الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكم والزمن في وعي المشكلات الأقتصادية

أحمد إبريهي علي

2015 / 9 / 24
الادارة و الاقتصاد


ازمة المالية العامة او عجز الموازنة ، وكما هو المتوقع، مناسبة لأعاده استعراض الأفكار والتحليلات وتقديم مقترحات للسياسة الاقتصادية. ومما يستدعي إنعام النظر ،حقا، في وعي الموضوعات الاقتصادية ان الكثرة الغالبة ممن تحدثوا في الفضائيات او كتبوا في الصحف اشاروا على الحكومة التوجه إلى الزراعة والصناعة، من بين مقترحات أخرى، لمواجهة العجز المالي وتداعياته. وكأنهم أغفلوا تماما ما يعنيه مؤشر إسهام الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي ، متضمنا النفط الخام، حسب احدث التقديرات وهو 4.1 بالمائة، ومهما كانت السياسات فماذا عساها ان تفعل في سنة واحدة او سنتين . وأن الزراعة والتعدين غير النفطي والصناعة التحويلية كلها مجتمعة اسهمت بنسبة 7.4 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2014. وهنا تأتي اهمية الكم والزمن في وعي الحقائق الاقتصادية، فمن جهة الكم حتى لو اكتشف العراق وسائل عجيبة للنهوض بالزراعة والصناعة ونمت بنسبة 15 بالمائة في السنة فسوف يرتفع ناتجها من حوالي 19.4 ترليون دينار، الذي يقدر عام 2014، إلى 22.3 ترليون دينار بزيادة 2.9 ترليون دينار . فهي ليست برافد كبير للدخل الوطني ( القومي) كي يعول على زيادتها في سد جزء ولو يسير من نقص الإيراد النفطي، ولا يمكن لذلك التحسن المفترض في أدائها دعم الموازنة بضرائب إضافية على نشاطها. والارتقاء بهذه القطاعات ينتمي إلى إطار زمني تتعامل به التنمية الاقتصادية وهو بين المتوسط والبعيد وليس الموازنة المالية لسنة 2015 او التي تليها.
في الدول المتقدمة ثمة تناسب بين الطاقة الإنتاجية الكلية التي يعبر عنها مفهوم الناتج الممكن ومجموع المشتغلين . ولذلك ترتبط ظاهرة البطالة بالطابع الدوري للنشاط الاقتصادي : ايام الفتور عندما يقصر الطلب الكلي عن تشغيل الطاقة الإنتاجية بالمعدلات الممكنة تتجاوز البطالة النسبة الاعتيادية لها . ولهذا السبب البنيوي تعد البطالة هناك موضوعا للسياسات المالية والنقدية لأنهما تؤثران في تشغيل الإمكانات القائمة للاقتصاد الوطني. اما في العراق فللبطالة اساس بنيوي اشير إلى احد مظاهره آنفا في الزراعة والصناعة . سكان العراق ينمو بحوالي 3 بالمائة سنويا وازداد من 13 مليون إنسان بداية الثمانينات إلى ما يزيد على 30 مليون حاليا بتقديرات تصل في حدها الأعلى 36 مليون انسان، و يتناسب حجم السكان في سن العمل مع مجموع السكان ، وكانت التنمية الاقتصادية متعثرة او متوقفة لأغلب سنوات تلك الحقبة التي تجاوزت ثلاثة عقود. فالوعي الزمني والكمي للاقتصاد يقتضي المطالبة باعتماد سياسات تضع العراق على مسار التنمية السريعة للطاقة الإنتاجية الكلية من اجل توظيف حقيقي للقوى العاملة بعيدا عن الاشتغال الهامشي في اعمال القطاع غير المنظم وتضخيم اعداد منتسبي الدولة وهي المعضلة التي نعيشها الآن. والسياسة الاقتصادية التي تقود إلى حل جذري للبطالة لها علاقاتها الكمية الضرورية وإطارها الزمني المختلف عن السياسة المالية التي تنشغل في إدارة عجز الموازنة العامة للأمد القصير.
إن الالتباس في وعي الكم والزمن شائع لدينا مع الأسف. ومن الأمثلة الصادمة على هذا الالتباس ان احد المتحدثين في وسائل الأعلام اجاب على سؤال كم تسهم الزراعة الآن في تشغيل القوى العاملة فرد بثقة " من المعلوم ان 65 بالمائة من العراقيين يعملون في الزراعة" .
وهو لا يعي خرافية هذا الرقم بكل المقاييس لأن نسبة سكان الريف إلى مجموع السكان في العراق اقل من 30 بالمائة . وعند استحضار التناسب بين السكان والقوى العاملة، ومعرفة ان اهل الريف الذين يعملون في القطاعات الحضرية اكثر بكثير من اهل المدن الذين يعملون في الزراعة ، تصبح نسبة المشتغلين في الزراعة من مجموع القوى العاملة دون 30 بالمائة بمسافة مهمة.
والجدل حول نسبة البطالة لا يخرج عن ذلك النمط من الوعي إذ تستمع إلى شخصيات مؤثرة في الرأي العام يتحمس في التشكيك بتقديرات نسبة البطالة في العراق دون ان يتساءل عن يسط النسبة ومقامها. ولا ينتبه إلى ان تلك البطالة هي من السكان النشطين اقتصاديا. وبالتالي هي لا تقدم معلومات ذات معنى دون ان يحضر في الذهن تعريف السكان النشطين اقتصاديا. وهذه الفئة في العراق تضعها التقديرات الإحصائية، المستمدة من التعدادات السكانية والممسوحات الإحصائية اللاحقة، حول 28 بالمائة من مجموع السكان بينما نسبة السكان في سن العمل تقترب من 58 بالمائة من مجموع السكان.
وغياب الكم في وعينا للعالم يكاد يشمل مساحة الاقتصاد بأكملها فعندما تستمع إلى احاديث المسؤولين والخبراء وهم يناقشون مسائل الأجور ومستوى المعيشة تفهم انه لا يوجد ضابط كمي للقول ان هذا المقدار من دخل الأسرة والأجر قليل او كثير. وليس من المبالغة ان من جملة اسباب الأخطاء التي ارتكبت في قرارات الرواتب لمنتسبي الدولة ومسؤوليها الكبار غياب تلك الضوابط. وأشهد ان الارتباط بين الأنفاق الحكومي والناتج المحلي الإجمالي ونمط تغيير نسبة الأول إلى الثاني في سياق التطور الاقتصادي كان غائبا تماما في النقاشات التي تناولت الرواتب الحكومية ، مثل غياب ضرورة التناسب بين الراتب ومتوسط الدخل الأسري الممكن في العراق بعد النظر في نسبة المشتغلين من الأسرة إلى عدد افرادها بالمتوسط .
ولا تجد احدا يسأل عن الصلة بين متوسط الناتج المحلي للفرد ومتوسط الدخل الأسري للفرد كي يفهم بارتياح لماذا يختلف تعريف خط الفقر في الولايات المتحدة الأمريكية عن الهند والعراق ومصر مثلا. وأن نسبة السكان دون خط الفقر تكون مضللة ما لم يعرف المتحدث والمتلقي كم هو دخل خط الفقر ونسبته إلى متوسط الدخل الأسري. أما ان يربط بين الراتب ( او الأجر) ومتوسط إنتاجية العمل في العراق فهذا شبه مستحيل. لأن هذه الصلة وكثير غيرها ما بين المتغيرات الاقتصادية يسمونها نظرية. وهذه المفردة " نظرية" تستخدم عادة في اوساط الشخصيات المهمة للدلالة على غير الواقعي او العقيم. نعم يتحدثون عن الإنتاجية لكن بضبابية لا تخفى على المستمع المدقق، لأن الإنتاجية في تلك المقاربة منفصلة عن مرحلة تطور الاقتصاد العراقي تقنيا وتنظيميا. وإذا تدخلت بالقول ان الإنتاجية دالة في ( تعتمد على ) متوسط رأس المال للعامل وعوامل اخرى محددة للكفاءة، وأن تغيرها عبر الزمن هو مرآة لتراكم راس المال وما يجسده من مستحدثات تقنية، فهذا الكلام ، ايضا، من الصنف النظري عند المؤثرين في الرأي العام.. وللحديث صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة شي جينبينغ إلى فرنسا: تعاون اقتصادي مع باريس وبحث التو


.. إلى أي درجة يستطيع الاقتصاد الإسرائيلي تحمل تكاليف الحرب؟




.. هل يواجه الاقتصاد الإسرائيلي مخاطر الركود التضخمي؟ وما معنى


.. تعمير -هاني العسال وكيل غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 10-5-2024 بالصاغة بعد