الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوافع وآفاق التدخّل العسكري الروسي في سورية

محمود جديد

2015 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


منذ بداية عسكرة الصراع بين النظام وبعض فصائل المعارضة اعتبرت روسيا بلسان كبار مسؤوليها، والرئيس بوتين ضمنا، الموقف من المسألة السورية جزءاً من الأمن القومي الروسي ، و تنطلق دوافع هذه الرؤية حسب تقديرنا من :
ا - حرصها الشديد على الاحتفاظ بالقاعدة البحرية المتواجدة في طرطوس ، القاعدة الوحيدة المتبقية لروسيا في البحار الدافئة،والتي تعتبر الفائدة الأهمّ و الملموسة التي جنتها في سورية ، حيث تمكّن القطع البحرية الروسية المتواجدة في البحر المتوسط من التموين بالمياه والوقود والغذاء ( وربّما الذخيرة أيضاً ) ، وصيانة عتادها البحري دون الحاجة للعودة إلى الموانئ الروسية ما يحرّرها إلى حدّ كبير من مشقّة عبور المضائق التركية ، ويجنّبها التأخير والمضايقات هناك عند حدوث أيّة أزمة مع الأتراك ، أو الناتو .. كما توفّر الوقت والمال ، وفي الوقت نفسه تقدّم ميّزة استراتيجية للبحرية الروسية بوضع أقدامها بثبات على الضفّة الشرقيّة للبحر المتواسط تجاه خاصرة أوربا ، وفي ظهر قواعد الناتو في تركيّا ، وعلى مقربة من مخرج قناة السويس على المتوسّط ، ومن هنا ، نستطيع القول : إنّ القلق الروسي على مستقبل هذه القاعدة يشكّل عاملاً مهمّاً في التأثير على الموقف الروسي تجاه سورية ، انطلاقاً من الفهم الدقيق للقيادة الروسية لطبيعة الأحزاب والقوى المعارضة السورية المعتمدة من قبل أمريكا وحلفائها وأتباعها ، وعدم الثقة بها ، ولإدراك الروس بانّها ستكون مطواعة لتنفيذ أيّة رغبة أمريكية في إزالة هذه القاعدة مستقبلاً مهما أعطوا من تطمينات في اللحظة الراهنة...وفي الوقت نفسه ،ربّما كان الروس لايرون أيّ بديل آخر يمكن الركون إليه حتى الآن ...
ب - أهمية الموقع الجغرافي والطبوغرافي لسورية ودورها السياسي في معركة الغازمع خصوم الاتحاد الروسي في هذا المجال ، سواء فيما يتعلّق بمخزونها الكبير منه ، أم بمرور أنابيب بلدان أخرى عبرها ..
ج - تقدير روسيا الدقيق للمخاطر والانعكاسات على الداخل الروسي التي ستنجم عن إقامة نظام بديل في سورية يرتكز على أيديولوجية إسلامية قد تنتقل عدواه إلى دول المنطقة ، ويصل إلى دول إسلامية أخرى في آسيا الوسطى ، فيصبح وصول شرارتها حتميٌاً إلىالمناطق الروسية ذات الأغلبية السكانية من المسلمين الذين سيشكّلون عندئذ مادّة صالحة للتفعيل الديني والسياسي من قبل أمريكا وحلفائها وأتباعها، لاستهداف روسيا في داخلها ، بغرض استنزافها وإضعافها وتمزيقها، وإلهائها عن ممارسة دورها الدولي بشكل يتناسب مع طاقاتها البشرية ،والاقتصادية ، والعسكرية ، ووضعها على سكّة التخلّص من ترسانتها النووية التي هي الهاجس العسكري الأمريكي الأول ... وقد بدت النوايا الغربية الحقيقية المبيّتة لها جليّة في الساحة الأوكرانية ، وترجمتها في تفجير الصراع الدائر هناك ، والحرص على استمراره ...
ولهذه الاعتبارات كانت الأزمة السورية بأطرافها ، ومعاركها وتطوّراتها ، والأطراف الإقليمية والدولية المساهمة فيها ضمن دائرة الضوء الروسية ، ومرصودة جيدا بطرق وأساليب عديدة .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، ماهي المستجدات التي دفعت القيادة الروسية مؤخّراً لاتخاذ قرارها الجديد بالغوص المباشر في المستنقع السوري ، وفي وضح النهار ؟
- التخوّف الروسي من الانهيارات السريعة المفاجئة للقوات السورية أمام ضغط المجموعات المسلحة المدعومة خارجياً بعد الخسائر الموجعة التي لحقت بالجيش السوري في محافظتي إدلب وحمص في مواجهة جبهة النصرة وحلفائها ، وداعش ، والتعثّر والبطء في حسم معركة الزبداني ، وتحوّله في معظم المناطق الساخنة الأخرى من الهجوم إلى الدفاع ، مايدلّ على عجزه عن عدم قدرته على تأمين التفوّق بالقوى والوسائط على المجموعات المسلّحة في ظل اشتباكه مع خصومه بمئات المعارك في وقت واحد ، وخاصة في ظلّ الدعم الخليجي والتركي والغربي (والإسرائيلي في محافظة القنيطرة )المستمر لها، واستنزاف وإنهاك وحداته خلال الأربع سنوات المنصرمة .. على الرغم من عدم وجود مؤشّرات لانهيار سريع تستوجب ذلك .. فإنّ القيادتين السياسية والعسكرية الروسية قد تريان بأنّ الدعم الروسي يجب أن يتمّ مسبقاً وفي الوقت الملائم ، والظروف المناسبة ، وقبل فوات الأوان ، ليمنع المحظور، وذلك من خلال رفع معنويات الجيش السوري وحلفائه، وتقديم الدعم المباشر لهم من جهة ..وتخفيض مستوى الرهان على وهم الانتصار العسكري لخصومه وأعدائه، من جهة أخرى، وبالتالي ، يجعل الطريق إلى الحل السياسي وفق الرؤية الروسية أكثر سهولة وأشدّ زخماً، لأنّ المراهنة على الحسم العسكري من الطرفين هي العدو اللدود لهذا الحل .
- ازدياد النزيف البشري لشباب سورية نتيجة الهجرة المتصاعدة بمختلف الطرق والأساليب ، وهذا سيُضعِف تزويد الجيش السوري بمجنّدي الخدمة الإلزامية ، أو استدعاء احتياطيين جدد ..
- عدم قناعة القيادة الروسية بصدق أمريكا وتحالفها الدولي المكوّن من 60 دولة في محاربتها لداعش والنصرة في سورية ، وعملها خارج إطار الشرعية الدوليّة .. وقد تستهدف من ذلك إطالة أمد الحرب المجنونة في سورية لتدمير ما تبقّى منها، ثمّ الانقضاض على أنقاضها لاحقاً من قبل الفصائل المسلّحة التي تعدّها وتدرّبها المخابرات الأمريكية في تركيا وتؤمّن لها الحماية الجوية ، أوالمجموعات المتحالفة مع أمريكا أو أتباعها بصورة علنية أو سرية ، وإقامة نظام سياسي بديل في سورية يخضع لمشيئتها وينفّذ مخططاتها في المنطقة ...
- وجود ثقة عالية لدى القيادة الروسية بقدراتها العسكرية ، وبدعم حلفائها، دفع بوتين إلى التعبيرالعلني عن موقفه بسقفه الأعلى من طريقة حلّ الأزمة السورية ، بهدف قطع الطريق على حسابات إقليمية ودولية بإمكانية الحسم العسكري مع النظام السوري، وترك الباب مفتوحاً للحل السياسي فقط، والذي أضاعه الغرب في عام 2012 عندما قدّمه الروس لهم على طبق من ذهب ، وفق ماجاء على لسان الرئيس الفلّندي السابق المحترم ...
آفاق التدخّل العسكري الروسي
--------------------------
- إنّ القرارات العسكرية الروسية الأخيرة خطوة نوعية على طريق الانغماس المباشر بالملف السوري من خلال التحضير الميداني لاستقبال طائرات حربية روسية في قاعدة جوية يجري إعدادها ، وتأمين حماية مسبقة لها بوسائط الدفاع الجوي ، وبوحدات خاصة روسية لتأمين حراستها المباشرة، وهذا مايعزّز بدوره أمن القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، ويدعم تواجد الأسطول الروسي في البحر المتوسط، ويقوّي الدور الروسي والعسكري في المنطقة ، ويرفع معنويات الجيش السوري ، ويحدّث أسلحته ، ويقوّي جبهته ضد خصومه، ويحمي الأسلحة الجديدة التي يتلقّاها من الاصطياد الإسرائيلي لها قبل استيعابها وتفعيلها في الميدان ،كما جرى في مرات عديدة سابقة ... وهذا الموقف الروسي الجديد قد يستغلّه أوباما في إقناع حلفائه بالحلّ السياسي إذا حزم أمره تجاهه .. على الرغم من الرفض الأمريكي العلني وبحدوده الدنيا لهذا الموقف وبما يحفظ ماء الوجه ...
- من المستبعد تدخّل عسكري برّي روسي في المستنقع السوري يتجاوز إقامة قاعدة جوّية في محافظة اللاذقية ، والزيادة في عدد الخبراء الروس المتواجدين أساساً مع تشكيلات الجيش السوري بهدف تقديم الدعم الفنّي الميداني عند الحاجة .. وستقتصر مهمة هذا التدخّل -حسب تقديرنا- على تنفيذ استطلاع جوي دقيق ونشط، وتوجيه ضربات جوّية فعّالة على داعش والنصرة فقط ، وعلى امتداد الساحة السورية كفصيلين موضوعين على لائحة الإرهاب ، ونحن على قناعة بأنّ الروس لديهم من الخبرة ، والحذر الذي يمنعهم من زجّ أنفسهم في معارك مع فصائل مسلّحة سورية ..
وأخيراً ، فإنّ التدخّل الروسي العسكري سيخلط الأوراق من جديد في المنطقة ، وقد يفعّل الدور الغربي في التفتيش عن حل سياسي يقوم على تنازلات متبادلة من الطرفين المتصارعين ، ويعطي زخماً لديمستورا كي يسرع الخطا في تنفيذ خطته ، ولكنّ النظام السوري قد يستغلّ هذا التدخّل ، ويسيء تقديرالموقف ، ويخطئ أكثر فأكثر في الحسابات الداخلية والخارجية ، ويبقى مستمرّاً في نهجه السابق الخاطئ المراهن على الحسم العسكري .. وفي هذه الحالة تقع على الروس مسؤولية تاريخية في معالجة الأمر ، بما يخدم خيار الحلّ السياسي بناء على تفاهمات جنيف الذي هو الطريق الوحيد الأسلم والأقصر لإنقاذ ماتبقّى من سورية .. وقد يساعد هذا التدخّل على توحيد الجهود الإقليمية والدولية لكسر أرجل حصان طروادة المتمثّل في داعش والنصرة الذي فسح المجال وفتح الأبواب لاستباحة سورية .. هذا الحصان الذي أوجدته أمريكا ورعته لهذه الغاية .. وعلى كلّ حال فإنّ الموجات البشرية السورية الكثيفة اللاجئة إلى أوربا ، والتدخّل العسكري الروسي الجديد سيخلق الظروف المناسبة والضاغطة للاستغناء عن خدماته . والخبر اليقين سيكون عند أوباما وبوتين أثناء لقائهما القادم خلال الأيام القليلة المقبلة ، وعندئذ سيكون لنا متابعة لما ينجم عن ذلك ، وتقييمه ، وتحديد موقف نهائي منه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م