الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغُربة

قحطان محمد صالح الهيتي

2015 / 9 / 29
الادب والفن


يا ليل ..... خبّر هلــــيْ
ضعت ، وخذاني السيلْ
-
تاهت علـَي خطوتــــي
وضيّعت نجم سهيـــــل
-
بس عمري ما اتغيّرت
ذاك آني ، حبّة هيـــــل
-
أضحك ، وأطش الفرح
وبروحي ، ترفس خيل
-
مجروح ، وانزف شمع
يضوي بصواني الليل
-
كلما صفعني الوكــــت
كلت : اصفع بكل حيل
-
بيدي ازرعــت غربتي
وبيدي حصـدت الويل
-
آه ٍمن الغربة وفيها نوىً، وبعدٌ،ونفيٌ،وتنحيْ،وتغريب. وآهٍ من الوطن حين يستوطن الأغراب فيه، وآهٍ من زمن صارت الغربة فيه وجع والم ودم. وصارت الخيم فيه وطن. وصدق أبو محمد بن مالك القرطبي حين قال:
-
وإنما العذر لـي أنْ جِئتُ فـي زمن ٍ
لا الجيلُ جيلي ولا الأزمانً أزماني
-
ويعرف الإحساس الذي يشعر به الإنسان في بعده عن وطنه بالغربة المكانية، أما الشعور الذي يحس به بسبب تقدم العمر فهو ما يعرف بالغربة الزمانية. هذا من حيث المكان والزمان، أما من حيث الإرادة فهي نوعان:
-
الأول ما يكون بإرادته واختياره فتعرف بالغربة الاختيارية، وتمتد لأيام أو أشهر أو سنوات في سبيل العمل أو التجارة أو في طلب العلم.
والثاني ما يكون خارج إرادته وتعرف بالغربة الإجبارية، وهي التي يجبر الإنسان فيها على ترك موطنه ومدينته وأهله بسبب عوامل خارجية قاهرة، كالحكم عليه بالنفي من بلده، أو وقوعه أسيرًا، أو خروجه منه خوفًا من حاكم ظالم، وخوفا على نفسه وماله من القتل فهو يختار الغربة مجبرا مضطرا لا مخيرا، لأنه يرى أن سلامته لن تتحقق إلا في غير الموطن الذي هو فيه.
-
تؤثر الغربة في الأنسان، من حيث شعوره بالوحشة، ولكن لا يمكن لها أن تنسيه من عاشوا بقلبه ووجدانه ممن أحبهم وأحبوه، فتظل ذكرياته ناقوس يدق في عالم النسيان.
-
وغربتنا اليوم إجبارية، لاحول لنا ولا قوة بها، فقد بَعدْنا عن الدار والديار، نازحين مهجرين داخل الوطن وخارجه بعد أن استوطن الأغراب والأوباش فيه. عندها يقول ما قاله مانع سعيد العتيبه:
-
أأحيـا فيـك يا وطني
غريب الروح والبـدن ِ
-
وأنــت بدايـة الدنيــا
لــديَّ وآخـــر الزمـنِ
-
ورملك كان لي مهداً
وفـي أحضانـه كفني
-
لن أقول ما قاله ابن اللبانة:
-
انفض يديْــكَ مــن الدنيـا وساكِنهـا
فالأرض قد أقفرت والناسُ قد ماتُوا
-
قد تنسينا الغربة بعض الأحداث التي مرت بنا، ولكنها لا تستطيع أن تنسينا من عاشوا في قلوبنا فأحببناهم وأحبونا، فيزداد الحنين إليهم ويعيدنا الشوق إلى ذكرياتنا معهم.
-
والغربة وجع نحسُ فيه كلما نبض القلب، ولكنه وجع من نوع خاص، وجع صادق من دون الم، وجع يعيد إلينا شريط ذكريات الماضي فنحس بضيق دنيا لا أهل فيها ولا أحباب، فتعيش غرباء عن الدار والديار والأهل والوطن، ولكنه شعور جميل وطاهر. فنبكي الديار ونستبكي الرفاق ونردد قول أمرؤ القيس:
-
أجارتنا إنا غريبان ها هنا
وكل غريب للغريب نسيب
-
وحين نألف الغربة نعيشها كما عاشها أبو تمام:
-
ما اليوم أول تَوْديعي ولا الثانـي
البينُ أكثر من شـوقي وأحزانــي
-
دَعِ الفـــراق فإنّ الــدهرَ سـاعده
فصار أملكَ من رُوحي بجثماني
-
وكثير منا سيردد كثيرا قول المبرّد:
-
جسمي معي غير أنّ الرّوح عندكم
فالجسم في غربةٍ والرّوح في وطن
-
فليعجب النّـاس منّــي أنّ لـي بدنـاً
لا روح فيــه ولــي روح بــلا بــدن
-
هذه هي الغربة ، وما أقسى أيامها ،وما علينا إلا أن نعيشها مكرهين على أمل العودة إلى حيث الوطن والأهل والأحبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد شاكر: كنت مديرا للمسرح القومى فكانت النتيجة .. إ


.. حب الفنان الفلسطيني كامل الباشا للسينما المصرية.. ورأيه في أ




.. فنان بولندي يتضامن مع فلسطين من أمام أحد معسكرات الاعتقال ال


.. عندما يلتقي الإبداع بالذكاء الاصطناعي: لوحات فنية تبهر الأنظ




.. إسرائـ.يل سجنتني سنتين??.. قصة صعبة للفنان الفلسطيني كامل ال