الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(( صرخة ))

حسناء الرشيد

2015 / 9 / 26
الادب والفن


(( صرخة ))


كنتُ متعبة , نعم , أنا أشعرُ بإعياءٍ شديد .. بالكاد أحاولُ أن أفتحَ عينيّ .. رأسي يؤلمني بل كلُ جسمي ... أنا لا أستطيعُ الحراكَ بسهولة
هناكَ آلامٌ في وجهي وعنقي , كتفي كذلكَ يؤلمني وأجزاءٌ من ظهري .. يا إلهي .. الكدماتُ تملأُ جسدي .. أنا أشعرُ بيدِ امرأةٍ إلى جانبي لم أستطع معرفتها .. كنتُ أسمعُ صوتها وكأنهُ يأتيني من مكانٍ آخر .. من حلم أو ربما كابوس شديد الظلمة .. كانت تمسحُ شيئاً ما عن وجهي .. أظنني كنتُ أنزف .. لم أكُ أشعرُ إلا بألم .. ألمٍ شديد .. وجعٌ في كل جسدي وفي روحي كذلك , كانت تتوسلُ بي أن لا أتكلم بعد الآن وتلومني وتندبُ حظي العاثر في ذات الوقت : ( ما الذي دعاكِ للردِ عليهم ؟؟ أأنتِ بخيرٍ هكذا .. ؟؟ شاهدي حالك .. ) , وأنا لا أستطيعُ الردَ عليها .. بالكادِ أفتحُ شفتيّ لأطلبَ بعض الماء فقد جفَ فمي .. أشعرُ بتشققِ شفاهي .. بصعوبةٍ أحاولُ تبيّنَ ما يحيطني , نساء , فتياتٌ شابات وبعضُ الأطفال .. كلهم يرتدون اللون الأبيض .. أينَ أنا ... هل هوَ (عيدُ القربان ) أم ماذا ؟ .. لا أظن فنحنُ لا نضربُ بعضنا في أعيادنا .. بل لا نفعلُ هذا أبداً .. وأنا ابنةُ أكبر القوم لا يجرؤ أحدٌ على ضربي وإن بالمزاح ..
أنا أحاولُ تمييز الوجوه من حولي , نعم , أنا أعرفُ بعضهن .. تلك هي ابنةُ عمي .. هي تجلسُ خائفة , وجهها ممتقعٌ وتبكي بحرارة
هناك في الجهة البعيدة تجلسُ جارتنا الطيبة , كنتُ أحبها كثيراً لكني أستغربُ هيأتها .. ما بالها لا تغطي رأسها ( عرفتها ملتزمةً دوماً ولا يفارقُ الشالُ الأبيضُ شعرها ) !!
ما الذي يحدث .. هل ماتَ أبي .. ؟؟ .. ربما قد ماتَ فعلاً لكن أنا .. ما الذي دهاني ؟؟ ما بالي أعاني كل تلك الآلام ولا أقوى على الوقوف أو الحراك ؟؟
أمدُ يدي نحوَ شعري .. أينَ ذهبت ضفيرتي الذهبية الطويلة , كانت تلامسُ الأرض كلما هممتُ بالجلوس وكنتُ أضعها إلى جانبي وأحتضنها قبل نومي .. فما بالُ شعري منثورٌ هكذا على وجهي ..؟ .. لم يحدث أن كنتُ رثة الهيئة يوماً وأنا أشعرُ أني هكذا الآن
آآآآآه .. ما الذي حدث .. أنا لا أذكرُ شيئاً .. بصعوبةٍ أحاولُ فهم ما يحدث .. أحاولُ استذكار أي شيءٍ ولكن ما من جدوى
بدأتُ أتبينُ الأصوات من حولي .. كانوا يحيطونَ بنا , هم أيضاً يرتدون البياض ... لحاهُم طويلة ورائحتهم تشبهُ رائحة الحيوانات الميتة وهم مثلها كذلك .. كانوا يمرّون بسرعةٍ من أمامي .. ( من هؤلاء .. ؟؟ ) , قلتُ لنفسي .. كنتُ أخشى الكلام .. لا أدري ما الذي جعل الخوف يتسربُ إلى قلبي حينها ولكني أجهلُ كلَ شيء وهذا ما زاد من خوفي
طأطأتُ رأسي أرضاً فقد كان يؤلمني جداً وكأنَ معولاً يدقُ بقوةٍ في داخله .. اقتربَ مني أحدهم , هذا ما شعرتُ به .. كانَ يقفُ أمامي وقعَت عيناي على قدميه .. كانت أظافرهُ طويلة هذا كلُ ما استطعتُ تمييزه .. تعالت الأصواتُ من حولي .. تلك المرأة التي كانت إلى جانبي توسلَت إليه بكل ما أوتيَت من قوة أن لا يأخذني معه .. لم أفهم سبب بكاءها الحار حينها .. من هي ... وما الذي يودُّ أن يفعله بي لتناشدهُ وتتوسل له بهذه الطريقة الغريبة ؟؟
الصراخ يتعالى من حولي وأنا .. أنا كنتُ تماماً كجثة .. كان يجرني من يدي , يحاولُ أن يجعلني أقفُ على قدميّ وحين لا أقوى على ذلك يمسكُ شعري بقوة وأنا أتألم , أصرخ , أرجوك ابتعد عني .. ما الذي تريدهُ مني ؟؟ صوتهُ الأشبهُ بفحيح الثعابين يجيبني بقهقهةٍ متعمدة : ( ستعرفين بعد قليل .. فالجميع هنا يعلمنَ ما الذي نريدهُ منهن , ما بالك تجهلين كل شيءٍ يا ابنة الكبير ؟ أظنهُ لم يحسن تربيتك _ والدكِ الشيخ _ ) .. تعلو الضحكات الهستيرية حينها .. وهوَ .. أحاولُ أن أتبينَ ملامحه .. أنا لا أستطيعُ أن أرفعَ وجهي نحوه فأنا منهكة للغاية .. فقط أستطيعُ رؤية فمه وهو يتكلم ... أسنانهُ صفراء قبيحةُ المنظر خُيلَ لي لوهلة أنه يأكلُ لحوم البشر .. وكأني رأيتُ الدماء تسيلُ من بينها .. يرعبني منظره , رائحةُ الحيوانات الميتة ذاتها تنبعثُ من طيات ملابسه البيضاء .. ولحيتهُ مُخضبة أو هكذا تبدو .. لا أدري لكن لونها كان أقرب إلى الحمرة منهُ إلى السواد
كانَ يجرني بعنف , لم أكُ أفهم كل كلامه لكني استطعتُ فهمَ بعض المفردات التي تفوهَ بها بعضُ من مررنا بهم وهو يجرني بعنفٍ من شعري ويمشي بسرعة أقربُ إلى الهرولة ... كانوا يسبونني بأفظع العبارات وكنتُ أصرخ , أبكي بفزع رغمَ أني لم أفهم ما الذي سيحلُ بي فعلاً !!
أدخلني خيمةً كانت قد نُصبَت في تلك الأرض التي لم أعرفها حتى , دفعني نحو سريرٍ كان مفروشاً هناك .. لم تكُ الخيمة لتكفي سريراً أكبر منه .. كان عفناً , بائساً , مُلطخاً ببقع غريبة لم أستطع معرفتها
كانَ يصرخُ بي , فهمتهُ هذه المرة فقد كانَ يتكلم بلهجةٍ قريبةٍ إلى اللهجة العراقية , لديَ العديدُ من الصديقات المسلمات وهنَ يتكلمنَ اللهجة ذاتها وأنا أستطيعُ فهمهن , ( يله كافي .. صار هواي ننتظرج بت الشيخ مو يوميه متخربطه علينا .. بعدين ... آني الي لازم أبدي بيج ) ........ ( أشتبدي وأشنو تريد ) ....... أجبتهُ بفزع ...... ضحكَ بسخرية فبانت أسنانهُ الصفراء ذاتها ( أشنو أريد ؟؟ ....... ضحكتيني يا شيخة ...... ها ها ها .. , أريدج أنتي .. الربع ينتظرون سراهُم واني الي راح أبدي ............. يله كافي أسئلة .. ) , وكأنَ كلامهُ هذا أنهضني من غيبوبتي بضربةٍ على رأسي .. حينها تذكرتُ كلَ شيء .. نعم , هم ( الدواعش ) , حققوا معي قبل عدة أيام .. ضربوني بقوة لأني لم أزودهم بأي معلومات عن عمل والدي وأبناء عمومتي لكني فعلاً لا أعرفُ شيئاً , أنا ابنةٌ مُدللة .. ولدتُ هكذا ولا شأنَ لي بعملِ أبي أو أعمامي
صرختُ بهلع .......( لا , أرجوك .. أستحلفكَ بكل مُقدساتك .. بالله الذي تؤمنُ به .. أرجوك , لا تجعلني أفقد كل شيء .. يكفيني ما حلّ بعائلتي .. أنا لستُ مسلمة فبمن أستحلفك ؟؟ بالشمس التي أؤمنُ بها ؟؟ هي من خلق الله الذي تدّعي أنكَ تؤمنُ بهِ أيضاً ..... أرجوك , بحقِ محمدَ والمسيح .. بحق ( لالش ) اعفُ عني , أعتقني لوجه ربك .. ) , صرخاتي اختلطَت بضحكاته الهستيرية ذاتها ..... كان يضحكُ ويضحك وهو يتقربُ إلى جسدي ويمعنُ الإيغال في انتهاكِ مُقدساتي التي حفظتها عن أعينِ الناس طيلة حياتي .... صيحاتُ التكبير كانت تعلو خارجَ خيمتي ..... وأنا , أنا .......
(( الله أكبر .. الله أكبر )) ... يتعالى صوتُ المؤذنِ في جهازي المحمول , فأنهضُ فزعةً من نومي .. صراخي يختلطُ بنداء التوحيد ..... وتساؤلاتي تغمرُ أجواء غرفتي التي تنتحبُ جدرانها بفزع تماماً كما أفعل أنا ..
(( أشهدُ أن لا إله إلا الله )) ... أيرضيكَ يا ربي ؟ ... لن أقولَ " إن كان هذا يُرضيك فخُذ حتى ترضى " فأنا لا أظنكَ ظالماً .. ما يحدثُ لنساء وطني لا يُرضي ربَ عائلة أو شيخَ عشرة فكيف يُرضيكَ وأنتَ ربُ الأرباب ؟؟ !!

(( أشهدُ أن محمداً رسولُ الله )) ... يا محمد , يا رسول الله أنتَ شفيعُ أمتك , أترضى بأن تُغتصبَ الأيزيدياتُ والمسلماتُ باسم دينكَ الذي دعوتَ له ؟؟ ... باسمِ رسالتكَ التي جاهدتَ لأجل نشرها في بقاعِ الأرض ....... أين شفاعتكَ يا رسول الله ؟؟ !!

(( أشهدُ أنَ علياً وليُ الله )) ... يا سيفَ الأسلام , يا ذو الفقار ... باسمِ من يقتلونَ ؟؟ أتُردَ الشمسُ لأجلك ولا يكسفَ الكونُ كله لأجلِ فتياتٍ فُضَت بكارتهنَ في وضحِ النهار ؟؟ .. ألم تُنادكَ إحداهنَ حينها ؟؟ وإن لم تفعل لأنها ليست مسلمة فأينَ ذهبت الإنسانية لتتجاهل نداءات استغاثتها وصرخاتها الفزعة حينها ؟؟ !!

(( حيَ على الصلاة )) ..أتصحَ الصلاةُ فعلاً في أوطان منتهكة وأراضٍ مغصوبة ؟؟

(( حيَ على الفلاح )) ... ضاعَ الفلاحُ في أرض المسلمين .. !!

(( حيَ على خير العمل )) .. هم يدّعونَ أنَ خيرَ الأعمال هي التي تبدأُ باسم الله وتنتهي باسمه وهذا ما يفعلونهُ مع اغتصابِ كل فتاة !!

(( الله أكبر .. ألله أكبر , لا إلهَ إلا الله )) .. أينَ أنتَ يا ألله ؟؟ .. يُقتلُ باسمك , وحالَ الذبحِ يُكبَرُ باسمك كي لا تفقدَ الذبيحةُ شرطاً من شروط طهارتها .. !!
يُنادى باسمكَ على المآذن وتُصنعُ العبوات المفخخة داخل حُجراتِ المساجدِ ذاتها .. وحين نستغيثُ باسمك لا يجيبنا أحد .. أيُعقلُ أنَ ما يحدث هو ما تريدهُ فعلاً .. أيُعقلَ أنكَ أنتَ من تريدُ للظلمِ أن ينتشر ؟
لماذا .. ومن أجل من ؟؟ ... ما الحكمةُ من كل هذا يا ربي
إلهي ... ضحايا هذا الظلمِ كُثر ...( شهداء ) ..... ؟؟ نعم هم كذلك وسينعمونَ بجنتك الموعودة لمثلهم كما أخبرتنا في كتابك الكريم ولكن أبناءهم , نساؤهم , أمهاتهم ؟؟؟ ما الذي سيحلُ بهم حينها ؟
أيَ قلوبٍ كسيرةً ستُتركُ بعدهم كي تتخبطَ في متاهات الحياة الأكثرَ قسوةً مما اعتقدوا يوماً ؟
كيف ستكبرُ أنتَ في قلوبهم إن كان ذويهم قد ذُبحوا باسمك العظيم ؟؟
فأينَ أنتَ يا ألله .............. ؟؟؟؟ !!!


(( بقلمي - حسناء الرشيد ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07