الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وليد جمعة / الصبي المشاكس الشقي...وداعا

ابراهيم الحريري

2015 / 9 / 22
سيرة ذاتية


كنا نبدو نقيضين:وليد بفوضويته, وبميلي، المبالغ فيه، احيانا،لأِن ابدو منظما،جادا، .هو، بروح المشاكسة الطفولية الغالبة في سلوكه، وبما عرف عني، ربما لم يكن دقيقا، تماما،و لعلي حرصت ان ابدو كذلك، متعقلا،"عاقلانه" على حد وصفه.هو، برفضه الألتزام ،و بما تكون لديّ، تاريخيا، منذ التحاقي،مبكرا، بالحزب(الشيوعي)من تقاليد الألتزام، سواء كنت منتظما’او، لظروف تحدثت عنها اكثر من مرة،خارج التنظيم.هو، بموقف النقد الذي لا يقبل المهادنة، لهذا الموقف اوذاك، لهذا الشخص(القائد)او ذاك،الذي يبلغ،احيانا،حد التجريح و الهجاء المقذع، شعرا، شعبيا وفصيحا، بينما كانت تغلب على مواقفي، الشخصية و السياسية، الا ماندر، روح تغليب ماهو جوهري في في النظر الى هذا الموقف او ذاك، او هذا الشخص او ذاك، ومحاولة وضعه في اطاره الظرفي اوالتاريخي( الللهم الا عندما يتعلق الأمر بالموقف من النذالة المتعمدة، ولي في ذلك مذهب اسميته "طبقات النذلاء"، يعرفه بعض الأصدقاء،و بعض من ذاق"حلاوته"!)
كيف، اذن، التقينا؟
حدث ذلك اواخر983 اواوائل 984 عندما انتقلت من القاهرة الى دمشق للعمل في مشروع "التجمع الديمقراطي العراقي" (سافرد، مستقبلا، مجالا خاصا للحديث عن هذه التجربة) كان علي، كأي عراقي قادم جديد، معارض،سياسيا و مثقفا، او يحتسب نفسه على واحدة منهما، او كليهما ، ان يقدم اوراق اعتماده لمجتمع مقهى الروضة. كان وليد جمعة احد محاوره الرئيسية، بل لعله كان المحور الرئيس فيه.
لا اتذكر من بادر الى اللقاء بالآخر؛ لعل مجلس صدفة جمعنا، سبقتني اليه سمعتي و سبقته الي سمعته.تفحص كل منا الآخر،ربما كما يتفحص مصارعان على الحلبة، كل منهما الآخر، قبل بدء الجولة الأولى. لعل طقوس التفحص امتدت بضع جلسات، حتى وجد كل منا نفسه قريبا الى الآخر. لعلنا اكتشفنا،ربما دون ان نعلن ذلك(لعلي اكتشف ذلك الآن) ان ما يقربنا الى بعضنا كان ذلك الصبي المشاكس الكامن داخل كل منا.
كان مثقفا شفاهيا نادرا، عميق الثقافة، يغيب اياما فنقلق لغيابه، ثم نكتشف انه كان عاكفا على القراءة، و ما اكثر ما تنوعت قرءاته في الآدب و التاريخ و الفلسفة و التراث، و ما اعمق ما كان يعرضه من قراءاته. اذكر انه كان الى ذلك قدر ما تسعفني الذاكرة،"سميعا" للموسيقى الكلاسيكية، و هذا ما وطّد، و ارجو ان لا اكون مخطئا،علاقتنا.
كنت اقصده في الصباح الباكر، في مقهى الروضة فينطلق على سجيته، من غير افتعال لروح المشاكسة التي اشتهر بها، اسمع منه عرضا لبعض ما قرأه و ما كتبه، في الأدب و "قلة الأدب" ! احتمل ،ضاحكا،"تصنيفه"( سخريته لكن المؤدبة)من بعض خياراتي السياسية التي تتطلب مني التعاون مع بعض الأشخاص" المعدان" ،على حد وصفه، متسائلا: شلون تكَدر و انت الحضري ابن بيروت و بغداد تتحملهم؟ و لا ادري ما اذا كان يريد ان يطريني او يذمهم، او العكس ام كل ذلك! يلوح واحد منهم فيلتفت الي ضارعا: بروح ابوك تروح تكَعد غاد! اعانده مشاكسا. يغضب : موكتلك كَوم اكَعد غاد! كَوم و آني ادفع شايك! الا اكَلك محصور فشّورة( سبابا مقذعا) و انت الحضري ابن العوائل ما تتحمل!هُوَّ هال(كذا ) يتفوٍت؟" فانسحب ضاحكا.
كان وليد هجاءً، مقذعا، ما زلت احتفظ ببعض نتاجه بخط يده في هذا المجال( لم يكن ينشر. كان يوزع ادبه بالأحرى" قلة ادبه" مخطوطا على اصدقائه فيتداولونه.
انتشرت في دمشق اواخر 986 او بداية 987 هجائية من الوزن الثقيل،( من الحزام وجوّه ) تسخر من سياسي دعا ، في مقابة له مع صحيفة ال"لوموند" الفرنسية، الى تقسيم العراق الى دويلات كردية، شيعية، و سنية.مطلع الهجائية الشعبية: عالكومله...عالكوملي/هالكوم أِله...و هالكوم أِلي"و هذه اكثر ابياتها ادبا! انتشرت هذه الهجائية في دمشق،و نسبت، بالطبع، الى وليد، فمن غيره يمتلك ناصيةهذا" الفن"؟ و اعترف انني شجعت على ترويج هذه الشائعة، مع انني كنت انا الكاتب، ( لم يكن يعرف ذلك غير الصديق طارق الدليمي، فقد ولد المطلع في جلسة سمر في بيته)
كان وليد يدور على المقاهي ينفي علاقته بالهجائية، لكن احدا لم يكن يصدق، فمن كان سيصدّق ان" الفاعل " هو "المؤدب" ابراهيم الحريري، ما غيرو، فانا غير معروف بكتابة الشعر،اصلا، فكيف بكتابة هذا النوع من الشعر الشعبي الهجائي ، حتى قدر لواحد في ادنى سلم "طبقات النذلاء" ان يتذوق من "طيبات" ما ُرزِقْتُ به...
اواخر 987 كنت قررت مغادرة دمشق عائدا الى القاهرة،عندما علمت ان وليد يعاني من ازمة صحية حادة (سل رئوي من الدرجة الثالثة) و انه يعاني ، الى ذلك ، من ازمة مالية، و هو لا يكاد يبارح سكنه. قررت ان اقضي ايامي الأخيرة في دمشق معه، كنت اتسوق له ، اعد له افطار الصباح، و حساء الظهيرة، و لم تكن امسياتنا تخلو من معاقرة بنت الحان تتخللها السلطه وبعض المشويات. اشهد ان ايامي الأخيرة في الشام معه-لا اتذكر كم طالت-كانت من امتع ماعشت . كانت تتخللها قراءأت في الشعر والأستماع الى الموسيقى ,و تبادل احاديث شتى لم تكن تخلو من العودة الى ذكريات طفولة ، و تجوال في ازقة بغدادية قديمة في ممحلات "ذاك الصوب" و الكاظمية، ذكريات لم تكن تخلو من الشجن و الحنين الى طفولة لن تعود ابدا....
,لعلك، وانت تقرأ ما كتب عنك بعد موتك، كنت ستعلق ساخرا:خوات( الكذا)وين جنتو؟.ليش ما كتبتو هذا من جنت عدِل؟ يمكن جان بطّلت, ما متت! و تطلق ضحكتك الشهيرة. نسمع صداها، فلا ندري انضحك ام نبكي...
وليد! ايها الصبي المشاكس الشقي!كم كنت نقيا،نظيفا،انظف من سياسيين كثيرين، و انت تغادر الى الطفولة فالرحم الكوني؛وداعا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل بنود العرض الإسرائيلي المقدم لحماس من أجل وقف إطلاق ا


.. أمريكا وفرنسا تبحثان عن مدخل جديد لإفريقيا عبر ليبيا لطرد ال




.. طالب أمريكي: مستمرون في حراكنا الداعم لفلسطين حتى تحقيق جميع


.. شاهد | روسيا تنظم معرضا لا?ليات غربية استولى عليها الجيش في




.. متظاهرون بجامعة كاليفورنيا يغلقون الطريق أمام عناصر الشرطة