الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علم أحمر

سليم البيك

2005 / 10 / 23
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كان ساري يمشي إلى حيث لا يدري, و كأنه يكتشف شوارع و أزقة مدينته للمرة الأول, ينظر حوله, يبحث بين ضجيج و دخان السيارات عن شيئ ما أو شخص ضائع. و كأن مشهد المدينة تنقصه عناصر ضرورية لنفخ الحياة فيها عله يجدها صدفة في تفاصيل اليوم و الشارع. للجمود السياسي و الثقافي انعكاساته على نفسيات السكان و على تفاصيل الحياة اليومية بروتينها القالتل لأي باعث حياة. كثيراً ما ثار ساري على هذا الوضع و دافع عن رفضه له. كانت له آراؤه و كان دائم الإصرار على الدفاع عنها رغم اللون الواحد المزمن للحياة السياسية و الثقافية و المناقض للونه..
قطع صمت مدينته, الغارقة في الضجيج, زمامير سيارات و فانات بدت له و كأنها بعجقتها و أصواتها وجدت فجأة. التفت ساري إلى الخلف ليفاجأ بأعلام حمراء ترفرف خارجة من النوافذ. ابتهج.. ارتعب.. صدم.. لم يصدق.. لا أعلم, و لكن شعوره كان قوياً آنذاك لقوة المشهد الذي رآه..
لدى ساري علمه الأحمر, أحمر, ليس بلون الدم.. بل الوردة الحمراء. يتوسطه رسم, بل تتوسطه ثورات أممية.. أحلام شعبية.. رسم تشي جيفارا.. يتحدى الشمس بنظرته. لم يكن باستطاعة ساري رفع هذا العلم.. ارتكب رفعه في عدة مناسبات أعقبها تردد قسري على فروع الأمن.
تجمد ساري في مكانه ينظر مندهشاً إلى الأعلام الحمراءالتي تغطي في مشهد سريالي سماء مدينته, فكر في نفسه..هنالك طريقة لرفع علمي الأحمر إذاً..هنالك طريقة!
بعد حوالي الأسبوعين خرج ساري و علمه بخطوات تتسابق مع ظلها, و حين وصل إلى الملعب رفع علمه الذي صعب تمييزه في زحمة الأعلام الحمراء الكثيفة...و بأعلى صوته يصرخ و كأنه يشجع فريقاً, يجهل اسمه, يرتدي ملابس, يقال بأنها حمراء. خسر الفريق و لم يستطع ساري رفع علمه في شوارع المدينة.. وفرشت الشوارع بأعلام رمادية..
بات ساري يتابع مواعيد مباريات ذلك الفريق الذي كثيراً ما ينسى اسمه. في المباراة التالية حمل ساري علمه على كتفه.. ينظر حوله و لكن مبتسماً هذه المرة, مع شعو جميل باستغباء رجال الأمن المنتشرين, في حالتهم الطبيعية, في كل مكان, (يحرسون)الإنسان و يبقونه في (أمن) دائم!
أخذ ساري حريته في رفع علمه في الملعب دون طلب الإذن المرفوض مسبقاً من فرع الأمن, إن تجرأ على الطلب. و في طريق الرجعة رفعت الأعلام الحمراء ابتهاجاً (بالانتصار). كان ساري يتألم لسوء فهم الرسالة التي يحملها علمه, و لكنه أيقن أنه إما أن يصادر العلم و كذلك عدة أيام من حياته في الاعتقال..و إما أن يوصل رسالته تحت غطاء رياضي بعيداً عن المضامين السياسية و الثقافية لعلمه, فاختار الثانية مرغماً عل الرسالة تصل إلى شخص في كل مئة..
انفصل ساري عن مجموعة المشجعين ليتجه نحو البيت, في الطريق رآه ثلاثة من مشجعي الفريق الخاسر.. تربصوا به إلى أن دخل أحد الأزفة المعتمة فأسرعوا في مشيهم إلى أن وصلوا إليه و صبوا جام غضبهم للخسارة و كرههم للون الأحمر و غيظهم من ابتسامته الواثقة المستفزة.. صبوا كل هذا الحقد عليه, فاختلط لون دمه بلون العلم الأحمر الذي ناله هو الآخر نصيبه من التمزيق. بعد أن أفرغوا ما فيهم من رمادية, هربوا مهرولين إلى أن وصلوا إلى مخرج للزقاق.. فمشوا و كأن شيئاً لم يكن.. تماماً كرجال الأمن!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فصائل المقاومة تكثف عملياتها في قطاع غزة.. ما الدلالات العسك


.. غارة إسرائيلية تستهدف مدرسة تؤوي نازحين بمخيم النصيرات وسط ق




.. انتهاء تثبيت الرصيف العائم على شاطئ غزة


.. في موقف طريف.. بوتين يتحدث طويلاً وينسى أنّ المترجم الصينيّ




.. قتلى وجرحى في غارات إسرائيلية على مخيم جباليا