الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عزاء صامت..قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2015 / 9 / 23
الادب والفن


التقيته في بيت صديقي رغيد، أسمه "آدري"، هو من وافق على سكني في القرية قالها صديقي.. كان يعمل مديراً في بلدية المحافظة قبل احالته على التقاعد.. طويل القامة نحيف رخيم الصوت في بداية العقد السابع من عمره.. بيته لا يبعد كثيراً عن بيتي.
مضت السنون، هاجر صديقي الى السويد ، تزوج هناك، لقد كان العراقي الوحيد في القرية. كنت إذا رأيت "آدري" صدفة مع زوجته، تبادلنا التحية السريعة والسؤال السريع ونمضي.
في احدى الأيام تصادم من بعيد وجهي مع وجه زوجته في السوبر ماركت.. رفعت يدها ورفعت يدي أحييها .. شيء ما دار في رأسي، كانت تتسوق لوحدها ومنذ مدة طويلة لم أرهما .سألت نفسي يا ترى هل افترقا فهي زوجته الثانية، تزوجا على كبر وكانت صديقة زوجته.
تذكرتُ حينها جاري "ياب" قبل ثلاث سنوات كان خير معين لي.. ساعدني بتصليح دراجتي النارية، ربطتني معه علاقة ودية عمره عند منتصف السبعينات ، طويل القامة، ضخم البنية، ابيض الشعر لا يملك سوى ضرسين وسن قاطع في فمه، في احدى الأيام دلفت بيته عند المساء، كان الرجل يعشق الخمر قال لي: المرأة الهولندية تعشق النقود وأخرج محفظته، طرحها فوق الطاولة وأردف، زوجتي طلبت الطلاق مني حين فقدت عملي إثرَ إصابتي؛ لكني هددتها.. قام من مكانه وفتح دولاب مكتبته وأخرج مسدساً، لا اعرف مدى صلاحيته، قلت لها، بهذا المسدس سأقتلكِ لو تزوجتي !!، لم تتزوج لحد الآن .. إمرأة طاعنة في السن تسكن الشارع الآخر .
أمنيته الوحيدة، الذهاب الى بنَما.. تحققت بعدما بلغ الثامنة والسبعين، غادر مع صديقه، لمّا عادا توفي صديقة بعد شهر بحادث.. ومرض ياب جراء سفره. كانت رحلة الوداع.
سيارة اسعاف واقفة قرب داره، ركضت اليه..أخرجوه المسعفين مربوطاً على الحمّالة.. أدرت وجهي الى ضحكة استفزتني، كانت جارتي الفضولية التي طالما عصيّ اسمها عليّ واصبحتُ اناديها في بيتي صاحبة الكلب، تُكلمُ من شباك غرفتها العالي جارتي الأخرى والتي كانت واقفة قربي، قالت: قد يكون في حالة سكر ولا يدري... ضحكتا.. لكن خيّم الحزن على وجهي.
بعد ثلاثة أيام كانت سيارة واقفة قرب داره، دخلتُ بيته مسرعاً وكان صديقه.. جالس يحتسي البيرة ودمعته صامته في عينيه قال: لقد كان المرحوم صديق أبي، قبل وفاته طلب مني أن أغطّيه بعلم بنما .. سيدة بعمر الأربعينات معها شاب دخلا علينا، حمل الشاب طقم أسنان صناعية ..يضحك ويقول: هذا ما تركه لي جدي ...صُدِمت!! وصمَتَ معي عزائي.
عادت بي ذاكرتي عندما كنت صغيراً، توفى "زاير شامخ" رجل كبير في السن، يسكن الشارع خلفنا، جاءت مركبة كبيرة عارية السقف "لوري" حملت نساء لبسن السواد، بعباءاتهن السوداء ربطنّ خصرهنّ، وصبغنّ وجوههنّ بالطين، نزلنَّ رباعاً رباعا، يلطمنّ بإيقاع يفتت الصخر بلحنه؛ حتى وصلنّ بيته.. والرجال تحلقوا فيما بينهم، حمل أحدهم عَلَماً أخضر اللون رفعه بعصا، نهايتها التصقت بكرة معدنية تبعث خرخشة عند هزها، يدورون حول الدائرة، وآخر حمل مسدساً، يضرب العيارات النارية .عندها عَلِمَ من لا يعلم أن "زاير شامخ" انتقل الى جوار ربه.. هذا ماكنت أراه في العزاءِ.
هاتفي يرن كان صديقي الذي هاجر الى السويد.. منذ اكثر من عام لم أسمع صوته.. بعد أن تبادلنا الكلام والإشتياق سألته عن" آدري "؟
قال :رحمه الله لقد توفى منذ أكثر من عام، اتصلت بي ابنته وقالت لقد توفى أبي!!..
صعقني الحزن وأنا أعيش غربتي، حيث تشتت في أصقاع الأرض أهلي ، وعزاء صامت أحاط بي .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل