الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد في نشرة أخبار!

مصعب وليد

2015 / 9 / 24
الادب والفن


"بعد أن سمروني و ألقيت عيني نحو المدينه
كدت لا أعرف السهل و السور و المقبره
كان شئ، مدى ما ترى العين
كالغابة المزهره
كان، في كل مرمى، صليب و أم حزينه
قدس الرب
هذا مخاض المدينه"
- بدر شاكر السياب

مُنْذُ أن أصبحت مواطناً سليم الفكر، وتعرضت الى تجاربٍ شديدة التعقيد، إعتقدت بأنني قادرٌ على سرد الأحداث دونما التطرق الى التفاصيل الصغيرة، فأجبرت نفسي على قول الأمور مقطعةً دونما الإدلاء بها دفعةً واحدة، كما الأفلام دونما تحويلها الى مسلسلات مملة؛ هذا ما سوف أسرده عليكم:

أؤمن بأن هنالك بلد، وإيماني لا يكفيني سعر فنجان قهوة في هذا البلد، ولا يقيني الحر إن تهت في أزقة المدينة... هنالك بلد، هذا الأمر المنطقي الوحيد في مُخيلتي، لا ريب في ذلك ولا دليل واضح على ذلك، لكن "يخلف عليه"؛

هنا بلد، وزجاجة مكسورة تدّعي أنها مرآة للبلد، وبلد فوضوية في صورة غامضة، مغبشة بالأحرى، تدّعي إنعكاسها في تلك الزجاجة المكسورة؛ شاعرٌ إدّعى معرفته بالحقيقة ووثقها بمقولةٍ مسروقة بأن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، ونُشرت غالباً بالإشارة الى مسقط رأسه "فلسطين"، وحين التدقيق والتمحيص؛ تراها خُصّت "باريس" بذلك.

هنالك بلد؛ يعتقد موظفٌ حكومي، لا يتجاوز راتبه خمسة عشر ورقة من فئة المئة، بأنه بلد تحول من وطنٍ يسكنه الأحرار الى بلد للأجار؛ ويعتقد طالبٌ، أنهى السنة الثالثة من دراسته الأكاديمية وإعتقد بأنه أتمّ الثقافة دفعةً واحدة، بأن البلد تحول، بصورة لن يدركها العقل، من ملجأ للحضارة والثقافة الى بلدٍ ملئه الخراب؛ صديقٌ ثوريٌ لي لعن البلد، عندما أصبح قادتها رموزاً يُغنى لهم في ذكرى الإستشهاد، أو الوفاة، حسبما ذُكر على لسانه!

أؤمن بأن هنالك بلد، هذا أمرٌ أكيد؛ فالأرصفة التي أمرُ بها ليلاً دليلٌ على ذلك، وصوت مُحركات السيارات الحديثة كذلك دليلٌ واضح، صوتُ "أم كلثوم" من مطعم شعبي يوشك على إغلاق أبوابه لتأخر الوقت برهانٌ آخر... كلابٌ ساهرة في ظلام الليل الداكن موقنةٌ بذلك، لكنها حائرةٌ من أمر تأخري في عملٍ ليس لي، حسبما تُشير شهادتي الجامعية بأنني "مُترجم"؛ شرطي المرور مؤمنٌ بأن هنالك بلد، لكنه متردد من أمر مركبة حديثة النوع يملكها شابٌ إبن رجل "واصل" في الحكومة، تجاوز إشارة المرور عند إنتقالها التدريجي من الأخضر فالبرتقالي فالأحمر، زائر إعتيادي للمقهى الذي أعمل فيه، واثقٌ بان هنالك بلد، لكنه متردد من أمر طلبه الذي أحضره له يومياً دونما سؤال مني.

هنالك بلد، الأمر أصبح إعتيادياً، تبعاً لتسارع إيقاع الأحداث اليومية، ونوبات الحنين التي تأتي دفعةً واحدة لقلوب الجماهير الغفيرة المعتقدة بأن البلد مُجرد إعترافٍ في الأمم المتحدة؛ أؤمن بكل ما سبق، والأهم أن هنالك بندقية سقطت في البلد... هذا ما أصرت عليه نشرات الأخبار، وما غناه "زقطان"؛ ما أصرّ عليه جدي "المختار" الذي لم أحظى بفرصة للقاءه على باب الدار، ما تحدثت عنه جدتي قبل أيام، ووثقته شوارع رام الله التي كانت ممتلئة بآثار الحجارة قبل سنين قمرية، ما أشار إليه طالب علوم سياسية في السنة الرابعة في محاضرة تختص بالقضية حينما وُجه إليه سؤالٌ حول تاريخ "الإنتفاضة الأولى" أو كما ينطقها الفلسطينيون وفقاً لمعجمهم الخاص "إنتفاضة الحجارة"، وأجاب ببلادة: "وكيف لي أن أعلم؟!" رغم توثيق المؤرخ الفلسطيني، الذي لم يُكافئ بمعرفة واسعة على نطاق الشارع الفلسطيني، بذلك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل