الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يتحول ضحايا الأزمة الليبية إلى وقود يزيد من أوارها؟

محمد عبعوب

2015 / 9 / 21
الادب والفن


أقبل يمشي متثاقلا ينفث دخان سجارته بعصبية تعكس أوضاعه المأزومة، اتخذ من رصيف الشارع متكأ له في انتظار المجهول، يطلق من حين لآخر آهة حزن وحيرة يلحقها بعبارة "والله أنا تعبان نفسيا وماديا".. مظهره لا يدل على ما يعبر عنه.. ملابسه نظيفة لا تختلف عما يرتديه غالبية الناس بالشارع، كذلك صحته ومظهره البدين لا ينبئ عن حالة فاقة أو فقر مدقع .. لفت نظري، حيث كنت واقفا في انتظار وسيلة مواصلات عامة ، بسيل التأوهات التي كان يطلقها وغمامة دخان السجائر التي ينفثها بعصبية مفرطة .. سألته محاولا تخفيف أزمته:
- عساك بخير يا رجل ، هوِّنها تهون يا أخي.
رد و بنبرة من تحاصره الهموم و لا تترك له مجالا للتفكير السليم.
- كيف تهون يا أخي وأنا عاجز عن كسب قوت عيالي؟ صار لي أكثر من سنتين بلا راتب وما عندي من مدخرات نفذ والشغل أصبح نادرا في ظل هذه الفوضى التي تعم البلد..
سألته عن جهة شغله التي لم تسدد رواتبه وأسباب توقفها عن التسديد، فرد بأنه كان يعمل كإداري ومحاسب بإحدى المصانع التابعة للدولة، ثم أصبح بعد تمليكه للعاملين فيه شريكا يتقاضى مرتبا محترما وأرباحا في نهاية العام، إلى أن قامت الدولة ببيع المصنع الى مؤسسة يترأسها أحد النافذين في ظل النظام السابق يدعى دبيبه ، فبدأت الأزمة التي انتهت بإغلاق المصنع نهائيا و "إلقائنا في الشارع" حسب قوله.
وفيما كان يشعل السجارة من أختها ويعيد التأكيد على أنه مأزوم نفسيا وماديا، سألته ناصحا :
- لماذا لا تنزل للشارع وتعمل في أي شغل ولو في قطاع البناء او الزراعة كعامل يحقق لك دخلا تعيل به نفسك وأسرتك إلى أن يتيسر لك الحصول على وظيفة تناسب تخصصك؟
أجاب وبتساؤل يعكس حالته كأسير لماض لم يعد له وجود في واقع حياته:
• أنا رجل متعلم ومعي مؤهلات عليا في الإدارة والمحاسبة وكنت موظف محترم بالمصنع ، كيف انزل واشتغل بمهن لا تليق بمكانتي ومستواي؟!!

- "كنت موظف محترم", أما الآن أنت في الشارع وأسرتك تعاني ، يجب عليك أن تنسى الماضي وأن تتعامل مع الواقع اليوم، ثم إن المؤهلات التي تتحدث عنها لم تعد تجدي في تحصيل لقمة العيش في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، عليك ان تنزل الى الواقع وتتعامل معه ، وتنسى الماضي بكل صورة الجميلة.
أطلق ابتسامة حزينة مؤكدا أن مؤهلاته فعلا لم تعد مطلوبة، ولم يعد لها مكان اليوم في سوق العمل بعد تجمد النشاط الصناعي والمهني في البلاد في ظل حالة الحرب التي تسيطر على تفكير الساسة و الناس.
وفيما كان يسترسل في التغني بما كان يحققه من مكاسب وراحة واستقرار في ظل وظيفته بالمصنع المغلق ، قاطعته قائلا :
- خطيئتك الكبرى يا سيد أنك لم تستثمر جزء من دخلك في مشروع مربح ببلدك السودان كان سيضمن لك ولأسرتك موردا يغنيك عن الغربة والمعاناة في بلد أصبح في حالة انهيار كامل.
رد بلهجة استغراب تنفي بشكل قاطع انتماءه لهذا القطر، وكأن الانتماء إليه سبة، ولكن لهجته السودانية كانت تكذبه :
• سودان أيه يا أخي؟!! يعني كونه لوني اسمر لابد أكون سوداني! أنا ليبي ورشفاني* يا أخي !!
- لا يرجل أنا لم اقصد تصنيفك من خلال لون بشرتك، أنا ومن خلال لهجتك السودانية اعتقدت أنك سوداني وليس من خلال لون بشرتك.. البشرة السمراء لا تقتصر على السودان بل موجودة حتى في ليبيا، وفي كل البلدان العربية في افريقيا.. وعلى العموم ليس هذا موضوعنا، المهم الآن هو أن تخرج من أسر المؤهلات وتنزل الى الميدان وتتعامل بواقعية مع مشكلتك وتمارس أي مهنة تحقق لك دخل لتعيل أسرتك بدل البقاء معلقا بأوهام الماضي الوظيفية والانتماء الى ليبيا او غيرها.. الجوع والحاجة لا تحلها الجنسية او الهوية أو التغني بالماضي، بل بالنزول الى ميدان العمل والتعامل بواقعية مع الحياة ..
غمغم بسيل من العبارات التي تظهر تبرمه من جنسيته الحقيقية كسوداني متحصل على الجنسية العربية التي منحتها السلطات في ظل النظام السابق للعرب المقيمين في ليبيا ضمن مشروع حالم لتحقيق الوحدة العربية انتهى للفشل كغيره من المشاريع الارتجالية، وما أكثرها في ظل ذلك النظام، مخلفا للبلاد أوضاعا إدارية شائكة خاصة في مجال الحصول على الجنسية الليبية، زاد من تفاقمها سعي إثنيات ليبية لاستقطاب أفواج من عرقياتها يقيمون في دول مجاورة كمواطنين بها وإغرائهم بالهجرة والاستقرار بمناطق الجنوب الليبي في مسعى لرفع نسبة هذه الاثنيات في تعداد السكان العام لتحقيق مكاسب سياسية وهمية زرعتها دوائر التخريب في عقول بعض الساسة وأشباه الساسة في ظل العجز والشلل الذي وصلت له البلاد.
تركت هذا السوداني المُتَلَيِّبْ يصارع أوهامه على ذلك الرصيف حين وصلت سيارة النقل العام (أفيكو) لأستقلها نحو وسط المدينة لقضاء بعض المصالح، وفي عقلي عاصفة من التساؤلات حول ما ستئول إليه أوضاع الناس و مثل هذا الإنسان إذا ما زاد تفاقم الأزمة؟ وما إذا سيضطر أرباب الأسر الذين سدت أمامهم أبواب الرزق - مثل هذا الشخص- للجوء الى وسائل مخالفة للقوانين لكسب قوت عيالهم، مثل السرقة او الحرابة او الانضمام الى عصابات الإجرام المنظم التي أصبحت تسيطر على مناطق بأكملها في العديد من المدن الليبية وتديرها بطريقة مافيوزية ..
هذا السوداني المُتَلَيِّبْ وغيره كثر من جنسيات عربية وأجنبية ممن سدت أمامهم أبواب الرزق وانقطعت بهم السبل ولم يتمكنوا من العودة الى بلدانهم سيكونون صيدا سهلا لقادة العصابات والمليشيات الإجرامية التي أصبحت تسيطر على البلاد بعد فشل مشروع إعادة بناء الدولة في ليبيا، هذه الشريحة من الجاليات الأجنبية التي كانت تتمتع بوظائف ومصادر رزق تغنيها عن الانحراف ، وكذلك شريحة الشباب الليبيين العاطلين عن العمل الذين ترتفع نسبتهم كل يوم بمعدلات مخيفة سيوفرون المدد البشري لعصابات الإجرام المتغولة . فهل من التفاتة جادة يا سادة ليبيا الجدد لمعالجة واحدة من الجذور الخطيرة لأزمة ليبيا ؟!!

* ورشفاني نسبة الى قبيلة ورشفانة الليبية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب


.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في


.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد




.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين