الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن أمْ دولة ؟!

مصطفى حمدان
كاتب وشاعر

(Mustafa Hamdan)

2015 / 9 / 28
القضية الفلسطينية


على بقعة أرض صغيرة ، ضيقة ، في هذا العالَمْ الواسِع الشاسِع ، حيث اختِصرت التضاريس وأعيدَ رسم الخارطة ألف مرة
لتناسِب جنرالات الحروب ، ومَن يسيطر عليها ، أو سمسارها الجديد
وبدَتْ الحدود المجهولة تأخذ طابعها الوجودي على الأرض ، معلِنة الهدف الغامض ، وتحت شعار ومقولة ( الأمر الواقع )
أو الحقيقة الغير قابلة للتغير ، يكثر السماسرة ، تجار المراحل الاستثنائية ، ومروجي هذا الشعار المتواطئ .. المُستَسْلِم
على حقيقة الأمور وجذورها ، حيث تمَ الالتفاف حول إرادة الجماهير ورغبتها العنفوانية العفوية مِن التحرر مِن براثن المحتَل
والتي جاءت بعد ان فاض الكيل وانفجر الكبت المقاوِم والانتظار الطويل المُر لمرحلة التحرر
وبات الشعب ينتظر الحلول المطروحة المفروضة عليه ، التي زودت معاناته وصعبَت حياته اليومية ، ولَمْ يحصُد مِن نتائجها
سوى مزيد مِن القمع ، والاحتلال ، وأطال رحلة العذاب
وما بين ما أعلن ويعلَن مِن فوق الطاولة ، او تحتها ، وما يحدث خلف ستائر الغرف المغلقة ، وما بين ما فُقِد في أروقة المناورات
والمُباحثات على طاولات مشاريع السلام والاستسلام ومِن خلف ظهر شعْبٌ كامل وبكل افراده ، يخطف السماسرة قرارهم
وباسمهم يتكلمون وعنهم ينوبون في تقرير المصير ، والشعب لا زال يعاني مزيداً مِن الألم والحسرة ، والخسارة اليومية
الجارية المستمرة للأرض والأرواح .
فمَن بقيّ صامِد مغروس في ارضه وبيته ، ويتلقى الرصاص في صدره ولحم أطفاله ، ولَم يساوِم يوماَ على حقه في الأرض
أو الوجود ، اصبح اليوم ضائع ، تائه بين شعارات الوعود ، وحُقن التخذير ، والموت البطيء ، حتى هوّت قِواه وارادته
وكبِر وشاخ بانتظار يوم جديد لحريته ، ولم يعد يقوى على الصمود او المقاومة
ومَنْ رحل وابتعد لينجوا برأسه واجساد اطفاله بعْدَ ان فقد الأرض وما عليها ، بات غريباً في المنفى ، بلا جذور أو كنية
يناضِل كل يوم مِن أجل أن يحصل على وثيقة سفر ، تعترف باسمه ، ليفُر الى البعيد
------
- هيّ بقعة أرض منتزعة ، مقسمة ، مجزئة ، بدون تواصل ، دون حدود ، يحيطُها تلال ، وعلى كل تلة بُنيّت مستوطنة تلمودية
يسكنها مشعوذون الأسفار اللاهوتية ، مَن آمنوا بالسيف ، بالقتل ، ووصايا الأحبار المجنونة
الأرض لهم ، والشجر لهم ، والماء لهم ، والاخرين هم مُحتَلين مُندسين ، غرباء
وهكذا تم وعدُ الله بعد ثلاثة ألف سنة ، بأن يعود أبناء راحال وجنود داوود ، يدخلون الأرض يحرروها مِن الغرباء
يحرِقوا المدينة ، ويقتلوا أهلها ، ويطردون كل الغرباء منها
ليسكنها مَن اختارهم الرّب بان يكونوا شمعة تضيء الأرض للبشرية ، على أرض الميعاد
-------
طرق قصيرة أصبحت أميالاً طويلة وملتوية ، مملوءة بالحسرة والعذاب
وبين القرية والقرية ، وبين المدينة والأخرى ، ثكنات جنود ، معسكرات ، ومستوطنات مبعثرة
وأصغر قرية على الأرض ، قُسِمَت وجزئت ، فمنها ما يقع خلف الحائط ، ومنها ما بعد الحائط
ومنها ما قسَمها الحائط الى قسمين
والكَرْم جُزء حتى باتت الشجرة تنموا جذورها في ارض القرية ، وأغصانها في الجهة الأخرى تحت الاحتلال
وشتت الزرع وأبعِد عن صلب الأرض وبقيّ حبيساً مع البشر ، خلف حائط اسمنتي يمنع عنهم الشمس والهواء
وعلى عشرة أميال ، يوجَد عشرة نقاط تفتيش ، وبين الميل والأخر ، إما ثكنة جنود ، او مستوطنة
تتعب الذاكرة مِن ان تذهب للبعيد ، فيبقى الجسد يتلوح بين شقاء هذا العذاب اليومي المتكرر ، في رحلة المسافة
القصيرة وتفاصيلها المُذلة
عشرة أميال قليلة ، ورحلة العذاب التي تُطيح بقيمة الأنسان ، وتفقده كرامته على أرضه وبين ناسه
بعد هذا التشرذم والانبطاح ، هل بقيّ على هذه الأرض شيء لنا لنقتسمه مع الغرباء المُحتلين
وهل بقيّ شيء لنفاوِض ونتفاوض مِن أجله
-------
وطن أم دولة ، لست ادري ما اسميه ، في صخبة الأسماء ، في هذا الوقت وهذه المرحلة
وإن كنتُ ربما في غيبوبة عن الحاضر ، أو لا استوعب الحقيقة المفروضة ، أو غير واعي للأحداث وما يدور حولي
أو ربما نسيت مَن أنا وأين هيّ أرضي ، وأين يقع وطني على الخارطة
تكثُر الأسئلة العفوية في رأسي ، أحاول أن انسقها ، ان أجمعها ، وأن أسأل أحدهم سؤال واحد منها
ما اسم هذا الوطن أو هذه الدولة ؟
ما هي حدود هذا الوطن أو هذه الدولة ؟
مَن هم سكان هذا الوطن أو هذه الدولة ؟ وما هيّ جنسيتهم ؟
مَن يمثلهم وينوب عنهم ؟
أين هذا الوطن أو هذه الدولة على خارطة الكرة الأرضية ؟
ما اسم هذا الوطن أو هذه الدولة ؟
جربت للحظة ان اصدق شيءً ولو للحظة ، فوضعت اسم فلسطين في كل مواقع البحث عن المعلومات
وجاءت النتيجة المؤلمة المتوقعة ، بعيداً عن الأحلام الوردية ، والوعود الضبابية
كلمة إسرائيل اخذت حجم الخارطة بطولها وعرضها ، والقدس العاصمة ، والعلم كان يتربع على الخارطة بوضوح
وعلى هذه الأرض وما نسميه نحن (وطناً) وما يسميه عدونا (دولة) وكما تسميه السماسرة (مشروع)
يوجد رئيس دولة معترف به وبها ، وزراء ، وجيش ، ولهم علّم يرفرف على كل بناية أو هيئة تابعة أو غير تابعة
للأمم المتحدة ، تعترف بهم كل الدول ، يزورها الرؤساء وينادون باسمها (إسرائيل)
يقصدها السواح وينعمون ويترفهون بجمالها ، يأخذون معهم بطاقات تذكار مِن دولة اسمها إسرائيل
لها يوم للاستقلال ، وكثير مِن الأعياد الوطنية
يصطف الجميع أمام العلّم ، وينشُدون ويتغنون بجمال جبالها اشجارها وبحارها ، ويطلبون مِن الله أن يحميها
مِن الأعداء ، ويفتخرون بجيش الدفاع وانتصاراته
-------
على بعد بضعة أميال قليلة ، يوجَد مكانً آخر ، وقومٌ آخر ، وبعض التفاصيل
يوجد سلطة بدون دولة !
يوجد علّم لم يعترف به الكثير !
يوجد رئيس ، وزراء ، رجال شرطة ، أجهزة أمنية ، سجون ومحاكم
يوجد منصة شرّف وسجاد أحمر لاستقبال الضيوف ، يوجد حرس رئاسي
وعندما يهم أحد الوزراء أو المسؤولين من مغادرة المكان ، يطلب تصريح مِن مجند على نقطة التفتيش ، وينتظر
وهنا على هذه الأرض المشعبة ، المقسمة ، المجزئة ، المبعثرة يوجد ناس وبشر وما يسموهم ب سكان الأرض المحتلة
سجن كبير ، أو مخيّم ضخم للاجئين ، أو الأصح بالتسمية (معتقل واسع كبير)
سكان هذا الوطن - لاجئين ، نازحين ، مطاردين ، معتقلين ، سجناء ، جرحى ، شهداء
يوْلدون ويكبرون ويشيخون ، تحت عصمة الاحتلال ، ووعود الأمم
في مكان خلف السياج ، خلف الحائط ، بين ثكنات الجنود ، محاطين بمستعمرات
ومليون مشعوذ يعيثون بالأرض والبشر كما يشاءون
-------
وبعد هذا وكل هذا
وبعد هذه الأسئلة المقيتة ، المحزنة ، التي تبحث عن جواب ! يقول أحدهم مجتهداً متفائل !
هذا الواقع ولا أحد يستطيع تغيره ، حقيقة ثابتة على الأرض يجب ان نعيش معها !
هيّ مجرد اختلافات صغيرة على رسم الحدود ، سيكون هناك اتفاق ، سيكون هناك سلام !
هيّ مجرد أميالاً قليلة لم نتفق عليها !
هو مجرد خمسة مليون لاجئ بالشتات ، سنجد لهم حّل !
هو مجرد احتلال قوي ، مدعوم مِن قوى خارجية قوية ، يجب التعامل معه بدل الخسارة !
ليس بالبعيد كونه حاضراً وملموس ، وبعد مشوار التهاون والتنازلات المستمرة
سيأتي يوم نطالب به ! ببيت مهدوم في قرية مهجورة ، على تلة في جبلٍ في الخلاء
لنسميه وطناً أو دولة

مصطفى حمدان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حريق في صفد اندلع مجددا بعد إخماده أمس إثر قصف من جنوب لبنان


.. حجاج بيت الله الحرام يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج




.. حلف النيتو يعلن أنه سيتولى دورا أكبر في تنسيق إمدادات الأسلح


.. اعتصام أمام البرلمان السويدي للمطالبة بإيقاف تصدير السلاح لإ




.. أكثر من مليوني حاج يقفون على صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظ