الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الطبيب المريض

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 9 / 18
الادب والفن


التـقاها يوما امام الباساج الذي يتـقاطع عليه طريقين احدهما يتجه الى الشمال و الاخر الى الجنوب. طريق الحكمة القديم و طريق امتصاص الدماء الحديث. كانت واقـفة بتـنورتها السوداء القصيرة. ساقان عاجيتان لذيذتـان و شعـر كستـنائي غامق اللون يتهادى على كـتـفيها. اول حركة جريئة يقوم بها في حياته اوقـفـت السيارة بجانبها فصعدت دون اي كلمة و اكـتـفـت بالعلامة على الزجاج الامامي للسيارة و التي تـفيد انه طبيب.
بسهولة تامة استدرجته الى بيتها الفقير ليخطبها من والدها الذي يشتغل حارسا في احدى الشركات. يأخذها من البيت و يرجعها متى يشاء. الاب مبهور بالطبيب ابن العائلة اضافة الى قوله عن ابنته انها "تـدوخ بلد".
مكنـته من القبل في فمها و من مداعبة ساقيها في السيارة و هو الامر الذي جعله يستهجن حياته السابقة. لم يكن يتحدث كثيرا عن حياته المهنية. سألته في آخر لقاء بـينهما عن المال و الواجب الإنساني فقال بكل بساطة دون ان يدرك تـداعيات كلماته الصادمة.
"نحن الاطباء نزيل الالم و مهما كان المريض فقيرا فانه ينزل النقود من السماء ليتخلص من الالم"
قالت :
- يعني تـتاجرون بآلام الناس..
ابتسم و قال:
ـ مثل كل الاعمال.
ـ لكن الطب مهنة انسانية.
ـ طبعا. الطب يخلص الانسان من الالم اما بالشفاء او الموت.
و يضحك. قالت بنبرة حادة:
ـ هل قرأت لابن سينا و الرازي و ابن نفيس و ابن رشد اي فلسفة الطب؟..
قهقه و قال:
ـ انت تبحثين عن الحكيم و ليس الطبيب. نحن مجرد حفظة لا نفكر و انما نأخذ ما توصل اليه العالم. الاسماء التي ذكرتيها لا تعني شيئا اليوم سوى رفعها كعناوين للمصحات او الاقـسام.
قالت :
ـ يعني انت مجرد ميكانيكي ، تـنظر الى الانسان كسيارة و لا تدفع الضرائب و تعيش على حساب المجموعة الوطنية بضمير هادئ.
ـ دعينا من هذا التـفـلسف. انا طبيب و كفى اما عن العلاج المجاني الذي تـتحدثين عنه فهذا شأن الدولة و ليس شأني...
لم يكن قادرا على فصل نفـسه عن جسدها، كما لم تخطر بباله من قبل امرأة تـفكر و تعتـقد في افكار انسانية. لم يكن يدرك ان جذوته قد انطفأت لديها. لم يدرك ان قـناعاته الراسخة تلك التي تستـند الى واقع فاسد اكبر منه هي بالذات ما رسمت صورته في وجدانها ككائن حقير. انقـشع بهرج الطبـيب و العائلة النبـيلة التي ينحدر منها، و ارتـفعت بالمقابل بساطة ابيها العامل و عقـلها الذي يضج بالأفكار الانسانية. حسمت امرها مع حلم الزواج الهانئ و السيارة و الرفاه المادي.
كانت هي تبحث عن اللحم الذي يكسو عظامها. الرفاه المادي لكائن جميل مثـقـف "يدوخ بلد". اما هو ففي حقيقة الامر كان يبحث عن مغامرة عاطفية مع فتاة فاتـنة تـلبس التـنورة القصيرة، ليتباهى بها و يغطي على جفافه المزمن و تخـشبه الدائم حتى مع مرضاه. كان هو يبحث عن ثوب جميل يزين به كيانه الباهت.
و ادخله فـقـدانها في جوف السعير. اما هي فـقد ارجعها ابتعادها عنه الى صديقها الذي تسميه بالفيلسوف الصغير. انه عازف الكمان و القيثارة. فنان حر متـشرد يعـيش الجمال..
حكت له عن تجربتها مع الطبيب فقال بضحكة عارمة و قـد بلغت به نـشوة مخدر الزطلة الى اعالي السماوات :
ـ غريب ان يـبحث الانسان عن مداواة الالم عند الاطباء. انهم ضفادع. الشفاء من الروح. الشفاء على انغام القيثارة و الكتاب المذهل و الثورة الدائمة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى