الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الدولنة ونظرية المؤامرة والموقف من قضية الهجرة

جعفر المظفر

2015 / 9 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ثقافة الدولنة ونظرية المؤامرة والموقف من قضية الهجرة
جعفر المظفر
نحن مسكونين ب (دولنة) ثقافتنا السياسية وذلك لأن مؤسسة الدولة عندنا تتقدم على كل شيء, بل لا شيء يضاهيها من حيث الحجم أو التأثير. وأقصد ب (الدولنة) هنا إسقاط ظل الدولة على طبيعة تقييم المواقف. ولا أقصد به مفهوم التدويل الذي ينقل القضية من ساحتها المحلية إلى الساحة الدولية.
تتحول الدولة ذات الإقتصاد الريعي, والتي يتراجع فيها إلى حد كبير نشاط القطاع الخاص, إلى دولة موظفين, بينما تتضاءل إلى حد التصفير قيمة أي نشاط من خارجها.
واقع كهذا لا يؤثر فقط على طبيعة النشاط الإقتصادي وقدرة المبادرة والإبتكار والإختراع, بل يتعدى ذلك إلى طبيعة النظام السياسي والثقافي, إذ لا شيء يمكن أن يتحرك على سطح النظام بعيدا عن بنيته. سلوك المجتمع وثقافته ليست منعزلة أبدا عن الشكل المؤسساتي للدولة والمجتمع وطبيعة النشاط الإقتصادي لهما والعلاقة الحجمية والنوعية بينهما.
كثير من المشاهد يمكن الوقوف أمامها وهي تتأسس على طبيعة تلك العلاقة, لكن الذي يهمني هنا هو أثرها على تركيب توصيفنا لسلوك المجتمعات الغربية الذي ياتي بسبب ثقافة "الدولنة" بمعزل عن إدراك الفرق الجوهري بين التركيبتين الإجتماعية والرسمية للبلد الآخر وما يتأسس عليها من أنشطة أخلاقية وسياسية.
لنضرب مثالا على ذلك .. موقف الأوروبيين من قضية المهاجرين, وخاصة النمسا وألمانيا, أسقطنا عليه طريقتنا في (دولنة) توصيف المواقف, وهذا ما نسميه بمرض التعويم الذي يشحن المشهد العام بكل تفاصيله في قارب أحد مشاهده ويهمل جملة المشاهد التي تتفاعل لتركيب الموقف العام, رغم أن بعض قواربها قد تكون أوسع وأمتن.
في محاولة البحث عن تفسير لموقف ألمانيا والنمسا من قضية المهاجرين السوريين والعراقيين لم نتردد أبدا عن (دولنة) سلوك هاتين الدولتين. صار الموقف الإنساني الألماني بنظرنا كله (ميركلي) التصنيع: نسبة إلى المستشارة الألمانية, حتى أننا إعتبرناها ولية من أولياء الله, بينما رأينا على الجانب المعاكس كيف إنطلق آخرون من نفس (ثقافة الدولنة) لتفسير الموقف النمساوي والألماني وفق نظرية المؤامرة, فأشاروا إلى أن كلا الدولتين تهدفان من خلال إحتضان المهاجرين إلى سد النقص الذي تجابهه على صعيد المواليد والحاجة إلى الأيدي العاملة الأمر الذي لا ينعزل عن وجود مخطط حقيقي يستهدف مجتمعاتنا لإفراغها من طاقاتها الشبابية وإستثمار كوادرها العلمية والمهنية المهيئة والجاهزة للزج بها في سوق العمل.
في النهاية كلا الموقفين, الإيجابي والسلبي, أي (نبونة ميريكل : جعلها نبية من أنبياء الله) أو شيطنتها (وفق نظرية المؤامرة) ينطلقان من ذات النقص الثقافي الذي يعبر عن نفسه عن طريق إسقاط ثقافة لدولة ومجتمع على ثقافة أخرى تختلف كليا من جهة العوامل الخاصة المتفرقة التي تسهم في تركيب المشهد العام.
"دولنة" التقييم من قضية المهاجرين, سلبا أو إيجابا, معناها هنا إقصاء تأثير كل ما هو إجتماعي, ثقافي وسياسي, وحصرالحديث بالموقف الرسمي الصادر من مؤسسة الدولة ممثلة بمستشارتها. وموقف كهذا لا يفتش عن إمكانات أن يكون هناك تأثير حاسم للرأي الشعبي العام على بناء الموقف السياسي للحاكم, لذلك سرعان يتم اللجوء فورا إلى "دولنة" الموقف سلبا أو إيجابا وتنسيبه لرأس السلطة أو مؤسسة الدولة.
إن الدعوة إلى حساب تأثير التركيبة الإجتماعية الثقافية والسياسية على القرارات النهائية للدولة لا يبخس حق الحكومة أو الحاكم الذي يصدر القرار النهائي, أو يضعف من دوره القيادي في تحديد الصيغة النهائية للقرار, بل أراه هنا متفاعلا مع كل ذلك, فالحاكم المقتدر هو الذي يضع عينا على الرأي الوطني العام وعينا على قدرته لتشذيب إهتمامات ذلك الرأي عند صياغة القرار الرسمي في نهاية المطاف, فيحسب القرار على اساس هذه التفعيلة له ولشعبه في ذات اللحظة.
"ميركل" لم تصدر قرارا "ميركليا" بل أصدرت قرارا "ألمانيا" وكذلك فعل رئيس وزراء النمسا فقد أصدر قرارا نمساويا, وهو لا شك قرار إعتمد على الرأي المتغلب للشارع الألماني في تلك اللحظة, مضافا عليه بصمة المسؤولية الإنسانية والوطنية للحاكم نفسه, وهو لا شك قرار كانت الغلبة فيه لثقافة التيارات الإنسانية التقدمية على حساب التيارات اليمينية العنصرية ذات المواقف المعادية لقضية المهاجرين.
لا يعني ذلك أن قادة هذه الدولة ليست لهم بصمتهم الخاصة على طبيعة القرارات التي تتخذها الحكومة, بل أن رأسها لم يكن قد تم إختياره للزعامة من بين كل الرؤووس الزعامية الأخرى من غير تقدير لبصمته الخاصة, غير أن حسن الأداء غالبا ما يرتبط بالقدرة على قراءة الرأي العام المتغلب والمساهمة في صناعته ومن ثم صياغة القرارات التي تعبر عن ذلك الرأي أو تتناغم مع معانيه. وإن من الطبيعي أن تفتش الدولة عن ما يفيدها أيضا ولا يربك مسيرتها وأداءها ولا يؤثر على طبيعة المجتمع, لكن المستوى الإنساني الذي بلغه المجتمع غالبا ما يكون له النصيب الأوفر في تركيبة القرار الحكومي النهائي.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر عسكري: إسرائيل تستعد لتوسيع العملية البرية جنوب لبنان


.. لماذا يحتكر حزبان فقط السلطة في أمريكا؟




.. غارة على الضاحية الجنوبية لبيروت والجيش الإسرائيلي يطلب إخلا


.. معلومات جديدة عن استهداف إسرائيل لهاشم صفي الدين




.. الحرب على لبنان | لقاء مع محمد على الحسيني