الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار العراقي، الانغلاق في الماضي ام الانفتاح على الحاضر

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2015 / 9 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


اليسار العراقي، الانغلاق في الماضي ام الانفتاح على الحاضر
دكتور جاسم الصفار
بغداد 24/09/2015
المراقب لوضع التيارات اليسارية العراقية التي تنسب شعاراتها السياسية المبالغة في ثوريتها، الى الاشتراكية والشيوعية، لابد وان يلاحظ بانها قد استسلمت لحالها كمجاميع صغيرة مفتتة ومنقسمة على نفسها ومصابة بالتكلس العقائدي الذي يمنعها من رؤية البون الشاسع بين ما تردده من شعارات وبين الواقع المعاش.
وحتى تلك التي تعتبر نفسها وريثا شرعيا للحركة الشيوعية في العراق، تخلت عن جرأتها في النقد والمراجعة الفكرية ولم يعد الفكر الاشتراكي اساسا موحدا لصفوفها او قاعدة تبني عليها نهجها السياسي. واهتمت قيادتها بشعبيتها عند قواعدها التي تجتر وهم الماضي المستمد من التراث السياسي للحركة الشيوعية العراقية والتاريخ السياسي البلشفي في الاتحاد السوفيتي السابق، وأهملت مشروع التجديد الفكري الذي نادت به في مؤتمراتها السابقة، مستكينة لمشروع متواضع بتنظيم أنشطة نخبوية وجماهيرية وتحرير اراء سياسية براغماتية يصعب تمييز دلالاتها الفكرية الاشتراكية.
علينا ان نقر كيساريين عراقيين بشجاعة، ان المنظومة الفكرية التي نتمسك بتفاصيلها وكذلك اساليبنا في ادارة النضال الجماهيري قد هرمت تماما، ولا سبيل الا بإعادة النظر في كل تفاصيلها. واذكُر من اطلع على ادبيات الفكر الماركسي، بالنقد الذاتي الشجاع الذي كتبه فريدريك انجلز عند تقديمه لطبعة جديدة (عام 1895) لكتاب كارل ماركس (الصراع الطبقي في فرنسا بين عامي 1848-1850 ) جاء فيه : " لكن التاريخ بيَّن أننا أيضا لم نكن محقين (المقصودين، هو ورفيقه ماركس- ج. الصفار)، وأن وجهة النظر التي كنا نتسمك بها كانت وهمًا. وقد مضى التاريخ ابعد من ذلك: انه لم يبدد ضلالنا آنذاك وحسب، بل وغير تماما تلك الظروف التي يتعين على البروليتاريا خوض النضال وفقا لها. ان اساليب النضال التي استخدمت في عام 1848 اصبحت قديمة من جميع نواحيها، مما يتطلب اعادة نظر شاملة بشأنها".
لو تجاوزنا الانتهازية السياسية والهلع من امكانية عدم السيطرة على نتائج مفترضة للتغيير، فليس هنالك اي مبرر لوضع فيتو على الخوض في المسائل الفكرية والتاريخية، واطلاق حوار دون محرمات من اجل اعادة الاعتبار الى الفكر الاشتراكي في سياقات الواقع العراقي والتوجه صوب وضع نموذج فكري سياسي اجتماعي واقتصادي صالح لبلدنا الذي يناضل فيه الاشتراكيون ضمن ظروف اقتصادية واجتماعية وتاريخية وسياسية لها خصوصيتها.
وبعد فشل المحاولة التي دعونا لها، وساهمنا فيها شكليا، بان تكون صحيفة الحزب الشيوعي العراقي "طريق الشعب" منبرا يجمع افكار اليسار العراقي الحرة، في واحدة من صفحاتها، لم يعد هنالك منبر اخر غير انشطة التيار الديمقراطي العراقي. والقرار يبقى لقيادة التيار في ان تتبنى موضوع انخراط اكبر قدر من المجموعات والشخصيات اليسارية في منظماته وانشطته. وليكن التيار الديمقراطي منبرا جامعا لطرف هام من اطراف الحركة الوطنية العراقية على قاعدة الاستقلالية في الرأي والتمسك بالمشتركات.
وليس من ضير في مواقف نقدية، جريئة في نقدها لكل التراث السياسي والفكري للحركة الاشتراكية العالمية والمحلية، "فالقانع بحاله، كما يقول الكاتب الروسي الكبير مكسيم غوركي، ما هو الا خراج قاتل في جسم المجتمع". ان الجرأة في النقد والانفتاح على كل الافكار التي يمكن ان ينثرها الاشتراكيون في منابر وانشطة التيار الديمقراطي المختلفة، هي الاساس للوصول الى نموذج فكري سياسي صالح لاستيعاب تكتيكات الاشتراكيين في نضالهم اليومي والمرحلي.
ولكي ما تكون البداية الصحيحة اليوم لانطلاق فكر يساري حر في اطار التيار الديمقراطي العراقي، يجب ان تكون لهذه الافكار اهداف مشتركة تشخص المشروع الاستراتيجي لحركة اليسار الديمقراطي العراقي. والهدف الجامع، في رأينا، لاغلب الاشتراكيين والشيوعيين، هو بلوغ صيغة امثل لمفهوم العدالة الاجتماعية والاقتصادية. فان توحد الهدف، يصبح على الاشتراكيين والشيوعيين العراقيين مهمة وضع تصور واقعي لأساليب النضال من اجل بلوغه.
والواقعية في الرؤيا تفترض ان نعترف بانه لم يعد هنالك نموذج واحد لبناء الاشتراكية، يعمم على كل بلدان الكون. وانه لم يعد عند الاشتراكيون والشيوعيون الا خيار واحد، وهو الانتقال التدريجي بالمجتمع والاقتصاد في سلسلة من الحلقات التطورية صوب هدفهم بتشييد نظام يقوم على صيغة امثل من العدالة الاجتماعية التي تضمن لفئات المجتمع الدنيا، حياة كريمة مستقرة مدعومة بحزمة من الضمانات الاجتماعية والصحية المتطورة، اضافة الى ضمان تطور القاعدة الاقتصادية للمجتمع سواء في مجال الضوابط الحقوقية التي تحكم علاقات ووسائل الانتاج او في مجال دعم وتنشيط القاعدة التقنية والعلمية للاقتصاد، بشقيه المالي والانتاجي.
اضافة الى ذلك، فان الواقعية تعني كذلك، ان اي تغيير سيبقى محض خيال دون ان يكون معبرا عن حاجات المجتمع، ودون ان تكون القوة الطبقية التي تقع على عاتقها مهمة التغيير، قادرة على فهم اغراضه وتبنيها. فلم يعد هنالك جدوى من الشعارات والطروحات الثورية الانعزالية المفصلة على مقاس النخب الثورية، "فقد ولى، كما يقول فريدريك انجلز، عهد الانقلابات والثورات التي تقوم بها اقليات واعية صغيرة على رأس جماهير غير واعية. فحيثما يقتضي احداث تغيير للنظام الاجتماعي، يجب على الجماهير نفسها ان تشارك وان تكون قد فهمت بنفسها ماهية الامر، والسبب الذي من اجله تساهم في التغيير".
لم تهزم الاشتراكية والمنهج الفكري الديالكتيكي بسقوط التجربة السوفيتية، بل هزمت المشاريع البونابارتيه الطامحة لبناء نظام اشتراكي تشتق لبنته من بطون الكتب والافتراضات المتهالكة في قدمها عن السلطة ودكتاتورية البروليتاريا وحرق المراحل والمصادرة العامة والشاملة للملكية الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مسيرة واعدة
علي عدنان ( 2015 / 9 / 25 - 19:14 )
يلوح في الافق نجم لتيار دمقراطي واعد يحترمه الناس ويتكلمون عنه
المظاهرات الاخيرة جمعت الكثير تحت الشعارات التي يطلقها التيار
اتوقع ان يشق التيار الدمقراطي طريقه بمسيرة واثقة تلم بهموم ومطالب شعبنا

اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن