الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكم والزمن في الوعي الأقتصادي: تتمة

أحمد إبريهي علي

2015 / 9 / 24
الادارة و الاقتصاد


صحيح ان الإيراد النفطي يطمس الأهمية الجوهرية للارتباط بين الإنتاجية والأجر، وبمرور الزمن تتشكل بيئة ثقافية - اجتماعية تسمح بانفصام الإنتاج عن الدخل القابل للاكتساب. لكن بناء قاعدة إنتاجية على اساس التنوع والتكامل لتقليل الاعتماد على النفط، وهو الشعار الرئيسي في السياسات المعلنة لجميع الأحزاب من خمسينات القرن الماضي وإلى يومنا، يفترض اتجاه النية لبناء اقتصاد يمتلك ذاتيا مقومات النشوء والتطور. وبذلك يعمل بنفس الضوابط والآليات الاعتيادية ولا يقوم على إعانة من خارج نظامه تأتي من مورد نفطي او بوسيلة اخرى. ويتعذر إنجاز هذه المهمة التاريخية العملاقة بالتواطؤ مع تسطيح وتشويه الوعي بالحقائق الاقتصادية، خاصة بعدما اصبحت مفردة الاستدامة على كل لسان.
ومن المعلوم ان ناتج الاقتصاد المنشود يتوزع الدخل الذي يولده بين تعويضات المشتغلين ، سواء اتخذت شكل الأجر المدفوع فعلا او ما في حكمه، والفائض الذي يسمى فائض العمليات او عوائد عوامل الإنتاج الأخرى. وبالقسمة على عدد المشتغلين نفهم ان الأجر بالمتوسط يساوي الإنتاجية مطروحا منها متوسط فائض العمليات للمشتغل. وهكذا يتضح ان مجموع تعويضات المشتغلين لا تتجاوز الناتج وان متوسط الأجر لا يتجاوز الإنتاجية. فهل فطن متخذو القرارات في سياساتهم الحكومية إلى هذه الحقيقة لينسجموا مع شعار التنمية خارج قطاع النفط الخام.
فعندما تنمو تعويضات المشتغلين بأسرع من الناتج تتقلص حصة فائض العمليات اي تنحسر تدريجيا إمكانية النشاط الاقتصادي لخدمة وظيفتين اساسيتين هما تمويل الأنفاق الحكومي من الضريبة التي وعاؤها فائض العمليات ويتقلص الادخار وهو المحدد للاستثمار والنمو تبعا لذلك. وهذا ما يعنيه القول ان الاقتصاد حساب وعند الخوض في السياسة الاقتصادية دون اشتغال الذهن بالحساب تزداد المخاطر. فعندما نتناول سياسات الأجور ومستوى المعيشة ننطلق من الكم في الاقتصاد خارج النفط : الناتج والمشتغلين وتعويضاتهم وفائض العمليات ونلاحظ حركة الإنتاجية وصلتها بالتراكم الرأسمالي الذي هو الاستثمار الذي يموله الادخار... وهكذا لتكون العلاقات الكمية الضرورية هي الأساس التحليلي وليس الخيال الشعري.
نفهم ان البداية المنطقية للمباشرة بمقدمات الانطلاق على مسار النمو المستدام تتمثل في منع المورد النفطي وكيفيات التصرف به من تعطيل فاعلية تلك العلاقات الكمية الضرورية ونعي ان الاستثمار هو الذي يعين الزيادة الممكنة في الناتج التي تتوزع بين زيادة في فائض العمليات وأخرى في تعويضات المشتغلين وهذه الأخيرة تبين كم يرتفع متوسط الأجر في ضوء الإضافة إلى اعداد المشتغلين لنفس الفترة.
و لا يعني هذا التوصيف ، بالطبع ، حرمان الناس من الرفاه الإضافي الذي يسمح به مورد النفط . بل ينظم الانتفاع عبر سياسة معقدة تقوم على جملة من القواعد منها:
- إن بناء اقتصاد مستدام خارج النفط يتطلب ان تسمح فوائض العمليات بمعدلات مرضية لصافي العائد على رأس المال بعد الضريبة. وهنا المقصود بعد الضريبة في اقتصاد غير نفطي يعتمد تمويل الأنفاق الحكومي فيه على الضرائب. ومن هذا المنطلق تمنح الإعفاءات الضريبية ، جزئية او كلية، لتلك المشاريع التي تحقق تلك المستويات من العوائد. لأن توظيف الإعفاء الضريبي لإدامة أنشطة واطئة الكفاءة يكرس الاعتماد على النفط ويديم تعرض الاقتصاد والمجتمع لاضطرابات السوق النفطي دون امل بالخلاص.
- وان الفائض المقصود ومعدل العائد على رأس المال يحسب بأسعار صحيحة اقتصاديا للمدخلات والمخرجات. اي لحساب هذه العوائد تستبعد الإعانات وأثر الرسوم الجمركية وغيرها على الأسعار.
- وبذلك تنتفع عملية التنمية من الإعفاء الضريبي ، المستند إلى المورد النفطي، لتوجيه اكبر ما يمكن من فائض العمليات إلى الاستثمار، ليرتفع معدل النمو وتزداد فرص تشغيل القوى العاملة مع تزايد متوسط الإنتاجية ليتحسن الأجر والدخل الأسري ومستوى المعيشة بصفة مستمرة دون ان يكون هذا التحسن معيقا للاستثمار لكي نتجنب تنتقض السياسات الذي يؤدي إلى الإحباط الذاتي ودخول الاقتصاد في حلقة نازلة من التغذية السلبية المتبادلة بين العوائد والاستثمار الجديد .
- يمكن تقديم إعانات للأسر دون خط الفقر من مورد النفط.
- توجيه مقادير متزايدة من مورد النفط إلى الاستثمار في البناء التحتي بمختلف فروعه لأن الاستثمار الإنتاجي يتناسب مع حجم رأس المال في البناء التحتي. وتخصيص بعض المورد النفطي إلى الاستثمار الإنتاجي عبر دعم تأسيس الشركات المساهمة الجديدة بمبادرة حكومية .
نؤكد ان المهم حضور الكم وعلاقاته في الذهن الاستشاري وأذهان متخذي القرار للتخلص من الصخب المربك في تناول قضايا الاقتصاد. وهنا نعود إلى فضاء الاستثمار – الادخار ونذكر المتطابقة المعروفة وهي ان الادخار الوطني يساوي الاستثمار المحلي زائدا فائض ميزان المدفوعات الخارجية. فإذا كان الاقتصاد يعمل مع فائض في الحساب الجاري لميزان المدفوعات يكون الاستثمار المحلي أدنى من الأذخار الوطني ، حتما ، ويستثمر الفرق في الخارج. فلا يمكن الجمع بين فائض في ميزان المدفوعات وتدفقات استثمارية صافية من الخارج، فعندما تريد السياسة الاقتصادية استقبال مثل تلك التدفقات فأما ان تحدث عجزا في ميزان العمليات الجارية الخارجية بسياسات اقتصادية توسعية او تعتمد إجراءات ترفع مستوى النشاط الاستثماري في الداخل. والمقصود بميزان العمليات الخارجية الجارية الصادرات، من السلع والخدمات، مضافا إليها تحويلات الدخل ومطروحا منهما الاستيرادات من السلع والخدمات، وتحويلات الدخل إلى العراق. بلغة أخرى عندما ينخفض الأذخار، بسبب انخفاض فائض العمليات، ينخفض الاستثمار ايضا وتوجد فرصة ، عادة ضئيلة، لزيادته من صافي الاستثمار الأجنبي الداخل للعراق. ونعلم ايضا أن انخفاض فائض العمليات بالمتوسط للعامل او إلى رأس المال يفيد تراجع جدوى الاستثمار، كما تبين آنفا، وإذا تراجع النشاط الاستثماري نتيجة لانخفاض الجدوى فلا يمكن زيادته لا بمزيد من الأذخار ولا بالاستثمار الأجنبي. ولم تكن هذه العلاقات الكمية الضرورية حاضرة في مناقشات سياسة الاستثمار الأجنبي في العراق.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. آل حمد: هذه خطتنا لدعم النمو الاقتصادي في الخليج


.. مصر تبدأ أول خط إنتاج للسيارات فى عام 2025




.. ما حجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل؟


.. من عمر الـ54 عاماً لغاية الـ62... أماني ربيع تحقق عشرات المي




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 11-5-2024 بالصاغة