الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
وهم الموت
هيثم بن محمد شطورو
2015 / 9 / 27الادب والفن
رواية قديمة، قديمة بمقياس زمن القراءة نسيت اسم كاتبها و عنوانها، تـتحـدث عن مربي للماعـز. كان يشتري عـددا منها و يسجنها في زريـبة. بعد مدة زمنية تموت كمدا. الكاتب يصف نظرات الموت الكئيـبة في العيون. تلك العيون التي يتحول صفاؤها إلى قـتامة تحاكي قـتامة المكان الكئيب. تلك العيـون التي تخبو اشراقـتها شيئا فشيئا إلى أن تخبو شرارتها. تـنطفئ شرارة الأمل في الخلاص فتموت كمدا. يصور الكاتب حزن الراعي. بعدها قرر شراء ماعز وحيد ليجرب معه تجربة جديدة. اهتـدى إلى ربطه بحبل طويل جدا يصلها بالزريـبة و لكنها تـتـمتع بمساحة شاسعة من الحركة في العراء. وصف دقيـق لركضها المشوب بالانقطاع و لنظراتها المطولة إلى الجبل الأخضر غير البعيد أمامها. أتـذكر أن للكاتب عبقرية في وصف عـينيها و جعـلها تـتحدث من خلال ذلك الوصف. كأنـك تستمع إلى كائن إنساني يتحدث. نظرة الشوق ذات الاشراقة الحزينة. من الممكن ملاحظة تلك النظرة عند أي كان، و لكن وضعها في محيط استـنطاق الحيوان، و استـنطاق لفكرة جوهرية أعمق توحد بين جميع الكائنات في الأرض، هو ما يعبـر فعلا عن استـثـنائية الراوي و إبداعه و أصالته. في الأخير، يتمكن الماعز من فك الحبل و بالتالي الركض في اتجاه الجبـل...
يا للوصف العظيم لذاك الركض المتواصل المتجه في كل صوب و المعانق للأعـشاب الخضراء الكـثـيفة و للأشجار الشاهقة و للرائحة المسكرة اللذيذة لأوراق الشجر. يستـنطق الكاتب كل ذلك من خلال وصفه للركض المرح المتسارع المجنون للماعـز و للاشراقة العـظيمة الطافرة من العـينين. حين أتعـبها الركض توقفت و جلست. حينها هاجمها ذئب فارتعـبت العينان و انـقـض الذئب عليها. لكن،تعود اشراقة عظيمة في العينين أتـذكر انه وصفها بالضوء المنير منبعثا منهما، و أنياب الذئب منغـرسة في عـنـقها..
اشراقة الحياة الأبدية. مات الموت باشراقة تـلك النظرة السعيدة المتوهجة بالحياة.
قال الكاتب أن الحياة لا تكون حياة إلا بالحرية. قال أن الحرية تحـقـق الاستهزاء بالموت و الإقبال على الحياة بأقصى ما لدينا من قـوة. قال الكاتب، أن الموت السابق لسجناء الزريـبة رغم الأمن و الحراسة هو موت يعاش يوميا في حياة باهتة عـقيمة تمر كأنها ساعة في نهاية الأمر، لأنها انطفاء متواصل للحياة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا حين ينطفئ الأمل نهائيا في الحرية. لكنه موت كـئيب و حزين. موت بـيـولوجي و روحي..
قال الكاتب أن الحياة الحرة و إن كانت تعترضها المخاطر فهي الحياة الحقة و هي الحياة الأبدية التي لا يكون فيها للموت أي اعتبار. الموت مجرد تهديد سخيف للوجود. الموت هنا هو وهم الأوهام بمنطق بصيرة القـلب، تلك المعبرة عن حـقيقة الوجود برمته، الوجود الأرضي و السماوي، الوجود الطبيعي و الروحي.
و من هنا يتـكـشف بهتان السلطة المانحة للحرية او الضامنة لها، فهي كالراعي الذي يربطك بحبل طويل. الحرية لا يمكن ان يمنحها لك أي كان سوى ارادتك و رغبتـك في الحياة الحـقة. اما أهل الزرائب فـقد ماتوا و انهم ميتون. العربي اليوم اختار ان يركض بحرية و ان اعترض سبيله الذئاب.. كل سلطة سياسية او برنامج سياسي او نظام سياسي لا يضع امامه هذه الحقيـقة فهو فاشل لا محالة و ستـدوسـه الاقـدام المهرولة بحرية و ان كان بلا هـدف محـدد. انـتهى عـصر احزاب الديكور و الزعيم الراعي، و انه عربـيا عصر الركض بحرية الى ما لانهاية..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن
.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •
.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر
.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا
.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى