الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوساخة اللذيذة

هيثم بن محمد شطورو

2015 / 9 / 29
الادب والفن


كانت تمشي على الرصيف المحاذي لسياج السكة الحديدية. تـنورتها الطويلة الى حد كعبيها ذات القماش القطني المنجذب الى خطوط جسدها الانـثوي الفاتـن، تـتمايل مهفهفة بتمايل مشيتها الانـثوية شبه الراقصة. السياج الحديدي على شكل قضبان حديدية مستطيلية الشكل متجانبة.
جاء القطار بهديره الحديدي الحاد مزمجرا و كأنه يلف قطعة القماش المثيرة للشبق لفا، و يمضي و ينـتهي القطار و يندثر صوته الحاد نهائيا. كأنه شيء غير حقيقي. يبدو حقيـقيا لبضع دقائق فقط ثم يذوب نهائيا في المكان و الزمان الذي يبتلع كل شيء باستمرار. حتى بالنسبة لراكبـيه يبدو غير حقيقي فهو مجرد قـاعة مستطيلية الشكل و كأنك في جوف ثعبان أسطوري و مقاعـد طويلة و اناس جالسين و متـنـقـلون في الرواق الضيق، و بائع القهوة و القازوزة و الساندويتـشات، و فكرة ترافق الطريق هي نقطة الوصول و الخروج من تلك القاعة. يـبدو القطار غير حقيقي حتى بالنسبة لقتلاه اللذين يقـذف بهم الى الموت بسرعة الضوء، حيث لا يحـس بالموت ابدا و لا يتخبط بين يدي عـزرائيل السادي.
يبدو القطار حقيقيا حين يتوقف أحد العابرين احتراما لـقطار الموت، او بالنسبة لمن يتـفاجأ به آتيا بوجهه الحديدي الشيطاني الدراغولي فيفر بكل قواه من وجه الموت. يبدو القطار حقيقيا في اللحظات المرعبة التي تسبق مقـتل القـتيل حيث يجذبه الموت بكل قوة و سرعة دون قـدرة على مقاومته. موت مستسلم جبان بالضرورة. يـبدو القطار حقيقيا للذين يتـناهى اليهم خبر احد ما قـد تمزق جسده اربا و قطعا لحمية متـفرقة. يبدو حقيقيا للذين يزعجهم صفيره و مروره في قـلب المكان المألوف لديهم فيختطفه منهم لدقائق. لكل هؤلاء يبدو القطار شيئا مرعبا حقيقيا.
كان واقـفا هناك. تخيل القطار يقـتـلعها فخفـق قـلبه بعنف و كأنه اهتـز من مكانه. لم يدركها بعـد الى ان التـفـتـت الى الوراء. يا له من لقاء بعـد لقائهم الاول منذ شهرين. لقاء مفعم برعب القطار، برعب الموت. الفجيعة التي أصلت الرغبة.
انه الشاب الطويل الذي بحثت عنه لما يزيد عن الشهرين. التـقيا في الحافلة وجها لوجه فـسال الحديث بينهما ممزوجا بالابتسامات. نزلت من الحافـلة بتـثاقـل، دون ان يطلب رقم هاتـفها او يعـقد موعدا معها. قال لها انه يؤمن ان الصدفة خير من الف ميعاد. ها هي الصدفة ربطت موعدا برائحة الموت و الحياة.
قال:
ـ خفت ان يأخذك القطار الى المحو. احسست بك قبل ان ادركك.
ابتسمت و شعرها الرقيق يتمايل بتمايل نسمات ذاك المساء السبتمبري الرائق. قالت :
ـ حين ذاب القطار و لم يعـد قطارا، تملكتـني رغبة قـوية في الالتـفات الى الوراء.
عبرا السكة الحديدية و تدحرجت بهما اقـدامهما الى بناء واجهته مهدمة. توغلا في البناية و هما يحترسان من قطع الحديد المتـناثرة و الاحجار.
البناية وسخة جدا و لكنهما استـقرا على سطحة وجداها. تهافـتـت الايدي على الايدي و الشفاه على الشفاه، و القماش القطني يرتـفع حينا ليـبزغ نور ساقيها الحليـبـيتين الممشوقـتين و ينخفض..
تلك البناية القديمة ذات الواجهة المهدمة و الوساخة و الرائحة الكريهة جدا، غدت منبعا لسحر دائم في استـذكار العاطفة النارية التي نشبت بينهما. كما ان للقطار اشعاع نفسي ممتع لكليهما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم الحلقة كاملة | حملة هاريس: انتخبونا ولو في السر و فن


.. -أركسترا مزيكا-: احتفاء متجدد بالموسيقى العربية في أوروبا… •




.. هيفاء حسين لـ «الأيام»: فخورة بالتطور الكبير في مهرجان البحر


.. عوام في بحر الكلام | مع جمال بخيت - الشاعر حسن أبو عتمان | ا




.. الرئيس السيسي يشاهد فيلم قصير خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى