الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يكرهوننا؟!

خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)

2015 / 9 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


"لكنها تدور"

لماذا يكرهوننا؟!

د.خالد سالم
بادئ ذي بَدء أعترف بأنه سؤال مستفز وسبق أن طرحه الأمريكيون عن أنفسهم تجاهنا كتابعة من توابع فاجعة الحادي عشر من سبتمبر. قبل أن أخوض في مفردات أفكاري أود أن أتوقف أمام حدثين سياسيين طازجين، على الساحة العربية الممزقة والمظلمة، جعلاني أجتر لعنات الماضي القوية الوصل بوشائج حاضر لا أفق ولا بوصلة له، حادث مقتل السياح المكسييين بالخطأ في الواحات البحرية ووصول آلاف اللاجئين السوريين إلى أوروبا وتسليط الضوء المفاجئ عليهم وعلى تداعيات الحدث، خاصة سوء معاملتهم واهانتهم في دول كالمجر كنا نظن أنهم من أصدقاء الخمسينات والستينات ضمن المنظومة الاشتراكية.
من يستطيع الاطلاع، بلغة المصدر، على البيانات والمواقف الفردية والجماعية من حادث مقتل السياح المكسيكيين في أمريكا اللاتينية يدرك أننا لا نزال نعيش روح العصور الوسطى، وفي أحسن الأحوال يتعاملون مع القضية بعقلية الغنغستر، رجل العصابة الأمريكي، إذ وصل ببعضهم المطالبة بضرب مصر بقنبلة نووية.
لم أكن أعرف أن العلاقات العربية الأمريكية اللاتينية بهذه الهشاشة، فالحادث وقع جراء خطأ آدمي. لكننا يجب أن نعيب على أنفسنا أننا لم نستغل محاولات هذه القارة الشابة في الاقتراب منا، ولعل أهمها في السنوات الأخيرة كانت قمة الدول العربية والأمريكية اللاتينية التي دعا إليها الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا منذ عشر سنوات لكنها ولدت في حالة ابتسار لأسباب يعرفها القادة العرب وواشنطن. ليس عيبًا أن يكون للمنطقة الأمريكية اللاتينية موقفًا مؤازًا للشعب المكسيكي في حادث مقتل مواطنيه على رمال مصر، لكن العيب يكمن فينا عندما لا نهتم في المشرق العربي بمشكلاتنا القومية بل يصل الأمر بالبعض إلى الشماتة.
لم يغب عن ذهني مهاجرونا العرب في أمريكا اللاتينية الذين وطأت أقدامهم تلك القارة، البعيدة القريبة منا، منذ قرن ونصف وتوالت الهجرة العربية إليها إلى اليوم، وكيف أننا لم نحافظ عليهم كجسر يصلنا بهذا العالم ويخدم مصالحنا القومية، بحيث أن الكثيرين منهم لم يعد يربطهم بنا سوى اسم أو لقب الأجداد، بعد أن اتخذ أبناء الجيل الثاني والثالث أسماء هيسبانية، واليوم يعيش معظمهم حالة رومانسية تغذيها حكايات الأجداد عن المشرق العربي ولديهم حنين ألف ليلة وليلة والحكم والأمثال العربية التي بهتت في شرقنا.
لم تُفرش الزرابي في استقبال المهاجرين العرب الأوائل فقد ألقت صراعات البحر المتوسط، بدءًا بحروب دولة الخلافة الإسلامية والامبراطورية البيزنطية مرورًا بالحروب الصليبية والأندلس والحروب التركية الأوروبية في شمال إفريقيا، بظلالها على صورة المشرقي في القارة الفتية، فنُحتت له صفة "توركو"، أي التركي أو المسلم، لأنه من رعايا الإمبراطورية العثمانية آنذاك. كان المهاجر العربي نشازًا في محيط غالبيته لاتينية مسيحية رغم أن غالبية مهاجرينا، في فترة تاريخية، فرت من الاضطهاد الديني على يد العثمانيين في بلاد الشام.
ما من دولة عربية وضعت إستراتيجية قومية لمد الجسور مع مهاجرينا، في تلك البقعة أو في غيرها، بغية تشكيل مجموعات ضغط محلية منهم. تأملوا كم رئيسًا أو مسؤولاً في القارة الأمريكية ينحدرون من أصول عربية ولم تكن لهم صلة بمسقط رأس الأباء أو الأجداد، بل ذابوا في مجتمعاتهم الجديدة. هذا على عكس اليهود إذ حافظوا على هويتهم منذ أن خرجوا من فلسطين ومن الأندلس وظلوا وراء فكرة واهية تحققت لهم في النهاية على أرض فلسطين رغم سيول الدماء العربية على رمال صحارينا من أجل هذه القضية العربية العادلة.
في هذا الاطار يحضرني بيت للشاعر القروي، رشيد سليم الخوري، الذي هاجر إلى البرازيل في مطلع القرن العشرين، وهناك نظم قصيدة حول احتقار سكان تلك البقعة من القارة الجديدة للعرب، والعنت الذي تعرض له المهجريون بسبب إطلاق تسمية "توركو" عليهم يقول فيه: كن بينهم رجل الزمان تظل (توركو) محتقر/حتى العبيد السود قد سخروا بنا مع من سخر. مفردات البيت لا تحتاج إلى تأويل، فدلالاتها جلية للأعمى قبل البصير.
بدأ الصراع العربي الأوروبي منذ أن أصبح للعرب، مع انتشار الإسلام، وجود استرايتجي في حوض البحر المتوسط، يشغل الضفة الجنوبية والشرقية من بحر الروم، أي منذ أن أخذ ينافس شاغلي الضفة الشمالية على هذا الفضاء الاستراتيجي، فضاء تماس بين حضارتين مختلفتين، فوضعتا حيز تنافر جذّر بدوره موروثًا من الكراهية لا يحله سوى ذوبان الهوية والوطنيات الطاردة للآخر من منطلق عنصري، ثقافي، ديني، عرقي...
في هذا السياق لا أزال أتذكر أستاذ مادة أدب الأدب المقارن في جامعة مدريد أوتونوما حيث كنا ندرس التأثير العربي في أدب العصر الذهبي، الفترة التي شهدت التحامًا بين الثقافتين العربية والإسبانية وظلت آثارها شاهدة حتى اليوم، إذ قال لنا بعد جدال أثرته معه، شارك فيه بعض الزملاء، فانبرى ليفض الاشتباك ليقول: عندما أشهد هذا النوع من الجدلية أتذكر مقولة أحد الفلاسفة ومفادها أن الصراعات والحروب ستختفي من العالم عندما لا يهتز فيه البشر نشوةً مع موسيقى نشيدهم الوطني أو موسيقى عسكرية أو ترتيل كتابهم المقدس.
كان النقاش قد احتد بيننا لجملة في نص أدبي مفاده أن اللغة العربية كنباح الكلاب. كان هذا الكلام المبتذل مفهوم في سياقه بعد صراع مرير بين الثقافتين على أرض الأندلس، كالصراع الحالي بيننا وبين الكيان الصهيوني على فلسطين. لكن هويتني جعلتني ألا أصمت أمام هذا "الجرم". قد لا يقبل البعض بالمقارنة من منظور أولئك الذين يهربون من تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية فيطلقوا على غزو الأندلس فتحًا، وكأن هناك فارقًا، فالفتح تغليف للغزو، وكلا المسمين لا مبرر لهما طالما أن هناك شعبًا يسكن هذه البقعة أو تلك.
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث فإننا نجد أن إسرائيل ومن خلفها اليهود، على اتساع اليابسة، أبدعوا في النيل منّا منذ أن فكروا في خلق وطن لهم على أرض فلسطين انطلاقًا من المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل عام 1897 بدعوة من تيودور هرتزل، مؤسس الصهيونية. لقد شوهوا صورتنا من خلال وسائل الإعلام العالمية التي يسيطرون عليها انطلاقًا من الولايات المتحدة الأمريكية التي تُحرر في وسائلها نسبة تزيد على تسعين في المائة من الأخبار التي تُبث إلى وسائل العالم، وغالبية هذه الأخبار بدورها تنطلق من وسائل إعلام يسيطر عليها اليهود.
لاشك أن تخلفنا التاريخي ووجود فضاء مشترك حول حوض البحر المتوسط أدى إلى ما آلت إليه العلاقات بين الجانبين اليوم، فمسلسل الصراعات طويل وعتيق حول هذا الفضاء، فمن المؤكد أن الوطن العربي لو كان في جنوب إفريقيا أو شبه القارة الهندية لاختلفت العلاقة بيننا وبين الغرب، وما غيمت سحب الصراع التاريخي والكراهية على علاقتنا بالغرب.
بيد أن هذا لا يعفينا من الاعتراف بأن سفهنا أسهم أكثر من الأعداء في النيل من صورتنا في الغرب، فبقدر ما أضافت الحقبة النفطية للمنطقة من خيرات سلبتها الكثير وشهوهتها، فأصبح الوفرة النفطية صنوًا لسفهنا في الانفاق والاستهلاك، الانفاق على السلاح والحروب والمعمار واستهلاك منتجات الغرب دون إنتاجها، مكللاً بسفهنا في دنيا الجنس. من يريد الاستزادة حول هذه الأمور فليراجع حوليات وإعلام الغرب في أوقات الأزمات والحروب في الشرق الأوسط، بدءًا بحروب الصراع العربي الإٍسرائيلي وحرب الكويت واحتلال العراق وأحداث 11 سبتمبر والدماء العربية التي تسيل منذ حدوث ما أسموه ربيعًا عربيًا.
تشبثنا جهرًا بخزعبلاتنا وفضائنا الماوراء الطبيعة، وارتكابنا الموبقات كافة سرًا، جعلنا نعيش حالة من الصراع مع الذات والنفاق، شوهتنا وجعلتنا مسخًا في نظر الآخر، جزيرةً غير متناسقة مع سياقها العالمي، دون أن ندرك أن من غير الممكن إيقاف تطور التاريخ، وإذا تمادينا فمصير الأندلس ينتظرنا، لكن هذه المرة على أرضنا وليس على أرض غزوناها، أي أن نتحول إلى هنود حُمر جدد. اقرأوا فترة حكم الطوائف في الأندلس وكيف بعنا بعضنا بعضًا للآخر من أجل الحفاظ على سدة حكم واهٍ، وكان عدد هذه الطوائف أو الممالك مثل عدد الدول العربية اليوم: اثنا وعشرون سُدة حكمها مصنوعة من خيوط العنكبوت!
تخاذلنا التاريخي هذا ضيع علينا فرصًا تاريخية أمام عدونا المنسي، إسرائيل، في بلد صديق كإسبانيا، إذ كانت البلد الأوروبي الأخير الذي يعترف بالكيان الصهيوني بعد أن مورست كافة أنواع الضغوط عليه بينما كان العرب منهمكين ببناء مراكز إسلامية في إسبانيا في زمن كان الإسبان إذا اضطروا للمفاضلة بين العرب واليهود تميل الكفة لصالح العرب، لكن الإعلام المدعوم والموجه استطاع أن يخفف وطأة موقف الإسبان تجاه اليهود وإسرائيل، يخفف حدة كراهية الإسبان التاريخية لليهود، بينما يسحب البساط من تحت أقدام مقولة التسامح الإسلامي التاريخي في الأندلس. حتى المستعربين الذين كانوا يقولون كلمة حق تاريخية لصالح العرب وقضاياهم العادلة لم نحافظ عليهم. ووصل بنا السفه إلى أن شاركنا في إهالة التراب عليهم مع بعض المغرضين والكارهين للعرب. وقد ساهمنا في إيذائهم إما بالصمت أو بالمشاركة في التلسين الدبلوماسي عليهم. وأحيانًا كثيرة لم نعطهم حقهم في التعريف بهم وبنتاجهم الموضوعي، ولعل المستعرب العظيم بدرو مارتينيث مونتابيث خير نموذج لهذا الطمر والنسيان العربيين.

لا يلوح في أفق داكن، ملبد بغيوم سوداء، تحسن قريب في وشائج هاتين الحضارتين القريبتين المتنافرتين طلما ظللنا بجري وراء الخزعبلات بعيدًا عن احترام الفرد وحقوق الإنسان والأقليات على أساس قواعد الديمقراطية، فهي كفيلة بحل الكثير من مشكلاتنا وحمل الآخرين على احترامنا، والحفاظ على علاقة جوار، دون محاولة فوز أحد الطرفين لهذا الفضاء الديموغرافي العريض والمهم حول حوض البحر المتوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البحر يكرهنا
مكارم ابراهيم ( 2015 / 9 / 20 - 13:09 )
البحر بات يكره المهاجرين اللاجئين لانهم يتحولون الى غذاء تلتهمه الاسماك لان المهرب اركبهم قارب مطاطي مهترئ لايصمد امام امواجه العاتية البحر يكره القادمين كان يتغزل بهم قبل قرون والان يكرههم لانه يراهم غزاة ارهابيون البحر يكره الاطفال لانهم ضحايا قرارات ابائهم العنترية المتسرعة


2 - هذه الدماء لن تذهب سُدى!
خالد سالم ( 2015 / 9 / 20 - 15:11 )
العزيزة مكارم:
أتفهم كلماتك التي تنضح مرارة تكفي لحرق الكثير من سُدد الحكم في المشرق والمغرب، لكن هذه الدماء التي تُسال الآن لن تضيع سُدى، فقد آن الأوان لتستفيق شعوب المنطقة وتبدأ في بناء مستقبل أفضل رغم مقاومة قوى الطغيان والتخلف تحت مسميات مختلفة. ما نعانيه اليوم سبقنا فيه الغرب وانتفض بعد حروب طويلة ودماء كثيرة.

اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا