الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طبيعة وبنية الدولة الراهنة

معتز حيسو

2015 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية




ما وصلت إليه شعوب عربية من أوضاع كارثية، يتجاوز في أسبابه ثورات «الربيع العربي» إلى بنية الدولة ونظامها السياسي. فالدولة العربية تعاني مأزقاً تاريخياً تجلَّى في فشلها في بناء دولة بالمعنى الكلاسيكي. هذا إضافة إلى التعامل الإشكالي مع الفكر الأيديولوجي. فكان المجتمع السياسي الذي يُعتبر قاعدة الدولة، والمدخل إلى بناءها الفوقي، معرَّضاً بشكل دائم إلى التجزئة الجيو سياسية، وانقسامات تتعلق أسبابها بقضايا تاريخية. فكانت تخضع إلى تناقضات داخلية تلاشت بموجبها المعالم الأساسية المحددِّة لطبيعة وبنية الدولة الكلاسيكية، وميكانيزماتها الداخلية. فكان غياب التمايز بفعل التداخل والتشابك الإشكالي المركّب، من أسباب عطالتها التاريخية. فكانت تتقلب على ذاتها بين أشكال: «سلطانية» »دينية» «شمولية»«استبدادية» «أمنية»«حزبوية»«طبقوية» تهيمن على مداخلها ومخارجها مصالح فئوية تتضيّق باستمرار.
من جانب آخر خضعت بنية الدولة وتركيبتها الداخلية وطبيعتها وأشكال علاقاتها الداخلية والإقليمية والدولية على نحو متزايد إلى جملة من المتغيرات العالمية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: أولاً: الثورة الرقمية والتكنولوجية الموصولة بالعولمة بنسختها الأمريكية. وكان تأثير ذلك واضحاً على طبيعة وبنية الدولة ودورها الوظيفي. ذلك لجهة تحوّلها إلى أحد أدوات رأس المال والشركات العملاقة العابرة للحدود والجنسية. ولم تقف تداعيات ذلك عند تلك الحدود. لكن تجاوزتها إلى تنميط آليات التفكير وأشكال الممارسة اليومية. وكان ذلك ينعكس على طبيعة العلاقة بين الفرد والنظم السياسية المسيطرة. ثانياً:عولمة رأس المال وتحديداً المالي الذي يشتغل عبر آليات وأشكال من الترابط والتشارط مع الشركات العابرة للحدود والجنسية على تقليص دور الدولة الاجتماعي والاقتصادي. ثالثاً: انعكاس موازين القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية للدول المهيمنة، على طبيعة علاقاتها مع الأسواق والأنظمة والدول «النامية». رابعاً: الطبيعة التدخلية لرأس المال والشركات العملاقة والمؤسسات الدولية في القضايا الداخلية للدول. ويندرج ذلك في سياق عولمة رأس المال وعلاقات الإنتاج الرأسمالية السطحية والعادات الاستهلاكية للنمط الرأسمالي المهيمن. ومن المعلوم أن العوامل المذكورة ساهمت في تغيير طبيعة الدولة وأشكال تجلياتها السياسية والاقتصادية، أيضاً فقد امتد تأثير إلى دور وطبيعة وآليات اشتغال الطبقة العاملة والقوى السياسية.
إضافة إلى الخلل التاريخي الذي عانت منه دولنا في سيرورة تشكّلها. فقد ساهم الخطاب الأيديولوجي العابر للجغرافية السياسية، بغض النظر عن مشروعيته. في إقصاء الدولة عن عمقها الإنساني والاجتماعي. فلم يستطع الاشتراكيون تجاوز الدولة البرجوازية وبناء دولة العمُّال. أما القوميين فأنهم فشلوا في الانتقال من الدولة القطرية إلى ضفاف دولة الوحدة. فيما الإسلاميين عجزوا عن إسقاط دولة «الكفر» وبناء دولة «الخلافة». أيضاً فأن الديمقراطيين لم يستطيعوا في كنف الدولة التسلطية، أن يؤسسوا إلى مجتمع مدني أساسه المواطنة وحقوق الإنسان. أما فيما يتعلق بمواجهة الخطر الصهيوني، فإنه يحتاج إلى بناء أسس وعوامل المقاومة على مستوى الدولة والمجتمع. وذلك لم يتبلور بالشكل الأمثل حتى اللحظة. ونتيجة عجز الأنظمة عن إيجاد حلول ديمقراطية لمسألة العصبيات والمذاهب والإثنيات والطوائف والعشائر،
فإنها تحولت إلى عوامل تُنذر بتفكك الدولة، وارتكاس المجتمع إلى ما قبل مدنية.
في سياق متصل، شكّلت مصادرة الأنظمة للمجتمع المدني. المدخل الأساس إلى الإجهاز على «الدولة». فنُزعت عنها صفة تمثيل مصالح وحقوق الجماعات والأفراد، ووضِعَت في موقع المواجهة مع التطور الاجتماعي. فالمشاريع الأيديولوجية الكبرى أجلَّت قضاياها الوطنية إلى أن تتحقق شعاراتها الكبرى. أما الحركات الإسلاموية، فأنها لم تنجب غير الكوارث التي تهدد وحدة الأمة والمجتمع والدولة. فكان الإرتكاس من المستوى الوطني ـ والقومي إلى طوائف ومذاهب وإثنيات وعشائر، من السمات العامة للدولة الراهنة.
في المقابل فإن قوى التغيير« الديمقراطي» لم تدرك حتى اللحظة أهمية المحافظة على وحدة الدولة والمجتمع لسلامة التغيير الوطني الديمقراطي. ونعني بذلك أنَّ التغيير الحامل للاستقرار والتطور الموضوعي يجب أن يكون من داخل الدولة، وانطلاقاً منها. وهذا لا يتنافى مع انتقاد بنيتها وأشكال تجلياتها ومع نقض الأنظمة السياسية التي اشتغلت على فرض هيمنتها على الدولة والمجتمع. وأياً تكن المقدّمات والذرائع الحاملة للتغيير، فأنَّ العبث ببنية الدولة ومكوناتها التاريخية، يُعتبر جريمة بحقّ الأوطان والشعوب. ومآلاتها على المستوى الإنساني والاجتماعي والاقتصادي ستكون كارثية.
لقد شكّل تقاطع غياب البعد الإستراتيجي للدولة العربية، مع آليات تغيير محمولة على مشاريع وظيفية تفكيكية، مدخلاً إلى تحلل الدولة الكيانية، فلم يبقى منها إلّا ظاهرها الأيديولوجي. فالتماسك الاجتماعي آخذ بالتصدّع، كذلك الجغرافية السياسية. وذلك لا يتعلق بعوامل داخلية وتناقضات تاريخية تكوينية فقط. فالأوضاع الراهنة تشير إلى أن إعادة ضبط الأطر الجيو سياسية يتم من منظور مصالح إقليمية ودولية مهيمنة، وإذا لم يتم النظر إلى ذلك من منظور السيادة الوطنية والإرادة الشعبية. فلن يكون في الأفق المنظور أية ملامح لتغيير يُعبّر عن مصالح المواطن العربي.
لقد دخلت الدولة «الوطنية» وأنظمتها السياسية بفعل «ثورات الربيع العربي» وأسباب أخرى ذاتية وموضوعية. في طور التصدع المُعيق لإمكانية إعادة إنتاج ذاتية. أما بناء نِسَخ «ثورية» فأنه من الصعوبة بمكان، وذلك يتعلق بتركيبة قوى التغيير، وتراكبها على عوامل دولية وإقليمية تفكيكية. وهذا يستدعي التأكيد على ضرورة تجاوز الأوضاع الراهنة انطلاقاً من المحافظة على وحدة المكونات الاجتماعية، والدفع إلى بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية في سياق القطع مع الفيروس النيو ليبرالي الإحتلالي. ولن يكون ذلك بالاستمرار في صراعات تدميرية تهدد المنطقة العربية وشعوبها كافة. فـ «الثورة» ليست هدفاً بذاتها، لكنَّها تعبير عن مصالح سياسية واقتصادية اجتماعية. وعندما تناهضها فئات شعبية، يُفترض أنها تُشكل حواملها المادية. فأن ذلك يستدعي إجراء مراجعات نقدية لبنية «الثورة» الداخلية وأهدافها وأدواتها وحواملها الاجتماعية والسياسية والفكرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر