الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حمل الرجل

مصطفى آني

2015 / 9 / 20
الادب والفن


مصطفى آني حمل الرجل
رجلٌ في الاربعين من عمره يقابل رأس ماله المفروش أرضاً على رصيف طريق مزدحم وسط تلاطم أمواج الناس جيئةً وذهاباً وهو لا يتوقف عن الصياح إلا نادراً وبلغات عدة يَشهر بضاعته تارةً ويمدحه بلسان طري تارةً أخرى وإن بضاعته ماركة عالمية حيث جلبه من دول بعيدة دون أن يذكر من أي أسم البلد ؟ لإنه يعلم إن معظم المواد المستهلكة في اسواق مدينته آتية من دولتين جارتين سيئتا الصيت .
تعب من الوقوف والصياح فجلس على حافة الرصيف يراقب الناس ينظر إلى بضاعته بنظرات حزينة ويصفف بعض قطعها بحركات يائسة يُخرج سبحته الطويلة من جيب شرواله يقلبها يمنة ويسرة ثم يلفها على سبابته مرات ومرات ثم يتوقف عن الحركة ويغوص في التفكير بوطنه الذي لم يستطع ان يوفر له مكاناً يفتح بابه في الصباح ويغلقه في المساء رغم إنه فقد أخ له في الحروب الكثيرة الذي خاضته بلده المحرر للتو من غطرسة الاعداء فأتوا الأقرباء يلبسون عباءات الامل والحياة المزعومة ! فقد تعب ظهره من الحمل يومياً إلى البازار وهو حاملاً على ظهره بضاعته المشؤومة.
يلمح سيارة لشرطة من بعيد فلم يغر أي أهتمام لهم وكنت أظنه بإنه سيحمل رزق أولاده المنتظرون بعودة أب يائس ، يستدير ظهره لهم فتعلم حينها بإن المطعون بصمت لا يهاب أزيائهم ولا هيئات سياراتهم ولا ألوان رتبهم المستوردة من بلدان لا نعرفها سوى بالأسماء والعداء او بالأفلام الإباحية المصدرة لنا ؟! ونحن نقضمها بنهم .
وإن أحلامه الوردية أجُهضت على صدر الأرصفة التي كلما باع قطعة من بضاعته يضيع منه حلمٌ كان يبني أساسها من دموع اطفاله الباكون ، وأم أولاده الوحيدة التي لقت في هذا الرجل فارس أحلامها وملك زمانها فحل الأطفال محل احلامها فتلعب معهم لتنسى ينابيع السراب المغشوشة أما هو فمازال مكباً على زبائنه يجادل أحدهم ويقول له إن لم يعجب الاهل بلونه او إذا لم يصلح لهم قياسه فعيد لي هذا محلي وأنا هنا يومياً .
قهقه الزبون من كلامه وأخذ يردد كلمة محل مرات عديدة وقال وأي المحل تقصد وهل الرصيف محل ؟؟!!!!.
تسمرالرجل في مكانه حس بإهانة كبيرة وصفعة لا مثيل لها من إنسان مثله ! حرك رأسه بالقبول تراجع خطوتين جلس بجانب حافظ المياه أتكأ عليه بيده اليمنى تشرد فكره أكثر فأكثر حتى بقي لم يبالي بزبائنه السائلين عن أسعاره بضاعته !.
أخذ فكره يخيط بمغزل آخر وإن الانسان هو نفسه كالبلابل من صنف واحد ولكن ربما تختلف ألحانهم أو كورود ذات ألوان مختلفة فإنهم يزهرون في الفصل نفسه ويزبلون بالطقس نفسه لكن ربما تختلف الوانهم هم الاخر أيضاً أو كشجرة فارعة من غابة كبيرة فإنهم مشتركون بالخضرة والعطاء والمكان وإن أختلف ثمارهم فهؤلاء هم كالانسان مباشرة وإن أختلف الناس عن بعضهم باللغات أو بلون او بالاعتقاد فتبقى البسمة البادية على افواه جميعهم هي عنوان فرحهم ودمع عنوان حزنهم وإن بقي الحزين صامتاً لم يتكلم .
عاد إلى حاله بعد رحلة منشطة ولكي يزيل آثار الزبون السلبية على نفسه البائسة سابقاً ، ينهض مجدداً بنشاط أكبر يبحث عن الزبائن الذي بالقريب كان يتجاهلهم يجلبهم من الطرف الثاني لشارع ناسياً كلام ذاك الزبون الفض وإن الانسان لابد ان يختار عطر الذي يناسبه ويسد شمه لروائح التي تزعجه حينها بدأ الشمس بالأفول فجمع بضاعته كالعادة وحمله على ظهره وذهب ليشتري إحتياجات منزله فإن أتراحه بإنتظاره فمن أجلهم يقفز قفزات رياضية على عرقلات زبائنه ولتبقى الضحكة ثابتة على ثغرهم الجميل والبريء .
مصطفى آني / سليماني 2015/9/20








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا