الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الحركة إلى التنظيم

فؤاد وجاني

2015 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن لحركة شعبية تروم القضاء على الاستبداد وإقامة دولة الحق والقانون -وإن صدقت نواياها وحسُنت- أن تنجح وتحقق مراميها السامية عبر الهتاف والنضال في الشوارع والمنابر فقط، بل عليها أن تصبح تنظيما ذا نظرية ثورية محددة الأسس والسبل والأهداف للوصول إلى التحرر من الاستبداد، وأن تلتحم بطبقات الشعب الكادحة والمفقرة ، وتستقطب الطبقات الوسطى على اختلاف شرائحها. لا بد لها من برنامج يجد له آذانا صاغية في الأوساط الدينية والاجتماعية والعاملة والمثقفة والبرجوازية الإصلاحية ، والأهم من ذلك أن تصنع بديلا نظريا واضح المعالم لنظام الاستبداد، مقرونا بالدلائل والحجج والبراهين المحققة. عليها أن تبرهن للشعب أن نظامها الجديد سوف يحقق له الأمن والازدهار، فبعض الشعوب تصبو إلى الخبز والسلامة أولا قبل الكرامة مما يجعل مهمة الحركات الإصلاحية غير مستحيلة لكن أكثر تعقيدا وصعوبة.
وفي حركة التاريخ عبر الأزمنة والأمكنة عِبر وأمثلة؛ فلم يسبق لحركة إصلاحية الفلاح دون نظرية وقيادات حكيمة تعرف متى وكيف تحشد الناس ، ومتى تتريث، ومتى تواجه، ومتى تحسم المعركة ضد قوى الاستبداد. التوقيت حاسم، والدقة مطلوبة، والحذر مرغوب، والتخطيط مطلوب في إنجاح الثورات ضد الحكم الشمولي الفاسد. ويحدث أن لا يتحالف أصحاب النظرية الثورية مع الذين يختلفون معهم في المرجعية الفكرية والعقائدية وإن كانوا من أشد المناوئين للطغيان، فيحققون بذلك بغية النظام المستبد دون مكر منه للإيقاع بينهما، ويُخفقون مسيرة قد تأسست لبنة لبنة في غضون وقت وجيز.
وقد يتبجح قائل بالقول السلبي إن أصحاب الفكر الثوري قلة، محتمة عليهم الهزيمة أمام طغمة الاستبداد ومؤامراتها وحلولها الجاهزة، لكن الواقع المسكوت عنه ينافي تلك الصورة النمطية الخادعة، فوسط الشعب هناك عقول تُكِنُّ من الكره للاستبداد ما لا يفصح عنه المفصحون ، وتتمتع بحكمة تتفوق على مكر منظري وفقهاء الديكتاتورية. ما يحتاجه هؤلاء هو همة توقظهم من سباتهم، تبعث الأمل في يأسهم المتراكم عبر السنين، فهم ينتظرون الجيل الذي سيحقق أفكارهم الثورية وإلا فهل هناك من داعٍ إلى الإفصاح والزج ببضعة أحرار كقرابين.

فأي نظرية سيتبنى التنظيم، وهل من الحرية في شيء إخضاع المنضوين إلى قالب واحد يجمعهم. الأجدى أن ينبني على الاختلاف المشروع المقرر بمنطق العقل السليم والدين الوسطي القويم، بل وتزكيته ونبذ الانصهار في فكر شمولي مهما بلغت صحته. الجلوس تحت مظلة فكرية واحدة لن يولد سوى الجمود والتقليد ثم الإبادة للتنظيم. وهل يجدر أن نلصق بالإنسان نعت الانتماء إلى اليسار أو اليمين أو جماعة بعينها أو نجعله مقلدا تابعا لمفكر أو قائد ثوري أو شيخ أو علّامة. يصح أن نأخذ العبر من السابقين لكن أين إضافاتنا إلى العالم، أين اجتهادنا وإبداعنا، ماذا أحدثنا مما لم يتوصل إليه السابقون.

يلتم التنظيم حول قيم الحرية والمساواة والعدالة والكرامة ، وقد يختلف قادته المشهود لهم بالحكمة في تعريف تفاصليها، وهو أمر محمود عند العقلاء لكنهم يتفقون في السطور العريضة ، والاختلاف مدعاة للحوار المبني على المنطق والحجة. الأهم هو تطبيق الخطوط العريضة لتلك القيم بحسن النوايا وإخراجها إلى الواقع ومن ثمَّة دحر الاستبداد.

لقد أثبتت التجارب الثورية في الماضي نجاحها وإن كانت ناقصة مَعيبة، لكنها فهمت قواعد الاستبداد ودرست أسسه فأطاحت به، بعضها انتهج سبل السلم، والآخر لجأ إلى القوة.

وفي عالمنا، قد لا يحتاج تنظيم إلى القوة بقدر حاجته إلى الحكمة والاستفادة من تجارب السابقين، الفاشلين منهم خصوصا. فالقوة بيد الشعب ، والجذب بين قوى الاستبداد والحرية، ومن استمال الشعب فاز.

الشعب يريد حياة أفضل ، يحب الازدهار والرفاه ، وقبل كل شيء يفضل الكرامة ويعشق الحرية ويستنكف الاستبداد. يريد تنظيما يؤكد له دون وصاية أن حلمه واقع لا بد منه ، ويحركه نحو تحقيق آماله الدفينة بسبب تاريخ طويل من القهر والجبر والخشية من الهزيمة.

التنظيم الحر مهم، لأنه تعاون بين كل الفصائل والطوائف وتكاثف بين المذاهب والمرجعيات الفكرية، وهو يشكل سدا منيعا ضد الاختراق. يضع أفراده نصب أعينهم الغاية الفاضلة مستنبطين من اختلافهم القوة، مرسلين إلى الشعب رسالة الوحدة. في سيرهم يرتدون زيا مختلفا لكنهم متجهون في طريق محو الاستبداد بأيد متشابكة وصفوف ملتحمة منظمة، مقتسمين المهام في ديموقراطية بينهم ريثما يعممونها على كل مؤسسات الدولة وهياكلها.

إن ما قد تحققه حركة قد انبثقت من الشعب ونهلت من همومه وحاجاته لَأمر عظيم جدا لم تسبقها إليه نزعة تحررية، لكنها رغم التضحيات النفيسة ستبقى عابرة ، وستنقض عليها مخالب الاستبداد بكل ما أوتي من لؤم وعنف فتغدو من عوارض التاريخ مالم تؤسس تنظيما تتحالف فيه كل قوى الحرية لتصنع مشروع دولة بديل، والشعب حينئذ سيساندها، ويكون لها الساعد والعضد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات