة أن يتخلصوا من زعيمهم إذا لم يوفر لهم سبل المغانم وكانوا يعملون في خدمة من يدفع ولا مانع من أن يتركوه للعمل عند من يدفع أكثر، وهذه هي صفات المرتزقة. وقد رفع جماعة الاخوان الارهابية شعار " يسقط حكم العسكر " وذلك بعد انهيار الشرطة المصرية في احداث 28 يناير 2011 و تولي الجيش المصري مهام تأمين الشعب ومؤسسات الدولة ..وكان الهدف من رفع ذلك الشعار هو إحداث شلل وخلل فى القوات المسلحة بما يؤدى إلى إسقاط الدولة المصرية
الحكم العسكرى :
وهذا يعنى ( ان يتم حكم البلاد بواسطة المجالس العسكرية او ان يتسلم العسكريون الحكم ويعملوا على ايقاف العمل بالقوانين المدنية وان يتم اخضاع كل مؤسسات الدولة لسيطرتهم )... ويذكر التاريخ ان مصر لم تخضع لهذا التظام الا مرتين فقط : الاولى عندما تم الغاء الملكية واعلان الجمهورية المصرية وذلك من 23 يوليو 1952 وحتي 18 يونيو 1953 ...والمرة الثانية بعد تنحي حسني مبارك في 11 فبراير 2011 وحتي تسليم السلطة لنظام الاخوان المسلمين فى 30 يونيو 2012 .
الجيش الوطني :
- ان الجيش الوطني هو الذي ينتمي افرادة الي جميع فئات وطبقات الشعب ,وعلي اختلاف معتقداتهم ..
- ان ابناء الجيش الوطني تتم تربيتهم علي الولاء والدفاع عن المصلحة العليا للشعب والوطن وليس الولاء او الدفاع عن قبيلة او عشيرة أو أسرة أو مذهب او معتقد ديني اوسياسي .
- ان الثقافة الفرعية لابناء الجيش الوطني يستمدها من الثقافة الكلية للمجتمع .
الوظيفة الدستورية للجيش :
أن مهمة القوات المسلحة هي الحفاظ علي حدود الدولة، وتأمين الشرعية الدستورية، وليس لها دور في صنع القرار السياسي، لكنها مسئولة عن تنفيذ أي قرار يتعلق بأمن وسلامة الدولة، لذلك يكون أبناء تلك المؤسسة العسكرية علي نقطة تماس مع المجتمع المصري كله و في كل قضايا ة وفي متطلبات كل مرحلة
دور المؤسسة العسكرية في الدولة الحديثة :
هناك انطباع شائع وخاطئ باستقلالية وحياد المؤسسة العسكرية عن السلطة والنظام السياسي في الدول الغربية الحديثة. ويساهم في تعزيز هذا الانطباع ترسخ مؤسسات المجتمع المدني في هذه الدول وانحسار دور الزعماء العسكريين الذين تبوءوا السلطة في العديد من الدول الغربية الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية.... ولكن بإلقاء نظرة فاحصة على هذه الدول يتبين لنا أنها تشهد تدخلا واضحا ونفوذا متزايدا من قبل المؤسسة العسكرية في السلطة السياسية بصورة مباشرة أو عبر ممثليها أو حلفائها في " المجمع الصناعي الحربي " الذي يحتل مرتبة الصدارة في توجيه الاستراتيجية الخارجية لهذه الدول ..ومثال شديد الدلالة علي ذلك هو الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتعاظم دور ونفوذ المجمع الصناعي العسكري الأمريكي (military – industrial complex) او مايطلق علية (MIC) والذي هو عبارة عن شبكة " ماتريكس " معقدة وذات علاقة وطيدة بين اطراف ثلاثة هم : (1) القوات المسلحة الامريكية ...(2) المشرعين القانونيين (الكونجرس) .. (3) متعاقدي الدفاع (شركات الأسلحة/ السماسرة/ رجال أعمال ومستثمرين) ... حيث تتكامل هذه الأطراف الثلاثة وتتحالف مع بعضها لتشكل دولة داخل الدولة ... وقد حذر الرئيس الأمريكي " أيزنهاور " في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي الشعب الامريكي من المجمع الصناعي العسكري واصفا اياة بأنة يمثل " أكبر خطر على الولايات المتحدة "... فلقد أتقن العسكريون وحلفاؤهم السياسيون في العالم الغربي الصناعي اللعبة السياسية الداخلية لدرجة لا يحتاجون معها للقبض على زمام السلطة السياسية مباشرة وبصورة مكشوفة، بل انهم يفضلون البقاء وراء الستار وخلف الواجهة المدنية التي تتحرك وفقا لمشيئتهم... ولقد أضحى الكونغرس الأمريكي مضربا للمثل في الارتهان لإرادة المجمع الصناعي العسكري عندما يصوت لزيادة الميزانية العسكرية بصورة دائمة ويضيف عليها اعتمادات جديدة تتجاوز ما يقترحه العسكريون. .. ومنذ مايزيد علي ثلاث سنوات كتب " جون وايتهيد" الأمريكي الشهير على الموقع الامريكي " مستقبل الحرية" مقالا يحذر فيه من المجمع الصناعي العسكري الأمريكي ويقول أن الاتحاد غير المشروع بين الكونجرس (مجلس التشريع الأمريكي) والبنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) و( شركات الأسلحة ) هو أكبر تهديد للدولة الأمريكية الهشة من الداخل واصفا المجمع بأنة الإمبراطورية الأكبر في التاريخ حيث نجح المجمع من خلال لوبيات ضغطه وتنسيق دقيق بين أطرافه في توصيل الاستثمار الأمريكي للحرب – والذي يعتبر من أكثر الاستثمارات ربحية في العالم – إلى 177 دولة تتمركز فيها قواعد لقوات أمريكية بواقع أكثر من 70% من دول العالم.
الفرق بين الثورة والانقلاب العسكري :
هناك بعض المعايير التى نستطيع من خلالها التمييز بين الثورة والانقلاب العسكرى وهى كالتالى:
1. مصدر الحركة الثورية او الجهة التى دعت للفعل وقامت به فاذا كانت تلك الجهة مصدر شعبى أى حركة المواطنين الذين ثاروا على الأوضاع القائمة فتلك ثورة شعبية ..أما إذا كان مصدر الفعل غير شعبى فذلك انقلاب عسكرى..وبتطبيق ذلك المعيار على الحالة المصرية نجد أن ماحدث فى 23 يوليو 1952 مصدره ليس شعبيا بل كان تنظيم عسكرى سرى داخل الجيش المصرى وهو تنظيم الضباط الأحرار وبالتالى وفقاً لهذا المعيار هو انقلاب عسكرى أيده الشعب المصرى ..أما ما حدث فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وفقا لذلك المعيار فهما ثورتين شعبيتين قام بهما الشعب المصرى وانحازت لهما المؤسسة العسكرية لأن الجيش المصري هو " جيش وطني " ( كما سبق ان اوضحنا اعلاة ) .
2. الهدف من العمل ..هل هو تغير الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية أم تحقيق مصالح لبعض القلة التى كان هدفها الوصول للسلطة فالهدف الأول ثورى أما الثانى هو انقلاب هدفة الاستئثار بالسلطة .. وبالتطبيق على الحالة المصرية نجد أن انحياز المؤسسة العسكرية لم يكن هدفها السلطة حيث ان ماحث في 30 يونيو 2013 هو خروج مايقرب من ثلاثة وثلاثين مليون مصري فى جميع المحافظات والميادين مطالبين باسقاط " حكم المرشد " وتغيير النظام السياسى من الفاشية الدينية و سيطرة جماعة الاخوان وحدهم على مقاليد الحكم فى البلاد ومحاولتهم السيطرة على كافة السلطات واقصاء كافة الفصائل الاخرى.. وتفويض الشعب للجيش المصري في التخلص من تلك الجماعة ومواجهة مظاهر العنف والتدمير والقتل التي قامت بها ..كما اكد الفريق عبد الفتاح السيسى أن الجيش ليس طرفا سياسيا والدليل أن من تولى مقاليد الحكم هو رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار فالجيش اذن لم يلعب دورا سياسيا على مسرح الحياة السياسية عقب الثورة وانما اعطى السلطة لرئيس مؤقت مدنى هو رئيس المحكمة الدستورية العليا وهو بعيد بحكم عمله عن العمل السياسى حتى لا ينحاز لطرف على حساب الاخر ,وبالتالى فان الجيش المصرى كان دوره حارسا للثورة وليس متدخلا فيها لا من حيث المصدر ولا من حيث الاهداف ومن ثم ينحسر عنها وصف الانقلاب.
3. السرية ... فأول صفة للانقلاب أنه سرى داخل الموسسة العسكرية وليس كلها بل بعض القيادات والوحدات وهنا إذا قمنا بالتطبيق على الحالة المصرية نجد أن 23 يوليو 1952 هو عمل سرى من خلال تنظيم سرى وهو الضباط الاحرار ولا احد كان يعلم بتحديد ذلك اليوم، أما ما حدث فى 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 كانت أيام محددة مسبقا ودعوة شعبية للاحتجاج السلمى وبالتالى الثورة ليست عملا سريا مثل الانقلاب بل هى عمل شعبى.
4. اسقاط الدستور وعمل دستور جديد يعبر عن الثورة .. الثورة هى وسيلة عادية لالغاء الدساتير وليس تعديلة ..وان ثورة 30 يونيه هى ثورة اخرى مستقلة وليست تابعة من ثم فان حقيقة القول انه يتعين اسقاط دستور 2012 ذلك لانه وضع ليعبر عن ثورة 25 يناير وان ثورة 30 يونيه هى ثورة اخرى مستقلة وليست تابعة لثورة سابقة او انقلابا .. ولهذا فان دستور 2012 يتعين اسقاطه بكامله من الديباجة المعبرة عن ثورة اخرى سابقة هى 25 يناير والاحكام الموضوعية والاحكام الانتقالية لها تعتبر احكام انتقامية .لانها حرمت وبصورة جماعية على سبيل المطلق بعض الفئات من ممارسة العمل السياسى مدة عشر سنوات فتحول دستور 2012 بذلك الى قانون عقوبات بالمخالفة للفلسفة الى تقوم عليها صناعة الدساتير فى العالم ...ولهذا كان من الضروري اسقاط دستور 2012 ,حتى يتحقق الهدف من من ثورة 30 يونيو فى تغيير النظام السياسى باكمله ..
ملحوظة : ان الامر المهم والذي يجب الالتفات الية ان عشرات الملايين التي خرجت في 30 يونيو لم يكن يكن هدفها مجرد تغيير شخص الحاكم فيصبح الامر انقلابا فهذا ما لم يقصده الشعب المصرى مطلقا وانما تلك الملايين قصدت اسقاط النظام السياسى باكمله وليس شخص الحاكم وهو ما يستلزمه بالضرورة اسقاط الدستور الصادر عام 2012 وليس تعديله ... وذلك على خلاف الفلسفة الى تقوم عليها الانقلابات التى تهدف الى تغيير شخص الحاكم ومن ثم تعديل الدستور مثلما حدث فى افريقيا السوداء والتى بلغت 30 انقلابا فى خمسة عشر عاما خلال الفترة من 1963 حتى 1978.مثل غانا وفولتا العليا ونيجيريا ,وغيرها .
5. ادراك " الجيش الوطني " لدولة القانون .. حيث طلبت قيادات الجيش المصري " الوطني " من الشعب تفويضها لمهمة محددة ( والتفويض بطبيعته مؤقتا ومرهونا بمهمة معينة ) هى القضاء على العنف والارهاب وليس تفويضا مطلقا فى ممارسة السلطة ...ويترتب على ذلك نتيجة هامة مؤداها انه بمجرد انتهاء مظاهر العنف تستعيد القوى المدنية والسياسية قدرتها على ممارسة البناء الديمقراطى فى مصر الجديدة ويعود الجيش الى دوره الوطنى فى الحفاظ علي امن البلاد وبهذا فان هذا التفويض من الشعب يدلل علي ان ماحدث في 30 يونيو 2013 ثورة لم يري العالم مثيلا لها فى العصر الحديث.
في الجزء القادم (2) ...
علي مدار عقود طويلة ظل القطاع الخاص عاجزا وفاشلا في قيادة التنمية بل كان مؤسسا لدولة القساد وتهريب الأموال وضياع فرص تنموية واستثمارية كبيرة علي الوطن ...وفي ذات الوقت فأن القوات المسلحة لم تخل بدورها القتالي والعسكري برغم قيامها بعدة مشاريع اقتصادية وتنموية

مصـادر البحث :
- صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، 4 فبراير 2011.
- البيان رقم "1" للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الخميس 10 فبراير.
- مجلة "لو كانار" الفرنسية،فبراير 2011.
- "الاندبندنت" البريطانية، 12 فبرايـر، وانظر أيضا، صحيفة "جلوب اند ميل" الكندية، 3 فبراير.
- صحيفة " راسيسكايا جازيتا" الروسية، 1 فبراير.
-ا لباحث فواز جرجس بـ " مركز الشرق الأوسط" التابع لمدرسة لندن للاقتصاد، صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، 5 فبراير.
- لوفيجارو", 14 فبراير، وصحيفة "فايننشال تايمز" 22 فبراير.
- راجع مقدمة صفحة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على موقع "فيسبوك".
- صحيفتا "واشنطن بوست" و"لوس انجلوس تايمز" 22 فبراير.
- التعليقات الإعلامية بشأن التعديلات الدستورية، انظر : رمضان قرني محمد "ثورة 25 يناير في الإعلام الدولي", القاهرة, الهيئة العامة للاستعلامات، يونيو 2011.
- "واشنطن بوست",20 مارس.
- " وول ستريت جورنال",22 مارس.
- د. محمد عبد الوهاب خفاجى .ابحاث قانونية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا