الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عالمٌ مرهَق

هشام ساخي

2015 / 9 / 30
الادب والفن


المتشرد صاحب الشعر العث الطويل يريد نزول الدرج الكهربائي بعكس التيار، تصعد سيدة تبدو مُحترمة بمعطفها الأنيق وكعب حذائها السامق، تزدريه من حذاءه الجلدي الوسخ إلى عينيه الذابلتين خدرا وجبينه المتعرق تعباً.. الأغلبية المُستغرقَة في قضايا العِرض والعِرق تنفر من رائحة الغَرَب والعَرَق التي تلف جسده النحيف، الكل يرمُقه بنظرات سخط واستهجان عدا الأطفالَ، أقرباء البداية، أصدقاء البداهة.. يَنقض المُتشرد بنظراته على المصعد المُحاذي الذي ينزلق منه المُسافرون بسلاسة، يرقَبهم بنظرة نافذة، يستقصي قبعة أحدهم إلى أن يَتواريا عن ناظريه وسط الزحام الجائش.. ينصرف عن محطة القطار [الحمام الوديع هنا يأكل من أيادي الملائكة الصغار، والمارة تأخذ صورا تذكارية خاطفة، العالم على عجلة من أمره، وافرنقع المتظاهرون العاطلون عن العمَل منجاةً من عصي حراس المَعبد العتيق] يمشي المتشرد باتئادٍ، وفي شرودٍ يَستبصر الملحمة ويُصغي لهُياجها.. يُخرج كتاب جيب يتناسبُ في هَلهلته والقِيم المُنسلة رائحتها السمجَة من شقوق هذا المكان المُرتب بعناية سيدة تشرفُ على السبعين بعدما استكانَت لقوة التيار الذي يُقلها لمَتَم دورتها وقد أبدعت صوراً مجازية لأزليتها.. يدور المتشرد دورة كاملة، يتجه نحو محطة الطرام (القطار المدينة) يجلسُ على الرصيف، يتحسس الكتاب، يلمحه بنظرة تشي بتبجيل داخلي ناضج، يُتم قراءة بضعة وريقات قبل أن ينهض وَجلا مُتعجلاً وقد لاحت لهُ الفكرة دونما اكتراث أحد لمعينها، أ من إحدى الفقرات، أو من باطن الأرض، لشدة ما تسمرت عيناه وأوغلت في الحفر تحت غشاوة الكتيب، بل والرخام الذي يفترشُه.. يدخل المحطة ثانية.. يقتني بما وفرهُ من دراهم تذكرة قالت المستخدمة البشوشة أنها لن تكفيه لرحلته القصيرة قبل أن تمدها له وقد ساعدته في إتمام ثمنها، يُعربُ بأدب رفيع عن امتنانه لها قبل أن يتجهَ نحو مَخرج المسافرين ثم فُوهة النفق الأرضي فالعالم الآخر.
في عتمة النهار أطراف مُتناثرة على الأرض، وعلى الجدار قُذِف بعبارات ثملة "هنا يُغلَقُ كتابك الأبدي يا ’ديوجينس‘.. صوب سلا، مأوى البؤساء.. لم أستطع مُجاراة إيقاعك يا قطار.."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال


.. محمود رشاد: سكربت «ا?م الدنيا 2» كان مكتوب باللغة القبطية وا




.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو