الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخروج من الغيبة

زيد كامل الكوار

2015 / 9 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


أزفت ساعة البث الصادح المدوي لكلمة الشعب العراقي الفصل بعد سبات بارد مظلم طويل امتد عقودا طويلة غيب صوت الشعب العراقي عن المشهد السياسي العام، ذاك السبات الذي اضطرته إليه الحكومات المتوالية، التي احتكرت المجال السياسي الذي استأثرت به ، منتهجة التعسف والاضطهاد الفكري والاستبداد والتفرد بالسلطة ، وكبت وانتهاك الحريات الشخصية، وانتهاك حقوق الإنسان في التعبير عن الرأي والحصول على المعلومة ، والتنعم بعيش كريم يضمن على الأقل الحد الأدنى من الحقوق والحريات ، واليوم وبعد كل تلك الفترة المظلمة فكريا وسياسيا واجتماعيا ، يعود الشعب العراقي لينفض عنه غبار السنين مستذكرا ومستلهما نضاله الخالد في ضمير العراق يوم كان الشارع العراقي مصدر القلق والخوف الأوحد للحكومات صارخا بأعلى صوته رافضا الظلم والتهميش والفساد ، لا يحركه غير شعوره الوطني الصادق المستقل عن التسييس والانتماء لغير العراق أيا كانت ماهيته وكنهه . خرج العراقيون بكل مكوناتهم الدينية والقومية ، تزين عرسهم الكبير جموع النساء الحاشدة التي أثبتت وعي وشجاعة المرأة العراقية وإدراكها جسامة دورها الحيوي الفاعل والمهم . لقد كانوا وبحق سلميين لا سلاح بأيديهم غير الحق الذي يطالبون به ، وصدورهم العارية المليئة إيمانا بالقضية العادلة المشروعة، لا تدفعهم إلى ما خرجوا إليه غير عراقيتهم و حقهم في أن يحلموا بعراق أفضل ، عراق مدني ديمقراطي موحد ، بلا فساد ولا محاصصة ، ولا جهل أو فقر ، وكانت السمة العامة والطابع الغالب لتلك التظاهرات الراقية ، حرص المتظاهرين على المال العام والسلمية المطلقة وتجنب الشعارات الفرعية والتأكيد على الوحدة الوطنية ، مشيدين بالبطولات التي يسطرها مقاتلو الجيش العراقي الباسل والقوات المتجحفلة معه من الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي العسكري والبيشمركة وأبناء العشائر ، في حربهم ضد الإرهاب الداعشي التكفيري ، إنها تظاهرات لأول مرة تطالب الحكومة بمحاسبة المفسدين وفي الوقت عينه تساند رئيس الحكومة وتحثه وتشد على يديه وتمنحه الثقة والتخويل الشعبي . هذا الوعي العالي للمتظاهر ، واضح المطالب والتوجهات، الصريح الشجاع المستقل ، هذا الصوت المدوي الذي ما أن قال قولته وأسمع الحكومة لاءه الكبيرة التي هزت عرش المفسدين وصدعت أركانه الخاوية ، فبدأوا بالتهافت الواحد تلو الآخر يفضح بعضهم بعضا تراشقا بالاتهامات فكل يدفع التهمة عن ساحته ليلقيها في ملعب صاحبه ، والمتظاهر يتفرج منتشيا يزهو بنصره الكبير الذي منحه زخما ودافعا هائلا لمواصلة التظاهر ورفع سقف مطالبه حتى يحقق جميع ما يرى أنه يستحقه . بل آل المتظاهر العراقي على نفسه أن يعوض كل سنين السبات والغيبة غير متراجع ولا متخاذل مهما تكالبت عليه مؤامرات الفاسدين وكيدهم ، وقد أفلح المتظاهر العراقي في استقراء الأحداث وعلم أنه عرضة للاستفزاز والاعتداء ومحاولات حرف مسار تظاهراته عن اتجاهها المدني الديمقراطي الحضاري ، الداعي إلى الدولة المدنية التي تحفظ للإنسان كرامته وحريته في الاعتقاد، ورغم محاولات المفسدين المتضررين ، إفراغها من محتواها الوطني عن طريق سحبها باتجاه الرموز أو الشخوص أو الكيانات ، وبالرغم من تصرفات بعض القوات الأمنية غير المقبولة في بعض المحافظات ، كان المتظاهرون المثقفون على أتم استعداد لاحتواء تلك المحاولات البائسة وتجييرها لمصلحته والسيطرة عليها بحكمة ووعي كبيرين ، نعم لقد خرج العراقي من الغيبة الطويلة التي أجبر على دخولها منذ بداية عقد الستينات ، وقد شب عن الطوق ولن يكب ظهره ولن يجلد بعد اليوم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب