الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابن ` المعلمة `… قراءة في معايير المفاضلة والاستحقاق

جواد كاظم الدايني

2015 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ابن " المعلمة "
قراءة في معايير المفاضلة والاستحقاق
جواد كاظم الدايني
الكثير من الاشياء تبقى راسخة في الذاكرة, ولا تستطيع مغادرتها حتى مع تطور الوعي والادراك وتقادم الزمن, خاصة انها دائمة الحضور في حياتك وتعيد انتاج نفسها باشكال جديدة. اهم تلك الاشياء هي معايير وقيم المفاضلة التي لم تسمح لافراد المجتمع من أن يأخذ كل واحد منهم مكانه ودوره الصحيح داخل الدولة كشرط صحيح للتطور والتفوق. خلال مراحل الدراسة الاولى, يتذكر جميعنا ( أبن او بنت ) المعلمة او المديرة او الرفيق الحزبي, والامتيازات التي كانوا ينعمون بها, والتي تضمن لهم دائما الوقوف في الصف الاول للمتفوقين والاوائل بغض النظر عن شطارتهم في الدراسة , وهم مقدمون علينا في كل شيء ويحضون دائما بالفرص الجيدة. لم اكن اشعر بالتمييز( العنصري) فحسب, لكني بسبب تفوقي " النقي " كنت اشعر بالظلم. ما لم ادركه حينها هو خطورة وكارثة هذا التمييز والمحسوبية عندما يصبح وتصبح بعد ذلك القاعدة والمعيار في اختيار رجال الدولة في مفاصل الادارة ودوائر صنع القرار السياسي والاقتصادي, وبدل ابن المعلمة اصبح ابن السيد او ابن عم الرئيس او اخ الوزير من الذين لا يحملون من مؤهلات غير علاقات المصاهرة والنسب الشريف !. انها ثقافة راسخة في المجتمع والدولة, يدعها رصيد هائل من التخلف والانحطاط الفكري والاخلاقي وسيطرة العقلية البدوية المتعصبة على سلوكنا ووعينا المريض. من المراحل التي عايشتها مبكرا ايضا كانت الحرب العراقية الايرانية في الثمانينات من القرن العشرين والتي انتجت فئات جديدة تمتعت بأمتيازات لا تصلح للمفاضلة والمنافسة العادلة, كأصدقاء السيد الرئيس من ابطال الحرب والموت وابنائهم, او كوادر الحزبيين في البعث, وذوي شهداء الحرب, وكل الولادات ( الطاهرة ! ) ذات النسب الرئاسي.
بعد الهزيمة التي مني بها نظام صدام اثر غزوه الكويت, وما تلاها من حركات تمرد ثارت ضد النظام بسبب سياساته القمعية, في جنوب العراق وشماله, او ضد الشيعة والاكراد بشكل ادق, طفح التمييز الطائفي بشكل كبير جدا, وصاحب الذاكرة الجيدة يتذكر تصنيف صدام للمحافضات العراقية بالبيضاء منها والسوداء في اشارة الى المحافضات التي ثارت ضده والتي وقفت الى جانبه في قمع الانتفاضة واصبح المعيار الطائفي طاغيا في ادارة نظام صدام للدولة والمتمثل بغياب متعمد للشيعة والاكراد عن مراكز الادارة والسياسة في البلد, الا طبعا من رحمهم البعث بهباته !.وبسبب عدم وجو سبب مقنع دفعتني تحليلاتي لتفسير عدم قبولي في كلية القوة الجوية العراقية هو اسمي الثلاثي الذي يفوح منه عبق الانتماء الاطائفي والذي لا ذنب لي فيه. بسبب عزلنا التام عن العالم الخارجي لم يكن بين ايدينا غير همسات من هنا وهناك عن ظلم وتعسف يتعرض له الشيعة والاكراد وعلى تلك الهمسات بدأ توجهنا الديني الطائفي مع نهايات العقد الثمانيني دون من صورة واضحة عما نحاول فهمه ولا جدواه ناهيك عن لخطورته.
بدأ النظام يتصدع بسبب حروبه العبثية والعقوبات الاقتصادية التي اضعفته, وبدأت الفجوات تظهر هنا وهناك فكانت الكتب التي تتحدث عن تاريخ النظام الدموي وقصص حروبه وسياساته تجري بين ايدينا بدأ من تصفية اعضاءه المعارضين لسياسة صدام ثم انقلابه في السبعينيات على شركاءه من الشيوعيين وقصف النظام بالطائرات الحربية لمسيرة اربعينية الشيعة 1977 وانتهاءا بالثورة الشعبانية التي اعقبت هزيمة الكويت واسطورة المقابر الجماعية التي ابدعتها العقلية الاجرامية انظام البعث.
بعد عشر سنوات من تلك الهزيمة والانهاك والضعف وخرف الشيخوخة الذي بدا عليه, بدأ يعوض كل ذلك بمزيد من القسوة والرعب بحيث تنال من الحظوة التي تمتع بها اصحاب المحافضات البيضاء لذا سوف يضهر معيار جديد في اختيار اصحاب الامتيازات بعد ان ضيق النظام دائرة الولاء الى العشيرة والمنطقة لا وبل حتى البيت الواحد.
في منتصف العام 2003 سقط نظام صدام بشكل رسمي بمعونة امريكية خالصة, وكل الذين عارضوا نظامه جاوؤا ليشغلو مناصب الدولة الجديدة, مقدمين أنفسهم بديلا لاعادة تصحيح مسار الدولة, خاصة وانهم يعتبرون انفسهم ضحايا للتهميش والتمييز. الصدمة الاخلاقية التي عصفت بنا كانت عجز وفشل مسؤولي الدولة الجدد في تصيح مسارها وبدا الامر اشبه بتبادل الادوار مع نظام صدام البائد, وكأنما لم تخلق ممارسات نظام صدام طبقة " المهمشين " بل خلقت طبقة من " الهامشيين " على الحياة والقيم الاخلاقية الذين لم يتخلصوا من عقدة الاضطهاد ولم يترجموا معاناتهم بلغة التسامح بل اوغلوا في الحقد والثأر, تاركين الدولة جانبا ومركزين على جانب فقير وبائس يعكس مستوى وعيهم الضحل, وهو كيف يزن ويقدر قيمة معارضته لنظام صدام ؟ كيف يحافظ على تفاهة المعايير التي همشتهم سابقا ؟. لقد اعادوا احياء النظام القديم بكل مفصل من مفاصله, بحيث اصبح المعيار والاستحقاق قائما على تسميتك كمعارض لنظام صدام ويشمل ذلك بالطبع كل ما يحيط بك من شبكة علاقات النسب والمصاهرة والمصالح الحزبية, وفي اغلب الاحيان كانت تلك الشبكات تكتض بالفاشلين ومعدمي والثقافة وانصاف المتعلمين من المتدينين واعضاء الاحزاب الحاكمة وافتقار اعضائها للمؤهلات العلمية والتخصصية التي تحتاجها الدولة لتمشية امورها.
كل الذين اثروا البقاء في العراق وتحملوا ظلم النظام لهم, كانوا وما يزالون يحلمون بالعدل والانصاف, يريدون ان يفهموا ما العلاقة المنطقية والاخلاقية التي تربط بين الاستحقاق المكاني المسؤول وبين ان تكون معارض فاشل او ابن شهيد او مظلوم سابق او ابن سيد او مضطهد. " الحكمة اساس العدل " هذه مقولة الامام علي التي لا تفقهها كل الاحزاب الدينية الحاكمة وحتى غير الدينية, فعندما تريد ان تبني نظاما عادلا فعليك ان تضع كل شيء في مكانه وزمانه الصحيح وهذا هو معنى الحكمة في هذه المقولة العظيمة التي تفتقر لها اخلاقياتنا وسلوكنا السياسي والاجتماعي. كل المسميات التي ذكرناها من حقها ان تأخذ استحقاقها المناسب بما لا يخل بنظام العدالة والاستحقاق, فلا يجوز ان تمنع استحقاقا حقيقيا لابن عاهرة مقابل استحقاق قائم على طهارة المولد والنسب, ولا ان تكون في وضع خاص يجعل من الاستحقاق عملية نهب مستمرة تصادر حق الاخرين فيه .

Saturday, 26 September 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في شمال كوسوفو.. السلطات تحاول بأي ثمن إدماج السكان الصرب


.. تضرر مبنى -قلعة هاري بوتر- بهجوم روسي في أوكرانيا




.. المال مقابل الرحيل.. بريطانيا ترحل أول طالب لجوء إلى رواندا


.. ألمانيا تزود أوكرانيا بـ -درع السماء- الذي يطلق 1000 طلقة با




.. ما القنابل الإسرائيلية غير المتفجّرة؟ وما مدى خطورتها على سك