الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيلول أسود بشع آخر

بدر الدين شنن

2015 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة سؤال هام جداً ، ينبغي طرحه في المرحلة السورية الكارثية الراهنة ، وهو : لو أن سوريا جزء من دولة عربية كبيرة قوية تضم أقطاراً عربية أخرى ، هل كان يمكن أن تطمع بها الدول العظمى والصغرى وعصابات الإرهاب الدولي الفاشية ، وتقتحم حدودها ، وتستبيح أرضها ، وشعبها ، وتدمر العمران ومعالم الحضارات فيها ، وتسبي حرائرها ، وتنهب ثرواتها ، وتقتل مئات الآلاف ، وتشرد الملايين بالنزوح والتهجير من أبنائها ؟ .
لا أعتقد أن أحداً يتمتع بحد أدنى ، من مشاعر وواجبات الانتماء الوطني والقومي ، والوعي السياسي ، والأخلاقي ، سيجيب .. نعم يمكن .

من هذا المنطلق ، يصبح من السهولة بمكان ، أن نتحدث عن " أيلول الأسود " وكيف جاء السواد إلى " أيلولنا " .. الذي كان قبل ستين عاماً ، في أغلب السنوات ، صيفاً ثانياً .. وموسم خضار .. وزهور .. متجدد .

حين نضيء ما جرى في وطننا العربي عامة ، وسوريا خاصة ، في شهر أيلول ، من مصائب وانعطافات تاريخية ، يصيبنا الذهول ، وتضطرب الرؤيا في فهم ، وتفسير ، ما جرى في الشهر ، الذي اقترن اسمه دون غيره من الشهور بالسواد ، شعبياً ، وسياسياً ، وتاريخياً . بيد أننا ، عندما نقرأ الأحداث المتعددة التي وقعت فيه ، في سنوات متلاحقة ، متباعدة نسبياً ، ونرى ترابطها موضوعياً ضمن سياق قضية عربية وجودية واحدة ، نستطيع أن نقارب مصدر هذا السواد ، ومفاعيله ، ومضامينه . وباستعراض الأحداث " الأيلولية " السوداء ، تنفتح أمامنا سبل معرفة البدايات ، وما آلت إليها الأمور ، في الواقع السوري والعربي ، وتتضح خلفيات الكثير من الأسئلة ، عن الماضي ، والحاضر ، والمستقبل .

= فجر ( 28 أيلول 1961 ) ، احتل " العقيد حيدر كزبري " قائد سلاح الهجانة ، بالتعاون مع ضباط في مواقع أخر ، وبالتنسيق مع المملكة الأردنية الهاشمية ، ومن خلالها مع قوى استعمارية ورجعية ، احتل مبنى الإذاعة والتلفزيون ، ومقر أركان الجيش ، وعدد من المواقع العسكرية الهامة في دمشق ومحيطها . وأعلن انفصال سوريا عن مصر ، وإسقاط " الجمهورية العربية المتحدة " . بذريعة تحرير سوريا من الحكم الناصري " المباحثي "، فيما كانت خلفية انقلابه هي ، العداء للوحدة العربية ، وللإجراءات الاجتماعية التقدمية ، القاضية بتأميم المعامل الكبيرة ، والإصلاح الزراعي التي صدرت في تموز 1961 - قبل شهرين من الانقلاب - . وسلم السلطة إلى البرجوازية الجشعة الضيقة الأفق ، التي أرعبها وأذهلها التأميم ، وإلى حلفائها المتضررين من الإصلاح الزراعي .

وبفصل سوريا عن مصر ، كان الانكسار القومي ، الأخطر ، والأسوأ ، في القرن الماضي ، ولم تجبر هذا الانكسار ، محاولتان لم يكتب لهما النجاح ، لإعادة بناء الدولة القومية . كانت الأولى : بعد استيلاء " حزب البعث العربي الاشتراكي " على السلطة في العراق في ( 8 شباط 1963 ) وفي سوريا في ( 8 آذار 1963 ) . حيث جرى حوار لم يكلل بالنجاح ، في " آذار 1963 " بين مصر وسوريا والعراق لتشكيل دولة عربية وحدوية ثلاثية . والمحاولة الثانية كانت في ( تموز 1967 ) ، حيث قام وفد سوري رفيع برئاسة رئيس الجمهورية " الدكتور نور الدين أتاسي " يضم ، الأمين القطري لحزب البعث الحاكم " اللواء صلاح جديد " ، ورئيس الوزراء " يوسف زعين " ، بزيارة مصر ، وقدم مشروعاً لإعادة الوحدة بين سوريا ومصر ، وكان ذلك بحضور الرئيس السوداني " إسماعيل الأزهري " والرئيس العراقي " عبد الرحمن عارف " والرئيس الجزائري " هواري بو مدين " . وكانت وجهة نظر الرئيس جمال عبد الناصر ، " أن الوقت لا يسمح لمناقشة مثل هذا المشروع " وشاطره الرأي الرئيس الجزائري ( من وثيقة - بعنوان حرب حزيران 1967 المقدمات والوقائع - أعدها عضو القيادة القطرية والوزير السوري الأسبق مروان حبش )

وهنا ينبغي التأكيد على أن الوحدة السورية المصرية لم تسقط بخيار شعبي 1961 ، كما قامت بخيار شعبي 1958 ، وإنما أسقطت بقوة الانقلاب العسكري المشبوه , ولم تكن الديمقراطية غاية الانقلاب الانفصالي ، وإنما لإسقاط المشروع القومي ومضمونه الاجتماعي التقدمي ، على خلفية مغرقة بالقبلية والرجعية ، المعادية للوحدة القومية والتقدم الاجتماعي .

= وكما شجع انفصال سوريا عن مصر إسرائيل ، على القيام بعدوان " حزيران 1967 " ، شجع مناخ الإحباط العربي المتأتي عن هزيمة حزران 1967 ، وتزايد الخواء البنيوي القومي ، شجع " الملك الأردني حسين بن طلال الهاشمي " على شن الحرب على المقاومة الفلسطينية المتمركزة في الأردن ، والقيام في أواسط أيلول 1970 بفتح نيران المدافع والدبابات على المخيمات ومواقع المقاومة الفلسطينية ، بذريعة أن المقاومة تنتهك القانون وسيادة الدولة الأردنية ، فيما كان واضحاً أن السبب الرئيس لهذه الحرب ، كان إبعاد المقاومة عن الحدود الأردنية مع إسرائيل ، سيما بعد معركة الكرامة ، وتزايد قدرات المقاومة .. ومأسسة مشروعها لتحرير فلسطين .
وكان قائد وجزار تلك الحرب " المشير حابس المجالي " منفذاً مبدعاً " لخطة جوهر " التي تتطلب القضاء على ما يمكن القضاء عليه من المقاومة ،وتجريدها من السلاح ، وطرد ما يتبقى منها خارج الأردن . وكانت محصلة تلك المجزرة ، استشهاد آلاف المقاومين والمدنيين العزل ، وتجريد الآلاف من السلاح ، واقتلاع قوى المقاومة التي تهدد أمن إسرائيل من الحدود الأردنية .
وكانت حرب الملك الهاشمي على المقاومة ، انكساراً قومياً آخر . ولبشاعته .. ووحشية ما ألحقه النظام الأردني بالمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني .. من قتل .. وتهجير .. ولما سببه من مزيد من الإحباط القومي ، أطلق على ذاك الشهر الذي وقعت فيه المجزرة .. اسم أيلول الأسود . الذي كان من تداعياته لاحقاً ، توقيع ملك الأردن معاهدة " وادي عربة " مع إسرائيل ، التي توثق أسس السلام المتبادل بين الأردن وإسرائيل .

= وقد أعقبت اتفاقية وقف مجزرة النظام الأردني ضد المقاومة الفلسطينية ، التي أبرمت بقرار من مؤتمر القمة العربية ، التي عقدت في القاهرة ، بساعات ، وفاة الرئيس " جمال عبد الناصر " المفاجئة ، والغامضة في 28 أيلول 1970 . التي أضافت بعداً ثانياً أكثر سواداً لأيلول المجزرة . إذ أن وفاة الرئيس " جمال عبد الناصر " لم تكن خسارة لرئيس عادي ، في ظروف عادية . إنه الزعيم العربي القوي آنذاك ، الذي يحمل المشروع القومي العربي المقاوم للمشروع الصهيوني ، على المستوى الرسمي والشعبي ، على امتداد الوطن العربي . ، وهو الذي كان بادئاً بإعطاء دولة الوحدة بعداً اجتماعياً تقدمياً ، متجاوزاً مفاهيم " الملكية الخاصة المقدسة " بتأميمه المعامل الكبيرة وإجرائه الإصلاح الزراعي . وهو الذي تصدى بقوة للنفوذ السعودي الرجعي في الجزيرة العربية والوطن العربي كله . وانفتح سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على المعسكر الاشتراكي ، وأسس لنهضة اقتصادية اجتماعية . وكان شريك ، جواهر لا ل نهرو ، وشوآن لاي ، وأحمد سوكارنو ، في تأسيس حركة " مؤتمر باندونغ " ومن ثم شريكاً في تأسيس " حركة عدم الانحياز " .

وبصرف النظر عن الثقوب المتعلقة بمسائل الحريات والمعايير الديمقراطية ، فإن جمال عبد الناصر ، كان في غمرة أحداث الخمسينات والستينات ، الحربية ، والسياسية ، والاقتصادية المضطربة ، في القرن الماضي ، كان رجل دولة جماهيري مصرياً .. وحامل وعد قومي تقدمي تحرري عربياً .. ورجل حرية وعدالة وسلام دولياً . وما جاء بعده في مصر والوطن العربي يؤكد على ذلك .
جاء بعده في مصر أنور السادات ، الذي تراجع عن النمط الاقتصادي الاجتماعي التقدمي ، وألغى التأميم ، وأحل محله اقتصاد السوق والانفتاح على المصالح البرجوازية في الداخل والخارج ، ووقع مع إسرائيل معاهدة " كامب ديفيد " وانسحب من الصراع مع الكيان الصهيوني . وجري عربياً تحول يميني لافت سياسي واقتصادي في الدول التي تتسم بالوطنية والتقدمية . وعادت الرجعية السعودية والعربية تمارس ، دون معوقات ، نفوذها المعادي للتطور الحضاري والقومي والتقدم الاجتماعي ، وخدمة المخططات الاستعمارية والصهيونية .

= وإذا كان من المسلم به ، أن الحرب في وعلى سوريا ، هي نتيجة موضوعية لغياب الدولة القومية القوية ، فإن من الحقيقة بمكان ، اعتبار مجرياتها ، ودمارها الرهيب ، والدماء السورية المسفوكة فيها ، هي أكثر عمقاً ، وبشاعة من أي مستوى للسواد .. وكل سنواتها الدموية التدميرية المتوالية ، تدخل في مسمى أيلول الأسود بامتياز . إلاّ أن سيرورة اللاجئين السوريين البائسة ، الذين يتقا ذفهم الإرهاب .. والموت .. والبؤس .. ولعبة المنافقين ، عبر البحار في زوارق الموت ، وعبر الحدود في مسارات الذل ، بحثاً عن ملا ذات آمنة وأفق للبقاء والكرامة ، تشكل مأساة كبيرة في أيلول سوري بشع آخر .
ودون عناء ، نستطيع أن نحدد المسؤولين عن تشكل جموع اللاجئين .. وتخزينهم كسلع في مخيمات وأماكن إقامة ، في تركيا والأردن ولبنان ، والا تجار بهم سياسياً وإنسانياً ، وأخيراً دفعهم في أيلول الجاري ، من مخيمات أر دوغان ، ومن ليبيا ، للزحف بهذا الشكل المأساوي الكثيف إلى أروبا ، وليس إلى البلدان العربية البترولية الغنية ، بمواكبة إعلامية لافتة ، وذلك كما تبين لاحقاً لاستخدام تشردهم غطاء " إنسانياً " لهجوم استعماري رجعي على سوريا . ولما بدا نتيجة تطورات دولية وميدانية متسارعة فشل مثل هذا الهجوم ، انتقلت مأساتهم إلى مرحلة أسوأ . حيث بدأت الدول الأوربية تكشف بترددها .. أو امتناعها عن قبولهم ، وفي فتح الحدود لهم عن خفايا السيناريو المعد لهم ولوطنهم سوريا . إذ تحول اهتمام الذين أظهروا الحماس من الشخصيات والدول في البدايات لإيوائهم ، إلى تحديد أماكن من يقبل لجوئه منهم ضمن اتفاق محاصصة أوربي ، ومعظمهم يحضرون للاجئين المقبولين لديهم أماكن إقامة شبيهة بالكامبات .. أو المخيمات .

وعند إمعان النظر في مشهد اللاجئين السوريين المتدفقين بحراً وبراً ، ومشهد الضحايا على رمال شواطئ البحار ، تتجلى قذارة الأطراف ، التي حرضت .. وخانت .. ودعمت الإرهاب والحرب .. وأطالت زمن الحرب .. من أجل مزيد الارتزاق والمصالح ، وتظهر حقيقة بشعة من حقائق الكارثة السورية .. وبالذات في مسار التهجير والاغتراب .. في أيلول أسود .

لقد برهنت التجربة التاريخية السياسية العربية المعاصرة ، أننا عندما نتخلى عن وحدتنا القومية ، وننصاع لمخططات الآخرين الطامعين ببلادنا .. يكون زماننا كله أسود . سواء صعد إلى درجة القتل والتدمير .. أو استقر على التخلف .. والبؤس .. والسكوت على عبودية الأجنبي .

لابديل ، من أجل التصدي الحاسم لكل أشكال التآمر والعدوان .. والتخلف .. عن إعادة الاعتبار للمشروع القومي العربي ، الذي أغنته التجربة ، بضرورة تضمينه أبعاد العدالة والديمقراطية والكرامة . والعمل شعبياً ورسمياً من أجل تجسيده دولة عربية قوية قادرة على أن تحمي أرضها .. وشعبها .. وثرواتها . وتعتمد على نفسها قبل الاعتماد على الصديق .


و








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو: غانتس اختار أن يهدد رئيس الوزراء بدلا من حماس


.. انقسامات داخلية حادة تعصف بحكومة نتنياهو وتهدد بانهيار مجلس




.. بن غفير يرد بقوة على غانتس.. ويصفه بأنه بهلوان كبير


.. -اقطعوا العلاقات الآن-.. اعتصام الطلاب في جامعة ملبورن الأست




.. فلسطينيون يشيعون جثمان قائد بكتيبة جنين الشهيد إسلام خمايسة