الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجشع يجتاح قطاع الطبابة في ليبيا

فاضل عزيز

2015 / 9 / 29
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


إذا ما أصبت بمرض في ليبيا الدولة العربية الأولى في تصدير السياحة العلاجية (المرضى) الى الخارج، رغم الموازنات الفلكية التي ترصد سنويا لقطاع الصحة فيها – و أنت مواطن عادي لا يصلك من خيرات هذا البلد سوى فتات الفتات من موائد اللصوص الذين استباحوا البلاد- فلا ملجأ لك سوى الدعاء لله أن يعينك على التغلب على هذا المرض بمناعتك وقوة جسدك، أو يعجل برحيلك عن الدنيا، حتى لا تضطر الى التفريط في آخر ما عندك وهو السقف المتهالك الذي يأوي أسرتك - هذا إذا كنت تمتلكه أصلا- وذلك لتمويل رحلتك الطويلة و البائسة بين العيادات والمشافي الخاصة التي تحولت إلى أوكار للابتزاز وسلب الموارد، بدون طائل او نتيجة، إلا ما ندر.
فإصابة الإنسان العادي من طبقة الموظفين او المتقاعدين بمرض ولو بسيط في هذا البلد يعني بداية إفلاسه ودخوله في وحل المديونية، هذا إن وجد من يستدين منه المال اللازم لسد جشع طبقة ناشئة من أطباء يتقاضون رواتب مقابل عملهم في المستشفيات العامة تساوي أضعاف أضعاف ما يتقاضاه الموظف العادي، ولا يستطيع الوصول إليهم، ويضطرونه للجوء إلى العيادات الخاصة التي يداومون فيها أكثر من دوامهم في وظائفهم الرسمية بالمستشفيات العامة. فقبل أن تغامر بمقابلة طبيب في عيادة خاصة عليك أن ترصد ميزانية توازي مرتبك لشهرين، هذا إذا كان المرض بسيطا وغير معقد، أما إذا كان مرضا معقدا ويحتاج الى الإيواء والعرض على أجهزة دقيقة وتصوير مغناطيسي وووو الخ من قائمة الأجهزة المسروقة من المستشفيات العامة ، فما عليك إلا البحث عن مصدر تمويل له القدرة على سد جوع تلك الوحوش التي تتخندق في العيادات تتعيش من آلام الناس لتزيد من شقائهم .
في ليبيا -وأنا أحدثكم من واقع مرير أعيشه هذه الأيام- تسود اليوم أخلاق التوحش والجشع وانعدام الضمير والغياب الكامل لفضيلة التراحم غالبية طبقات المجتمع وخاصة أغنياء الحروب من لصوص فبراير 2014م، وأخيرا وصلت هذه الحالة من التوحش وغياب الضمير إلى شريحة الأطباء والعاملين في هذا المجال للأسف الشديد. واللافت للنظر هنا هو أن تنزلق هذه الطبقة من أطباء وفنيين الى هذه الهاوية القذرة ويغرقون في وحلها النتن، فيما نراهم يتخذون من فضيلة الرحمة والإنسانية شعارا مهنيا لهم!! فباستثناء قلقة نادرة من هذه الشريحة ممن ترسخت في نفوسهم فضيلة الرحمة و الإنسانية كمبدأ مهني، يمكننا اليوم أن نرصد غالبية من الأطباء والمهنيين في مجال الطب يمارسون وبكل فجاجة وجرأة عمليات ابتزاز المرضى وسلبهم ما يمتلكونه من فتاة الدنيا، فما إن تدخل باب عيادة أو مشفى خاص حتى يتم لطمك بقرصنة تعريفة مقابلة الطبيب التي تصل في بعض الأحيان إلى ثمن دخلك الشهري كمتقاعد، وبعدها يبدأ مسلسل تمشيط جيوبك بمطالبتك بالمرور على كل أجهزة التحليل والتصوير وووو الخ من قائمة التقنيات الطبية التي حولوها الى آلات للابتزاز الناعم. وعندما يتأكد لديهم أن كل الأفواه المفترسة في تلك العيادة قد أخذت نصيبها من لحمك المهتري، يتفضل ذلك الطبيب بتقديم سلسلة من النصائح وقائمة أدوية قد تحوي أنواعا ليس لحالتك المرضية علاقة بها، فتعود الى بيتك تعاني من أمراض عدة بدل المرض الذي اضطرك لدخول تلك العيادة؛ أمراض نفسية جراء الابتزاز والمعاملة السيئة و الأسلوب الخشن التي يقابلك به بعض العاملين، من موظفة الاستعلامات والممرضات غير المؤهلات إنسانيا للتعامل مع المريض، الى الطبيب الذي لا يراك إلا كحافظة نقود ممتلئة يجب عليه تفريغها في جيبه وفي خزينة الأقسام الخدمية بالعيادة..
أمام هكذا أوضاع تبعث الغثيان والمرارة في النفس، أصبحت على قناعة تامة بأن المواطن الليبي الغلبان الذي لم ينزلق بعد الى مفاسد اللصوصية والابتزاز والسلب والنهب والتكسب من آلام الآخرين ومآسيهم، ولا زال يتمسك بطهره ونظافة يده وبفضيلة التراحم، عليه إذا ما أصابته مصيبة المرض أن يدعو الله أن يمن عليه بحلين لا ثالث لهما؛ إما الشفاء بالاعتماد على مناعته وقدرة جسده على مقاومة المرض، أو التعجيل برحيله عن هذه الدنيا الموبوءة بقذارة الجشع والتوحش والافتراس التي باتت سمة تلازم الغالبية العظمى من فئات هذا الشعب الذي فقد بوصلته وأصبح يعيش هائما وراء سراب المادة والدنيا الزائلة. وعليه ألا يفكر مطلقا في المغامرة بالذهاب الى العيادات والمشافي الخاصة التي حولها الجشع والطمع من مؤسسات للرحمة ومساعدة المرضى، إلى أوكار للابتزاز والمتاجرة في آلام الفقراء الذين يضطرون تحت وقع آلام المرض الى تسديد فاتورة علاجهم مرتين، مرة من خزينة الدولة كمرتبات تدفع للأطباء بلا مقابل خدمي ، ومرة من جيوبهم في خزائن تلك العيادات البائسة التي تحولت من مشافي إلى مصدر لأمراض نفسية واقتصادية تزيد من تردي صحة زبائنها..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس: ما حقيقة هبوط طائرات عسكرية روسية بمطار جربة التونسية؟


.. ليبيا: ما سبب الاشتباكات التي شهدتها مدينة الزاوية مؤخرا؟




.. ما أبرز الادعاءات المضللة التي رافقت وفاة الرئيس الإيراني؟ •


.. نتنياهو: المقارنة بين إسرائيل الديمقراطية وحماس تشويه كامل ل




.. تداعيات مقتل الرئيس الإيراني على المستويين الداخلي والدولي |