الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اقنعة الارهاب والمخفي ابشع

كرار حيدر الموسوي
باحث واكاديمي

(Karrar Haider Al Mosawi)

2015 / 9 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


فكيف تم تبرير كل ما نراه اليوم من أعمال للقتل؟في الواقع، فان الغُلاة العُتاة يضعون فوق النص، أو فوق مجتزئ منه، نصا آخر لكي يبرروا به ما يرتكبون. وقد يستشهدون بحادث، ويستجلبون واقعة من وقائع التاريخ إنما بعد تجريدها من الدرس القيمي الذي وقعت لتقدمه.وهم إذ يقصدون ارتكاب الجريمة في المقام الأول، فإنهم يوظّفون النص، أو النص على النص، ليكون غطاء لها.هم يريدون القتل. ولديهم القول (على سبيل المثال) "واقتلوهم حيث ثقفتموهم". فكان ذلك كافيا لهم. أما من هم أولئك الذين يجب قتلهم، ومن أجل ماذا، فهذا ما لا يهم في ثقافة الإرهاب. لماذا؟ لأن القتل هو الهدف، بينما معنى الآية يشدد على عدم جواز الإبتداء بالقتل. فما بالك بقتل من لا ذنب له، وما بالك بمن لم يُبتل بفتنة الشرك، ومن لم يُخرج أحدا من داره، ومن لم يرفع سلاحا، بل وما بالك بمؤمن يُقتل في مسجد وهو يؤدي صلاته لله عز وجل!
الإرهابيون يرتكبون جرائمهم بإسم الإسلام، بينما مشاعر الغالبية العظمى من المسلمين تستقبلها بالإستنكار والنفور.هناك سبب وراء هذه المفارقة.فبينما يحاول الارهابيون أن يسندوا جرائمهم الى تفسيرات ظالمة وضالة، يظل من الجلي أن تلك الجرائم لا تتطابق مع قيم الإسلام وأخلاقياته.هناك نصوص وتفسيرات، إذن، يجري توظيفها كتبرير "شرعي" للجريمة. وهناك في المقابل قيم وأخلاقيات تستند الى ذات النصوص، لا يمكنها أن تقبل أي جرم. ومن التطابق أو التفارق بين النصوص وأخلاقياتها تتكشف طبيعة التوظيف وغاياته.من هنا تبدأ المفارقة. ولئن ظل الإرهاب معزولا، فبفضل إدراك متجذر ومتأصل وعميق لدى عامة الناس، جعلهم قادرين على أن يميزوا، بمحض الحس احيانا، بين الأصيل وبين الدخيل على دينهم.وثمة من الإجماع ما يسند هذا التمييز.وكما العلاقة بين الدال والمدلول، فانه لا يمكن الفصل النص المقدس وأخلاقياته دون أن يفقد أحدهما معناه.
الذين يستخدمون النصوص لتبرير ما يرتكبوه من جرائم ضد الناس، إنما يفصلون النص عن مقصده، ويسيئون إليه، ويحولونه الى جسد بلا روح.الإسلام منظومة قيم واخلاقيات. ولا يمكن قراءته أو فهمه أو النظر في تاريخه وأحداثه، من دونها.
والقيمة أرقى مكانا في الأولويات من الواقعة أو الحادث. حتى ليجوز القول إن الواقعة ما وقعت إلا لتكشف عن دلالتها للناس.الى أين يجب أن نمضي من هنا؟ أ لتكرار الواقعة أم لتكرار الدلالة؟ أ لتكرار الحادثة أم لتكرار القيم؟هذا السؤال يجعل خيط الفصل واضحا بين مقاربتين تختلفان جذريا. واحدة تنظر الى الماضي على أنه واقع قابل للعودة إليه. وأخرى تمضي الى الأمام وهي تضع الماضي نصب العين كمصدر للقيم والأخلاقيات.والحال، فإن الذين يتشبثون بالواقعة دون قيمها، مثلهم مثل الذين يتشبثون بالنص دون مقصده، إنما يُسيئون إليه، ويخرجونه من سياقه القيمي.والنص إذا كان قابلا لتفسيرات، فان مقاصده ليست كذلك. لانها تقصد الخير والرحمة والعدل والسلام. وهي مقاصد لا يكون الإسلام إسلاما إلا بها.وهذه المقاصد هي تاريخ الإسلام الحقيقي، وليس السرد الكرنولوجي لخليفة جاء، وآخر ذهب.والتاريخ هو الدرس والدلالة والمعنى، وليس الحادثة! فالحادثة تذهب، ولكن الدلالة تبقى.ومن الدلالات تنشأ الحضارات، وليس من تراكم الحوداث.وأن يُحفظ الدين باليُسر، يعني أن يُحفظ بالحكمة والموعظة الحسنة، واستجلاب المصلحة ودرء الضرر.فكيف إذا كان النص واضحا وضوح مقصده؟
إيران "دولة راعية للإرهاب" ليس لأنها مدرجة على لوائح وزارة الخارجية الامريكية بهذا الوصف. فهذا يمكن أن يُرفع بصفقة ما، فتصبح إيران حمامة سلام، وتستحق الحصول على جائزة نوبل للأعمال الخيرية.إيران "كيان" راع للإرهاب لسبعة أسباب أخرى على الأقل يجدر أخذها في الإعتبار بوصفها جذر الإرهاب ومصدره الأساس، لاسيما وأنها أرست السابقة الأولى في التاريخ التي ترهن دولةً بمشروعٍ طائفي.
أولا، الدولة في إيران جهاز غائب أو مُعطَل. في المقابل، هناك نظام ثيوقراطي قائم بطبيعته على نقض الدولة وعلى تسخيرها لخدمة أغراض لا علاقة لها بمسؤولياتها كمؤسسة عاقلة لرعاية المصالح العامة. فما لدينا في إيران هو مؤسسة دينية تحكم وتمارس سلطاتها على أسس أديولوجية قائمة على انتظار "المهدي المنتظر" وعلى تمثيل وهمي له. بكلام آخر: إنها سلطة تنتظر وهما، وتقول إنها تمثله وتنوب عنه، وتحكم بموجب تصوراتها عن نظامه.
وثانيا، الكيان الإيراني لا يعرف لنفسه حدودا نهائية. فإيران الجغرافية بالنسبة له مجرد قاعدة للتوسع، مثلها مثل الموصل ودير الزور بالنسبة لدولة داعش. وهو كيان يحرص على صنع خرائط جديدة على أساس طائفي. ووفقا للطبيعة الأيديولوجية فان "دولة المهدي المنتظر"، مثل "دولة داعش" تشمل العالم بأسره.
وثالثا، المشروع الطائفي هو بالأحرى مشروع لقنبلة أوسع دمارا من أي قنبلة نووية. فبإقامة شروخ داخل المجتمع، وبالغاء الهوية الوطنية وإعادة تركيب الهويات على أسس طائفية، وبتحويل الاستقطاب الاجتماعي نحو تمييز الفوارق وتعميقها، فان الحرب الأهلية (بالكلام أولا، ثم بالعنف المؤدلج، ثم بالتحصين المليشياوي) سوف تصبح نتيجة "طبيعية". اليابانيون تغلبوا (كشعب واحد) على آثار قنبلتين ذريتين في نهاية الحرب العالمية الثانية. إلا انه لا يمكن لأي شعب أن يتغلب على قنبلة تنفجر في كل بيت، وضد كل جار، وتكفر كل مواطن، وتجره بعيدا عن هويته ومواطنيته.
ورابعا، الكيان "الإمامي" الإيراني يوكل لنفسه مهمات تمثل انتهاكا لكل قيم القانون في العلاقات بين الدول. ومثلما لا يحترم كيان داعش قيم القانون الدولي، ويسخر منها، بل ولا يطلب منها اعترافا، فان كيان "إمامش" الإيراني يتمدد ويخترق سيادة الدول ويرسل اليها مليشيات في واحدة من أكبر السخريات ضد كل قيمة عرفها المجتمع الدولي، بل أنه لا يحترمها ولا يطلب منها إعترافا ايضا، لأنه يملك تخويلا من مرجعية "إمامية" أعلى.
وخامسا، الكيان الإيراني لا يستطيع العيش من دون تمدد (يسمى "تصدير الثورة"). فلو جاز لـ"الثورة الإيرانية" أن تتوقف عند حدود إيران، فان المهدي المنتظر سوف يزعل. ولو جاز لهذه الثورة أن تكتفي بإيران، فان المشروع الذي يشكل كل تصورها للوجود سوف يتضعضع. ولو جاز لهذه الثورة ان تنحصر مهماتها بإيران وحدها، فانها سوف تجد نفسها مضطرة الى مواجهة مستلزمات بناء دولة، الأمر الذي يعني ان الثورة لن يمكنها أن تبرر لنفسها الفشل بسبب انشغالها بقضايا "مقدسة".
سادسا، الكيان الإيراني كيان مليشياوي أصلا. أنظر في خارطة التكوينات العسكرية الإيرانية، وصلاحياتها وممتلكاتها وأدوارها، وستعرف أنك تقف حيال دولة إرهاب داخلي وخارجي في آن معا. فمن فيالق الحرس الثوري (باسداران)، الى قوات التعبئة الشعبية (الباسيج)، الى وزارة الاغتيالات (المخابرات والأمن) (إطلاعات) الى غيرها من التشكيلات شبه العسكرية، فقد نجحت "الثورة الإسلامية" المزعومة في إيران في بناء نظام مليشياوي لحماية نفسها حتى من الجيش الرسمي نفسه.
سابعا، لئن كانت إيران هي "دولة المشروع الطائفي" الأولى في التاريخ المعاصر، فإنها تعمل من أجل أن تنشئ انظمة طائفية تكون، على غرارها، أنظمة مليشياوية. أنظر الى العراق، وسترى بوضوح الطبيعة المليشياوية للكيان العراقي الجديد. انه لم يعد دولة، ولا بأي صورة من الصور، ومواطنوه ما عادوا "عراقيين" وإنما "سنة" و"شيعة" و"أكراد" و"تركمان" و"مسيحيين"... الخ. لقد تم قتل "الشعب العراقي" ليتم على جثمانه إنشاء نظام مليشياوي لكل طائفة من الطوائف.
والإرهاب هو نفسه الإرهاب القائم على تكفير الآخرين وجواز قتلهم جملة وتفصيلا. ولكن بينما يمكن أن يلتئم العالم بأسره لإزالة دولة "الخليفة" الداعشي أبو بكر البغدادي، فأن أحدا لا يذهب ليطالب بازالة دولة "نائب الإمام المنتظر"، رغم أنها تستند الى الأساس نفسه.
جاء رجل إلى ابن عمر في فتنة ابن الزبير، فقال ما يمنعك أن تخرج؟، قال يمنعني أن الله تعالى قد حرم دم أخي. قال ألا تسمع ما ذكره الله عز وجل "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا" (الحجرات، 9)، قال يا ابن أخي لأن أُعيّر بهذه الآية ولا أقاتل أحب إلي من أن أعيّر بالآية التي يقول الله عز وجل فيها "ومن يقتل مؤمنا متعمدا" (النساء، 93). قال ألم يقل الله (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة)، قال قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا وكان الرجل يُفتن في دينه إما يقتلونه أو يعذبونه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة وكان الدين كله لله، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ويكون الدين لغير الله".
وهذا الشيء الأخير هو ما يفعله الإرهاب. فهو يحول الدين الى فتنة لغاية لا علاقة لها بالدين.تاريخيا، بدأ الإنحطاط من التوظيف الإنتهازي للنص، لكي يخدم مقاصد غير مقاصده. وعامة الناس يعرفون، ولو بالحس المجرد، أن مفارقة الإرهاب التي تستعين بالنص، إنما تفترق عن مقاصد النص وكلياته وأخلاقياته لكي تحوله الى فتنة.
ما قال الصادق الأمين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، إلا لكي نفهم أنه لا إسلام من دون أخلاقياته. (وما أعظم التوكيد في ذلك الحرف: إنما)، ذلك أن بعثته، إنما كانت في الأصل بعثة أخلاق!
فإذا كان الإصلاح مطلوبا، فلعل من أول الواجب، أن يحول فقهاؤنا الأفاضل دون التوظيف غير الأخلاقي للنص. وأن يكفّ كل من أراد أن يرتكب شائنة عن اسنادها الى نصّ! وأن تُحاكم الأفعال ليس بمقدار تبريرها بنص، وإنما بمقدار توافقها مع قيم الإسلام وأخلاقياته ومقاصده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل توسع عمليات هدم منازل الفلسطينيين غير المرخصة في الق


.. عقب انتحار طالبة في المغرب مخاوف من تحول الأمر إلى ظاهرة بين




.. #فائق_الشيخ_علي: #صدام_حسين مجرم وسفاح ولكنه أشرف منهم كلهم.


.. نتنياهو يتوعد بضرب -الأعداء- وتحقيق النصر الشامل.. ويحشد على




.. في ظل دعوات دولية لإصلاح السلطة الفلسطينية.. أوروبا تربط مسا